فهمي الكتوت
بعد يومين من المفاوضات بين قادة الدول السبع، "الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وكندا وإيطاليا في اليابان"، خرجت من مؤتمرها خالية الوفاض. حيث أخفقت القمة في الوصول إلى خطة مشتركة حول كيفية مواجهة تباطؤ النمو الاقتصادي، فقد جاء في البيان الختامي للمؤتمر، "إفساح المجال أمام كل دولة باختيار السبيل المناسب لمواجهة الأزمة، مع التأكيد على أن النمو العالمي يمثل "أولويتهم الملحة" مجددين "التزامهم باستخدام كافة أدوات السياسة الاقتصادية والمالية والميزانية والهيكلية فرادى ومجتمعين" لتحقيق النمو الاقتصادي.
جاءت نتائج قمة مجموعة الدول السبع بعد سلسلة من التصريحات المتشائمة الصادرة عن كبار موظفي صندوق النقد الدولي حول الأخطار الحقيقية التي تواجه الاقتصاد العالمي ودعوة الدول الكبرى للقيام بعمل مشترك لمنع حدوث انهيار اقتصادي. مخيبة لآمال الصندوق. فقد خلت السياسات الاقتصادية في المراكز الرأسمالية كما في السنوات الثمانية الماضية من عمر الأزمة من إجراءات فاعلة في مواجهتها. واتبعت سياسات مالية ونقدية تحفيزية لم تأت بنتائج باهرة، فقد ضخت مئات المليارات من الدولارات لتنفيذ سياسات التسيير الكمي، وفرضت البنوك المركزية سياسات نقدية عرفت بالفائدة الصفرية لتحفيز النمو الاقتصادي.
كشف اجتماع الخميس الماضي عن عدم التوافق على خطة مشتركة في مواجهة الأزمة، ما يعكس عدم تمكن الدول المعنية بطرح خطة لمواجهتها، فالدول الأوروبية اختارت سياسات التقشف بزيادة الضرائب وتقليص الخدمات الاجتماعية وتخفيض الأجور أحياناً، وزيادة ساعات العمل بتعديل القوانين العمالية والتراجع عن الحقوق المكتسبة تاريخيًا كما يجري حاليًا في فرنسا، بهدف تخفيض عجز الموازنة. إضافة الى تراجع سعر اليورو أمام الدولار. وعلى الرغم من الآثار المباشرة لهذه السياسات على الطبقة العاملة والفقراء عامة. إلا أنها لم تحقق النمو الاقتصادي، بل أصبحت جزءا من أسباب الأزمة، بسبب تراجع الطلب الكلي وأثره على النمو الاقتصادي.
أما الولايات المتحدة التي تجنبت سياسة التقشف الأوروبية. وحذرت من نتائجها المحتملة بعودة الركود الاقتصادي. فقد استغلت موقع الدولار كعملة احتياط عالمي في المبالغة في طباعة الورقة الخضراء بدون ضوابط أو محددات متصلة بحجم الإنتاج الأمريكي، إضافة إلى التوسع في سياسة الاقتراض وإصدار سندات الخزينة وغيرها من أدوات الدين، التي تجاوزت قيمة الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة. فالاقتصاد الأمريكي قد يكون أفضل حالا بالنسبة الى معدلات النمو الاقتصادي، إلا أنه يتسم بالضعف؛ حيث أعلن عن نسبة نمو 05% في الربع الأول من العام الحالي، وهو أضعف نمو منذ الربع الأول من العام الماضي. وتحاول الإدارة الأمريكية تحسين صورة الاقتصاد الأمريكي بتعديل النتائج الى نسبة 0.8% وهي في كل حالاتها تعبر عن عمق الأزمة، والمخاطر الحقيقية التي تنطوي عليها السياسات الاقتصادية المتبعة بانزلاق الاقتصاد العالمي نحو الانكماش.
في حين حذّر رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، من تشابه الوضع الحالي للاقتصاد العالمي، بذاك عند انفجار الأزمة الاقتصادية في الأسواق المتطورة قبل ثمانية أعوام، داعياً نظراءه إلى إعطاء الأولوية لسياسات تحفيز النمو، عوضاً عن سياسات "التقشف" و"الإصلاح الهيكلي" وكشف عن بيانات تُظهر تراجع أسعار السلع الأولية في الأسواق العالمية بنسبة 55% خلال الفترة بين حزيران 2014 وكانون الثاني 2016، لافتاً إلى أنّ هذا الهامش هو نفسه للفترة ما بين تموز 2008 وشباط 2009، أي عند انفجار الأزمة الاقتصادية العالمية.
وتشهد فرنسا وبلجيكا والبرتغال، اضرابات واعتصامات عمالية ضد الإجراءات التقشفية؛ ففي الأيام الأخيرة تصاعدت الإضرابات والمسيرات العمالية بشكل ملحوظ، فقد تواصلت الاحتجاجات العمالية في فرنسا على قانون العمل الجديد، التي تعتزم الحكومة من خلاله رفع الحد الأقصى لساعات العمل، وأعلنت النقابات العمالية إن العاملين في 16 محطة نووية لتوليد الكهرباء من أصل 19 محطة، يشاركون في إضرابات جزئية، بتخفيض توليد الكهرباء في البلاد، كما توقف العمل في مصنع لإنتاج الغواصات لأوّل مرة في تاريخ فرنسا، وقطع محتجون خطوط سكك حديدية مما أوقف حركة بعض القطارات. وقد سببت الاحتجاجات والإضرابات أزمة وقود واسعة في فرنسا بعد توقف العمل في ست مصافٍ لتكرير النفط، من أصل ثماني. وبدأت الحكومة السحب من مخزون الوقود الاستراتيجي لمواجهة الأزمة بعد نفاد الوقود في مئات المحطات. وتم إلغاء 15% من رحلات الطيران.
ونظمت النقابات العمالية البلجيكية مظاهرات في بروكسل تحت شعار "طفح الكيل "احتجاجاً على تعديلات قانون العمل وإجراءات التقشف الحكومية، حيث تتصدى النقابات العمالية للتعديلات على قانون العمل بشطب الحدود القانونية لساعات العمل.
كما فشلت الحكومة البرتغالية في ثني عمال الموانئ عن إضرابهم عن العمل الذي استمر أسابيع، مما اضطرها تفريغ السفن من البضائع في ميناء لشبونة بواسطة الشرطة بعد أسابيع من الإضرابات العمالية. وقال الاتحاد العام للعمال إنّ الإضراب يطالب بمزيد من الأمان الوظيفي وزيادة الأجور لعمال الشحن والتفريغ سيستمر حتى تحقيق أهدافه.
إنّ السياسات المتبعة في البلدان الرأسمالية والمعتمدة على سياسة التقشف وتشديد الاستغلال الطبقي، تسهم بلا شك في زيادة أرباح الاحتكارات الرأسمالية، لكنها لا تعالج الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، وإن سياسات اقتصادية جديدة تنطلق من تحقيق العدل وتوفير فرص العمل وتخفيض الضرائب على العمال والمزارعين والفقراء عامة، هي وحدها القادرة على التعامل مع الأزمات الاقتصادية.