المفتي العام للسلطنة يفتتح مبنى المحكمة العليا والمجلس الأعلى للقضاء بالعذيبة

بتكليف سام من لدن حضرة صاحب الجلالة

< الخليلي: تطبيق العدل ضرورة ملحة.. والمؤسسة القضائية تحمي قيم الإنصاف والنزاهة والعدالة

< البوسعيدي: إنشاء هذا المعلم الحضاري يدل على اهتمام المقام السامي بإبراز المكانة العالية للقضاء بالسلطنة

الرُّؤية - مُحمَّد قنات

تصوير/ راشد الكندي

بتكليفٍ سامٍ من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- افتتح سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة، أمس، مبنى المحكمة العليا بالعذيبة، بحضور عدد من أصحاب المعالي وعدد من أصحاب الفضيلة والسعادة. واشتمل حفل الافتتاح على عرض مرئي عن القضاء العماني وعدد من القصائد الشعرية. وقام سماحة الشيخ المفتي العام للسلطنة والحضور بجولة في أروقة المبنى.

وقال سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة في كلمته: علينا أن نستذكر مكانة العدل في الإسلام، وكيف اهتمَّ الإسلام بتوفير العدل باعتبار أنه ضرورة بشرية مُلحَّة؛ لأنَّ الله سبحانه وتعالى فطر البشر على الاجتماع؛ فكل إنسان هو مدني بطبعه، واجتماعي بفطرته، ولابد أن يتواصل مع بني جنسه، وخلال هذا التواصل تتداخل المصالح مما ينتج عنه التدافع والتجاذب الذي يؤدي إلى خصام، فإنَّ ضراوة الإنسان إن لم يكن مصوناً بعقيدة مصونة في النفس وبحكم رادع عن الهوى، فإن ضراوته تفوق السبع الفتاك، وقد تؤدي إلى سفك الدماء ونهب الأموال وإزهاق الأنفس، وإخافة الآمنين؛ لذا كان الفصل بين الناس ضرورة ملحة لإعطاء كل إنسان حقه.

على أنَّ العدل ضرورة ملحة والمؤسسة القضائية يجب أن تكون متميزة بالعدل والإنصاف وبالتقوى والنزاهة والأخلاق العالية، فإنها مسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى قبل أن تكون مسؤولية أمام الخلق. وهذا ما يدعو إلى العناية والتعاون من قبل الكل من أجل إيتاء ذوي الحقوق حقوقهم من غير حيف على أحد، ولا محاباة لأحد، ولأجل هذا كان التوجه السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- إلى ترسيخ العدل والإنصاف بين الناس، وإلى إيتاء هذه المؤسسة القضائية مكانتها التي تليق بها، وأنْ يجد فيها الإنسان الأمن والطمأنينة، وأن يجد فيها المظلوم العدل والإنصاف. واستدل بالآية الكريمة: "إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا". وأضاف سماحته بأن العدل يقتضي أن ينصف البعيد وأن لا تكون البغضاء والشنأن سبباً لحرمان الناس من العدل والانصاف؛ حيث إنَّ الله سبحانه وتعالى لم يترك العدل لإرادة الناس فقط، بل جعله منهجاً تطبيقياً ونزل القرآن الكريم معززاً له وكان الله سبحانه وتعالى رقيباً عليه، كما أنه نزل آيات تتلى في الصلوات وغيرها تتحدث عن الإنصاف؛ حيث إنَّ الله سبحانه وتعالى يحب العدل بين العباد وهو ما تؤكده الآية "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ باِلْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ".

وأشار إلى أن الإسلام جاء لتوطيد العدل.. وأن كل إنسان مدني بطبعه اجتماعي بفطرته لابد أن يتواصل مع بني جنسه ومن خلال هذاالتواصل تتداخل الحياة بمصالحها ومشكلاتها وهنا يكون التدافع والتجاذب وقد يؤديهذا إلى خصام كبير وإن الفصل بين الناس ضرورة ملحة من أجل إعطاء كل إنسان حقه وقد أكد الله سبحانه وتعالى في كتابه على العدل في أكثر من مرة وبين أنه لابد منه مستشهدا بقوله تعالى "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل". وأضاف بأن الله سبحانه وتعالى قد بين أن القائم بالقسط بين الناس أن ينصف من نفسه وذوي قرابته قبل ان ينتصر لنفسه وقرابته من الاخرين حيث يقول الله سبحانه وتعالى: "ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ"، لافتا إلى أن المؤسسة القضائية يجب أن تكون متميزة بالعدل والإنصاف والتقوى والأخلاق العالية، خاصة وأنها مسؤولية أمام الله تعالى قبل أن تكون مسؤولية أمام الخلق، ويجب إعطاء الحقوق إلى أهلها من غير محاباة لأحد، ومن أجل ذلك كان التوجه لصاحب الجلالة -حفظه الله ورعاه- بترسيخ العدل والإنصاف بين الناس وإيلاء المؤسسة القضائية مكانتها التي تليق بها، وما يدل على ذلك التوجه إلى إيجاد الأماكن اللائقة من أجل أن تكون صروحاً للعدل، وأن يجد فيها المظلوم العدل والانصاف.

وقال فضيلة الشيخ الدكتور إسحاق بن أحمد البوسعيدي رئيس المحكمة العليا نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء -في كلمته- إنَّ مبنى المحكمة العليا والمجلس الأعلى للقضاء وجامع السلطان قابوس الأكبر تُشكل لوحة حضارية مُشرقة للترابط الوثيق بين الدين والعدل والأصالة والقيم والأخلاق. موضحا مكانة المحكمة العليا في أعلى الهرم القضائي بالدولة وتتجلى مهمتها في مراقبة مدى سلامة تطبيق المحاكم للشريعة والقوانين ومتابعة صحة الإجراءات والقرارات القضائية، كما أنَّها تُسهم في تطوير التشريعات الوطنية وهي بذلك تحتل مكانة عظيمة في المجتمعات وتعد مكونا أساسيا من مكونات الحضارة الحديثة التي لا تقوم إلا على وجود نظام عدالة مستقل وفعال يصون حقوق الإنسان وييسر للجميع اللجوء إليه ويُسهم في بسط الأمن وتعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي ويكفل حق التقاضي في إطار منظم ومستقر ومحايد. وأكد فضيلته أنَّ إنشاء هذا المعلم البارز يدل على اهتمام المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم -أيَّده الله- بكل مكونات الحضارة في هذا البلد العزيز ودليل على ثقافة المجتمع العماني ورقيه وتقدمه وعدالته، ويعكس جلال وجمال وهيبة العمارة العمانية والمكانة العالية للقضاء بالسلطنة.

وقال معالي الشيخ عبدالملك بن عبد الله الخليلي وزير العدل -في تصريحات صحفية- إنَّ تشييدَ مبنى المحكمة العليا على هذا النمط المعماري الفخم يعكس مكانة وأهمية القضاء في فكر القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- الذي أولى القضاء العناية والاهتمام الكبيرين، وسخَّر له الإمكانات الموضوعية والمادية ليصبح اليوم منظومة قضائية مؤسسة ناجزة وفق الأنظمة القضائية المتطورة في الدول المتقدمة؛ وذلك بفضل منظومة التشريعات القضائية والقوانين المرافقة.

ويقع المبنى الجديد في العذيبة، مقابل جامع السلطان قابوس الأكبر، ويتكون من ستة طوابق يتضمن مكاتب لأصحاب الفضيلة القضاة وأخرى لأمانة المحكمة ومكاتب لإدارة الادعاء العام، إضافة إلى قاعات للانتظار والمداولة والاجتماعات وأربع قاعات للنطق بالحكم وهي مزودة بالحواسيب والشاشات وكافة التجهيزات الرقمية المرتبطة مباشرة بمرافق المبنى والتي يمكن ربطها الكترونيًا للبث المباشر مع المعهد العالي للقضاء ليتاح للقضاة الوقوف على أداء المحكمة العليا. وتوجد في المبنى قاعتان للندوات تتوافر بهما كافة الوسائل والتجهيزات الإلكترونية، إلى جانب أجهزة الربط التليفزيوني والبث الخارجي ومكتبة تستوعب مساحتها حوالي عشرة آلاف كتاب وقاعات انتظار للمحامين والمراجعين ومساحات كبيرة لخدمة المتقاضين.

تعليق عبر الفيس بوك