خبراء: التشريعات العمانية تحسم مشكلات الحضانة.. ولجوء الآباء إلى الحكمة يقضي على المنازعات الأسرية

< حمودة: شروط واجبة النفاذ لتحقيق مبدأ الحضانة سواء للأب أو الأم

< علي: حضانة الصبي للأم حتى 7 سنوات.. والفتاة حتى سن البلوغ

< الفليتي: لا حضانة لمجنون أو معتوه.. وزواج الأم يسقط عنها حق الحضانة

< المعمرية: الغيرة والمكايدة وراء خلافات الآباء حول الحضانة.. وتحكيم العقل والمصلحة العامة ضروري

أكَّد قانونيون أنَّ التشريعات المختلفة تضع الضوابط والقيود الخاصة بحضانة الأبناء، في حال وقوع خلاف بين الزوجين، وأنَّ حضانة الأبناء تعتمد على عُمر الابن؛ إذ إنه في بعض المراحل السنية يتم تخيير الأبناء بين البقاء مع أمهم أو مع أبيهم.

وقال الخبراء إنَّ حالات النزاع على حضانة الأطفال تنشأ بصورة أساسية عندما ينفصل الزوجان ويختلف كل منهما في مكان تواجد الأبناء.. مشيرين إلى أنَّ سن الحضانة يختلف باختلاف العمر، وما إذا كان ذكرا أو أنثى، فإذا كان ذكراً فإن الحضانة تستمر حتى سبع سنوات، أما إذا كانت أنثى فإن حضانتها تستمر حتى سن البلوغ.

الرُّؤية - مُحمَّد قنات

وقال المستشار القانوني الدكتور فتحي حمودة: إنَّ كافة الشرائع اهتمت بمسألة حضانة الأطفال، لكن لم تكن هناك شريعة قانونية اهتمت بالأطفال وحضانتهم ووضعت أدق التفاصيل بشأنها مثل الشريعة الإسلامية، والتي انتبهت لأهمية المحاضن وخطورتها، وتأثيرها في تكييف عقلية النشء على المنهج، والفلسفة، والسلوك الذي يراد منه. وأضاف بأن الحضانة في الإسلام لها أهمية خاصة، وخطورة بالغة، من أجل ذلك أوجبها الإسلام على الأب أو من ينوب عنه، في حال الوفاة أو العجز، وتزداد أهمية الحضانة ويعظم قدرها عندما يفترق الزوجان، وتنشأ بينهما نزاعات وخصومات تعرض الطفل لمخاطر كبيرة، إذا لم يلتزم الطرفان المتنازعان بالأحكام الشرعية والآداب المرعية، ويتقيا الله في أنفسهما وأولادهما، ويقدما مصلحة الأولاد على حظوظ النفس.

الحضانة اصطلاحا

وأوْضَح حمودة أنَّ الحضانة في اللغة تأتي من الحضن، وهو الجنب، لأن الحاضن يضم الطفل المحضون إلى جنبه، وشرعاً حِفْظ صغير أو معتوه أو معاق عما يضره، وتربيته ورعاية مصالحه، إلى أن يكبر، أو يصح؛ والحضانة والكفالة سواء. وتابع أن بعض الفقهاء عرف الحضانة بأنها التزام بتربية الطفل، والقيام بحفظه، وإصلاح شأنه في المدة التي لا يستغني فيها عن النساء، ممن لهن حق تربيته شرعا، وبذا تدخل ضمن ولاية التربية والحفظ والرعاية. وأشار إلى أن الطفل منذ ولادته يمر بعدة مراحل؛ الأولى مرحلة الصغير، وهو من لم يبلغ سن التمييز، والمرحلة اللاحقة هي مرحلة التمييز حتى بلوغه سن الرشد، موضحا أن الطفل منذ ولادته وحتى بلوغه سن التمييز تكون الحضانة في هذه السن للنساء مطلقا؛ حيث إن الطفل في هذه المرحلة من العمر في حاجة إلى الحنان والرعاية لا يقدر عليها إلا النساء، والأم مقدمة على غيرها من النساء في هذه المرحلة التي يحتاج فيها إلى عطفها وحنانها. وقال إنه بذلك تكون حضانة الطفل في هذه المرحلة من العمر للأم بإجماع الفقهاء، إلا إذا قام بها عارض من الأسباب التي تسقط حضانتها، أو تنازلت عن حضانتها للطفل بمحض إرادتها لمن يقوم بها من النساء، ودليل أن الحضانة تكون في هذه السن للأم قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "أنت أحق ما لم تنكحي"، وبذا يقرر هذا الحديث أن زواج الأم عارض يسقط حضانتها بحكم الشرع.

ومضى قائلا: إنَّ حق الأم في حضانة الطفل في هذه السن واجب عليها، إلا إذا وجد من يصلح له صح تنازلها عن هذا الواجب، وبذا قرر الفقهاء أنه إذا خلعت الأم زوجها على أن تتنازل عن حضانتها لولدها لصالحه، صح الخلع وبطل الشرط، أي أن تنازل الأم عن الحضانة لا يسرى في حق الطفل، فيجوز لها أن تتراجع عن هذا التنازل وتسترد حضانة الطفل، وعلى القاضي أن يلبى طلبها، وهذا بإجماع الفقهاء وما أقرته تشريعات الأحوال الشخصية المختلفة، حتى في أوروبا. وأوضح أن حضانة الأم في هذه السن مقررة بالإجماع، وعند سقوط حضانة الأم في هذه السن لأي سبب لا تنتقل حضانة الطفل إلى الأب، وإنما للنساء من جهة الأم الأقرب فالأقرب، وهذا لا يمنع من اتفاق الحضانة وولي الطفل على نقل الحاضنة إليه.

سن التمييز

وزاد حمودة قائلا: إنَّ سن التمييز يُقصد بها بلوغ الطفل حدًّا من العمر يستقل فيه بخدمة نفسه بعض الاستقلال، وذلك بأن يأكل وحده ويلبس وحده، وقدر بعض الفقهاء ذلك ببلوغه السابعة من العمر بالنسبة للذكر، أما البنت فتبدأ عندها سن التمييز ببلوغها مبلغ النساء وهي تسع سنين في رواية عند الإمام أحمد؛ حيث إن حضانة الولد في سنة التمييز -حسب الذي جرى عليه العمل- هو تخييره بين الأب والأم، وقد قضى بذلك عمر وعلي رضي الله عنهما، وكذلك شريح القاضي، وقد ثبت أنه جاءت امرأة إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقالت له: "إنَّ زوجي يريد أن يذهب بابني: وقد سقاني من بئر أبي عنية وقد نفعني"، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت، فأخذ بيد أمه فانطلقت به"، وقد أجمع الصحابة على هذا الحكم.

وتابع بأنَّ التخيير للصبي في هذه السن لا يثبت إلا إذا استوى الأبوان في الصلاح والاستقامة والمحافظة على مصلحة الولد، وليس التخيير قاعدة مطلقة، إنما المطلق هو مصلحة الصغير والتي تدورها معها الأحكام عموما من حيث العلة. وأضاف بأن الرأي الغالب والجاري عليه العمل في حضانة البنت في هذه السن، هو أن تكون حضانتها عند من تظن المحكمة أنه أقدر على رعايتها، وهى الأم، إلا إذا توافر مانع ما فتقع الحضانة على أبيها. وذلك على خلاف بين الفقهاء، فمنهم من يقر الحضانة في هذه المرحلة للأب أولا، لأن الرجل أغيَر على البنات من النساء، ولهذا المعنى وغيره جعل الشرع تزوجها لأبيها دون أمها، ولم يجعل لأمها ولاية على نفسها ولا على مالها؛ حيث تنتهي حضانة النساء بالبلوغ بالنسبة لكل من الذكر والأنثى، ثم تكون الحضانة للأب حتى يكتمل نضج الابن، ويتم زواج البنت، والبالغ الراشد عموما له الخيرة في الإقامة عند من يشاء من أبويه، فإن كان ذكرا فله الانفراد بنفسه عنهما، وإن كانت بنتا لم يكن لها الانفراد، ولأبيها منعها من ذلك.

حالات الانفصال

وقال المحامي والمستشار القانوني الدكتور أيمن علي: إنَّ الحضانة قانوناً تعني حفظ الولد ورعايته بما لا يتعارض مع حق الولي في الولاية على النفس، وعرفها الفقهاء بأنها القيام بتربية الصغير، ورعاية شؤونه، وتدبير طعامه، ونومه، وملبسه، وتنظيفه في سن معينة. والحضانة بذلك حق للصغير والوالدين على حد سواء.

واضاف علي بأن مشكلات حضانة الصغير لا تثار إلا في حالة انفصال الزوجين ومحاولة كل منهما الإستئثار بالحضانة، ويختلف سن حضانة الصغير بين ما إذا كان ذكراً أو أنثى؛ فإذا كان ذكراً فإن الحضانة تستمر حتى سبع سنوات. أمَّا إذا كانت أنثى فإن حضانتها تستمر حتى سن البلوغ، إلا أن هذا السن لا يلزم القاضي فيجوز للقاضي حسب سلطته التقديرية، أن يحكم باستمرار الحضانة رغم تجاوز الصغير هذا السن، إذا كان في ذلك مصلحة للصغير.

وتابع بأنَّه نظراً لما للحاضن من تأثير بالغ على الصغير؛ لذا حرص قانون الأحوال الشخصية العماني رقم 32 لسنة 1997، على وضع الشروط الواجب توافرها في الحاضن؛ سواء كان ذكراً أو أنثى. وبيَّن أنه يمكن تقسيم هذه الشروط إلى أولاً شروط عامة؛ أي سواء كان الحاضن ذكراً أو أنثى، ويمكن إجمالها في العقل، وذلك لأن الغرض من الحضانة القيام على مصلحة المحضون في شخصه، وكذلك الأمانة، فقد اشترط بعض الفقهاء عدم الفسق فلا حضانة لفاسق. ومضى قائلا إن من بين الشروط البلوغ؛ لأن غير البالغ يحتاج إلى من يرعاه، وفاقد الشيء لا يعطيه، كما أنه يجب خلو الحاضن من الأمراض المعدية، حتى لا يضر بالمحضون، وأخيراً يشترط القدرة على تربية المحضون ورعايته. وأبرز علي الشروط الخاصة إذا كان الحاضن رجلاً، وتتمثل في أنه يجب أن يكون ذا رحم محرم إذا كانت الصغيرة أنثى، ونظراً لأن الرجل بطبيعته بصفة عامة لا يوجد لديه الصبر للقيام بأحوال المحضون، من إطعامه ورعايته؛ لذا يُشترط أن يتوافر لديه من يصلح لحضانة الصغير من النساء؛ سواء كانت زوجة أو أمًّا، كما أن من الشروط الخاصة أنه إذا كانت الحاضنة أنثى فيجب أن تكون خالية من زوج أجنبي عن الصغير دخل بها.

وتابع القول: "لقد اعتنى قانون الأحوال الشخصية العماني ببيان ترتيب مستحقي الحضانة في حالة الفرقة بين الأبوين، وقدم ترتيب الأم في الحضانة على الأب، ثم يلي الأب جدة الصغير لأمه، وهذا الترتيب الذي أورده القانون لا يجوز للقاضي مخالفته، إلا في حالة فقدان الحاضن أحد شروط الحضانة، وفي حالة عدم وجود الأم أو الأب أو الجدة لأم أو فقدانهم للشروط تكون الحضانة إلى خالة المحضون يليها جدة المحضون لأبيه وأن علت ثم أخت المحضون، وخالة أم المحضون، وفي تلك الحالة يجوز للقاضي أن يعمل سلطته التقديرية ومخالفة الترتيب القانوني للاقرباء".

حق الوليِّ

فيما قال المحامي والمستشار القانوني سالم الفليتي: إنَّ المادة (125) من قانون الأحوال الشخصية العماني عرّفت الحضانة بأنها حفظ الولد ورعايته بما لا يتعارض مع حق الولي في الولاية عن النفس، ويعطي المشرع في هذا النص مفهوما واسعا لمعنى الحضانة؛ إذ تعد حضانة الصغير حقا للوالدين، وحقا للصغير كذلك، فإذا كان الصغير المحضون في يد حاضنته (أمه) فإنه بالتأكيد لا يمنع والده من تعهده عندها بإعتباره الأب وهو بطبيعة الحال ولي النفس. واشار إلى أن المواد من (126-128) تكفلت بتعداد شروط الحضانة التي تتمثل في العقل، فلا حضانة لرجل أو إمرأة، إن كان مجنونا أو معتوها، باعتبار أن هدف الحضانة هو رعاية مصالح الصغير، وهذا بطبيعة الحال لا يمكن تحققه طالما الحاضن غير كامل البلوغ. وتابع بأنه لا حضانة للصغير ولو كان مميزا فهو لا يحسن القيام بشؤون نفسه؛ وبالتالي من المؤكد أنه لا يحسن القيام بشؤون غيره، إلى جانب الأمانة والسلامة من الأمراض المعدية الخطيرة، وذلك وفق ما نصت به المادة (127) من القانون ذاته؛ حيث يُشترط في الحاضن إذا كانت امرأة أن تكون خالية من زوج أجنبي عن المحضون دخل بها إلا إذا قدرت المحكمة خلاف ذلك لمصلحة المحضون.

حالات الطلاق

وقالتْ بشرى بنت عبدالله المعمرية: إنَّ الطلاق من المشكلات التي باتت تتزايد في المجتمع، وما يتبعها من مشكلات سواء على المرأة او الرجل او الابناء بصفة خاصة، لاسيما إذا ما وقع الأبناء ضحية مشاعر غير صحية من الأبوين؛ كالغيرة والأنانية والمكايدة، التى تجعل كلا الطرفين يرى نفسه الأحق بحضانة الابناء فيتنافس الطرفين على حق حضانتهم منافسة تتنافى مع ابسط قواعد الأبوة والإنسانية. وأضافت بأن الحضانة في أصل الشريعة الإسلامية هي الولاية للتربية والاهتمام بالاطفال ورعايتهم والقيام على شؤونهم ومسؤولياتهم في الفترة الاولى من حياتهم، والعبرة من ذلك تحقيق مصلحة المحضون اولا قبل الحاضن. وترى المعمرية أن الام هي الاصلح بهذه الولاية اذا كان الابناء دون سن التمييز او سن ما قبل المراهقة، ما لم يُطعن في عقلها واخلاقها وعفتها طعنا مثبتا، إذ إن الأم هي الأجدر والأكثر حنانا للاطفال، واوفر صبرا من الاب، مشيرة الى أنه لا يوجد نص واضح في القرآن الكريم او السنة النبوية الشريفة يحدد جزما السن التي تنتهي فيها حضانة الام لابنائها.

وتابعت بأنَّ سن الحضانة يجب أن ترتبط بمصلحة الصغير، والتي قد تختلف من عصر لآخر، وما كانت المرأة تقبل به منذ عشرين او ثلاثين عاما من حيث المدة التي وضعها القانون وليس الشرع فيما يتعلق بالحضانة، أصبحت لا تقبل به الآن في ظل المتغيرات العصرية، لأن المرأة تعلمت وأصبحت عاملة ومستقلة ماديا وأصبح في مقدورها توفير حياة كريمة لابنائها ولم يصبح دورها فقط معنويا كما في السابق، مع التأكيد على أنَّ هذا لا يلغي حق الاب في المشاركة في تربية أبنائه من خلال تفعيل مبدأ الرعاية المشتركة.

تعليق عبر الفيس بوك