مصير مجلس 2018 المجهول!

عبيدلي العبيدلي

ما إن يبدأ نقاش سياسي في مجالس البحرين النشطة إلا وينتهي بوقفة عند الأوضاع السياسية الراهنة، ويحتدم كي ينتهي بحديث ذي شجون عن المجلس النيابي الحالي، وعدم رضا المتحاورين عن أدائه. يختلف المتحاورون حول الكثير من القضايا السياسية، لكنّهم يجمعون على "قصور الأعضاء عن القيام بما انتخبوا من أجله".

لن أتصدى هنا للدفاع عن المجلس فله أعضاؤه الذي بوسعهم أن يتولوا هذه المهمة، فهم أدرى بشعابه، وأكثر كفاءة للتصدي لهذه المهمة. لكن كلمة حق ينبغي أن تقال بشأنهم وبمقام أداء المجلس. فقد تشكل هذا المجلس بعد ولادة متعسرة فرضتها ظروف موضوعيّة، كانت تمر بها البحرين، وما تزال تعيش تداعياتها، حطّت المجلس وأعضاءه في وضع لا يحسدون عليه، وضاعفت من التحديات التي يواجهها المجلس كمكون من مكونات العمل السياسي البحريني، وأعضاؤه كنواب يمارسون نشاطهم السياسي والاجتماعي تحت قبته.

فعلى المستوى السياسي جاء المجلس وسط ظروف مناوئة له، ومضادة لحركته الطبيعية المنطقية، كان الأبرز بينها، وبالتالي الأكثر سلبيّة في وجهه، هو انعدام ثقة متبادل بين الحكم والجمعيّات السياسيّة، نتيجة الحراك السياسي الذي عرفته البحرين خلال الفترة بين 2011 و2014، بما فيها انسحاب كتلة "جمعيّة الوفاق" من مجلس 2010، وما أدى إليه ذلك من مقاطعة الجمعيّات السياسية التي تشكل "الوفاق" الجسم الأكبر فيها، وتحاشي الحكم تعثر محتمل للمجلس جراء انسحاب بعض أعضائه عند أي منعطف حاد محتمل يمكن أن تمر به البلاد خلال الدورة الحالية، أو تصعيد مطالبه بما يتجاوز ما هو متعارف عليه في قاموس الدولة السياسي. ومن ثم فقد ولد المجلس في بيئة غير مناسبة للعمل النيابي التقليدي المنطلق بين ثقة بين السلطة التنفيذية والتشريعية. ضاعف من سوء أوضاع تلك البيئة، مقاطعة نسبة عالية من الجمعيات السياسية، سواء على مستوى الأعضاء، أو على مستوى الحضور السياسي في المجلس لانتخابات 2104، الأمر الذي فرض على المجلس، موضوعيا، مواجهة غير طبيعية مع نسبة عالية من الشارع السياسي الذي يفترض أن يكون هو الممثل الطبيعي له.

وفي السياق ذاته، خلا المجلس؛ باستثناء حالة واحدة من كتل سياسيّة مؤطرة قادرة على مدّه بالحيوية التي يحتاجها. وهنا من الخطأ فهم ذلك، كما يجري اليوم في محافل البحرين السياسية، أنّه قصور شخصي من هذا النائب أو ذاك، فتاريخ العمل السياسي يؤكد أنّ كفاءة أداء أي عضو مجلس نيابي تتناسب طرديا مع حيوية الكتل المشكلة تحت سقفه، والمعبرة عن برامج تشكلات سياسية من خارجه.

تفاعل ذلك سلبيا مع أوضاع اقتصادية معقدة مصدرها تراكم الدين العام للدولة من جانب، وتراجع أسعار النفط على نحو مواز. أفرز ذلك أزمة اقتصادية متضاعفة بحاجة إلى إدارة أزمات غير تقليديّة، قادت إلى إثقال كاهل النواب، ووضعتهم أمام تحديات من نمط مختلف، انعكس سلبا، بشكل موضوعي لا علاقة له بالنواب أنفسهم، على أدائهم النيابي، وضاعف من حجم المهمات التي ينبغي لهم التصدي لها. هذا الواقع الاقتصادي المتراجع والغاية في التعقيد، ألقى بظلاله على واقع المواطن، الذي رفع من توقعاته في دور المجلس لمساعدته على تجاوز الظروف الاقتصادية التي باتت تمارس ضغوطا متصاعدة على مستوى معيشته.

تفاعلت كل هذه العوامل سلبيًا مع الانقسام الطائفي الحاد الذي لم تعرفه البحرين في تاريخها السياسي، والذي لم يكن في وسع النواب تجاوزه، سواء إبّان حملاتهم الانتخابية، أو بعد فوزهم بالمقاعد التي ترشّحوا لها. لقد ورث النواب وضعًا اجتماعيا يغلي بإفرازات الحراك السياسي، واكتشفوا أنّ حيّز حركتهم لتقليص سلبيات تلك الإفرازات ضيق ومحدود بعوامل خارجة عن إرادتهم. لقد بخّرت تلك التشظيات الطائفية نسبة عالية من قوة النائب، وحرمته من المؤازرة الحقيقية التي لا يمكن أن تعوضها حركته الذاتية، مهما كانت الدائرة التي تشبعها.

في ضوء كل ذلك، وبعيدًا عن أيّة انفعالات ذاتية قد تساعد على تفريغ شحنة عدم الرضى الشخصية، لكنّها لن تكون ذات جدوى، ولن تستطيع أن تغيّر الوضع الحالي، الذي ربما يكون النواب أول من يريد تغييره نحو الأفضل، هناك حاجة ماسة لمصارحة مع الذات تمارسها الجمعيّات السياسيّة البحرينية دون استثناء لأي منها، بما فيها تلك التي وافقت على المشاركة في انتخابات 2014، من أجل تحديد المسار السياسي لهذه الجمعيات من الآن حتى انتخابات 2018.

فمثل هذا الوضع الذي لا يختلف إثنان على ضرورة الخروج من سلبيات شرنقته، والتمرد سلميًا، ومن خلال الأطر الشرعيّة، على تلك السلبيات، من أجل تغييره نحو الأفضل، يرفع علامة استفهام كبيرة في وجه من يرغب في ممارسة العمل السياسي المنظم: هل ستكرر التجربة ذاتها في انتخابات 2018؟ وهل سيكون نواب المجلس القادم ضحايا جدد لظروف خارجة عن إرادتهم؟ ويجبرون، بالتالي، على خوض معارك سياسية وهم مجردون من أسلحتهم النيابية.

مثل هذه التساؤلات تطالب الجمعيّات السياسية بالإجابة عنها اليوم، إن هي شاءت تدارك الأوضاع والمساعدة في وقف ترديها، كي تسارع فتشرع في وضع برامجها الانتخابية، في حال موافقتها على المشاركة، وترسم خططها التعبوية بشكل مدروس يضمن لها تحقيق أهداف تلك البرامج.

وعلى قدم المساواة، تطالب تلك التساؤلات من سيقاطع انتخابات مجلس 2018 أن يضع أمام أعضائه ومن قبلهم المواطن العادي البدائل الأخرى، والبرامج السياسية البديلة التي لا تهمش العمل الجماهيري، ولا تخرج عن الشرعيّة.

تحاشي الإجابة عن هذه الأسئلة، مهما حاول من يتهرب منها أن يتحلى بالهدوء والموضوعيّة وتحمّل المسؤوليّة، أو إهمالها، وتأجيل موعد تحديد موقف من الموضوعات التي تثيرها، يضع انتخابات 2018 أمام مصير مجهول، ويجلس الوضع السياسي البحريني على كف عفريت، وكلاهما خيارات لا يريد المواطن البحريني حتى مجرد التفكير فيها دع عنك القبول بها.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة