دور المعلومات في صنع القرارات الصائبة

عبيدلي العبيدلي

عادَ الفنان بيكاسو مع أحد أصحابه إلى منزله في وقت متأخر من الليل، ليجده مقلوبا رأسا على عقب، وكأن يدا غريبة دخلت الدار في غيابه وعبثت بمحتوياتها. بعد أن تفقد بيكاسو حجر البيت، اندهش صاحبه لقوله: "يغضبني أن هؤلاء الأغبياء لم يسرقوا شيئا من لوحاتي".

ابتسم هذا الصاحب، وخاطب بيكاسو قائلا: لِمَ التسرع في قرارك؟! ربما ارتأوا عدم سرقة اللوحات احتراما لك، بعد أن عرفوا أنك أنت من قام برسمها، وربما شعروا بمداهمة الشرطة للمنزل فلاذوا بالفرار قبل أن تقع في يدهم. ومضى الصديق يسرد احتمالات أخرى، يقول من ذكر الرواية إنها لم تدر بخلد بيكاسو.

لا يُمكن توجيه اللوم لبيكاسو؛ فمن الصفات الملازمة لأي فنان في مقامه: التلقائية السريعة في ردة الفعل، والتي تعبر في جوهرها عن صدق نوايا المبدع، وعدم مواراته لانفعالاته التي غالبا ما تكون معبرة عن صدق مع النفس البعيد عن أي شكل من أشكال المخاتلة.

تُثير هذه الحادثة الطارئة في حياة بيكاسو مسألة في غاية الأهمية، وهي تلك العلاقة الوطيدة المضطردة التناسب بين صحة القرار وصوابه من جهة، وكمية المعلومات المتوفرة لدى صاحبه، ومصداقيتها من جهة ثانية.

وفي عصر ثورة المعلومات وتناسلها الفلكي، تزداد أهمية هذه العلاقة، وتتطلب مزيدًا من التشذيب والمأسسة. وهذا ما بتنا نشهده في مؤسسات انتاج المعلومات وبثها، وإدارات صنع القرار وتنفيذها.

فعلى مستوى المعلومات، بتنا نشهد الكثير من الجهات ذات العلاقة، سواء بوصف كونها مشرعة لتنظيم سوق المعلومات أو شركات تقوم بتوفير المعلومات والخدمات التي تولدها؛ حيث راحت تضع مقاييس مزاولة الأعمال في تلك السوق، وتنسيق العلاقات بين النشطين فيها.

وهكذا عرفت أسواق المعلومات المواصفات الجيدة التي ينبغي أن تتمتع بها المعلومات المتداولة تجاريا، والتي يمكن رصد الأهم بينها في النقاط التالية:

- الصحة والدقة.

- المصداقية، وقد ضعت، كما جاء على لسان الكاتبة ازدهار علي خمسة معايير تُسهم في "تقييم مصداقية المعلومات على الإنترنت؛ وهي: الدقة، وهيئة المؤلفين، والموضوعية، والحداثة، التغطية أو المدى".

- التنافسية؛ إذ لا بد أن تتمتع المعلومات بمواصفات تميزها عن مثيلاتها؛ سواء من حيث غنى المادة التي توفرها، أو الخدمات التي تولدها تلك المعلومات، مقارنة بمثيلاتها في السوق. هذا التفوق التنافسي يمد المعلومات بعناصر إيجابية أخرى من بينها المصداقية التي تحتاجها لتوسيع نطاق تداولها.

- العمر الزمني المتجدد؛ إذ ينبغي للمعلومات التي تريد عرض نفسها في الأسواق العالمية أن تتمكن من تجديد مادتها وتحديثها بشكل دوري يضمن لها القدرة على الصمود في الأسواق في وجه أي منافس قائم حاليا، أو آخر محتمل قدومه في المستقبل.

- إمكانية الوصول لها؛ إذ من الطبيعي أن تفقد المعلومات نسبة عالية من قيمتها متى ما صعبت طرق الوصول إليها أو حق استخدامها؛ لذا بات مطلوبا من مؤسسات المعلومات أن تسهل طرق الوصول؛ بحيث يتمكن الباحث عن المعلومة من الوصول لها، أو تلقيها، في الوقت المناسب، والهيئة المطلوبة، والكلفة القادر على تحملها مقابل المعلومات التي يرغب في اقتنائها.

ومقابل ذلك، ولكي تكتمل صورة التأسيس لفهم العلاقات السليمة المنتجة بين صنع القرار والمعلومات، لا بد من الانطلاق من توصيف اتخاذ القرار أو صنعه على أنه، كما تراه غالبية المراجع ذات الصلة "اختيار بديل من بين عدد من البدائل أو الاحتمالات لتحقيق أهداف معينة، ينطلق من تحليل المشكلة القائمة، وتحديد البدائل أو الحلول الممكنة، ويحرص على تقييم البدائل لاختيار البديل الأكثر ملاءمة لظروف بيئة العمل ثم اختيار الحل أو البديل الأمثل، ومن ثم فهو عملية ذهنية تتطلب قدرا من التصور والمبادأة والإبداع، ودرجة عالية من المنطقية بما يمكن معه اختيار بدائل متاحة تحقق الهدف في اقصر وقت وبأقل تكلفة، ويتطلب نجاحها، الاستناد إلى قاعدة واسعة من المعلومات المتخصصة والدقيقة".

وعلى النحو الذي وضعت فيه مواصفات المعلومات الجيدة، كذلك الأمر بشأن القرارات الجيدة أو الصائبة التي ترى الكثير من الجهات ذات العلاقة توفر مجموعة من المواصفات فيها والإجراءات المرافقة لها من خلال السلوكيات التالية من قبل جهة اتخاذ القرار، مؤسسات كانت تلك الجهة أم أفرادا.

ويأتي على رأس قائمة تلك السلوكيات تحديد الأهداف التي يطمح الوصل إليها أو المشكلات المطلوب وضع حلول لها، يلي ذلك الموازنة الدقيقة بين البدائل المتاحة بعد تحديد نقاط الضعف، ومكامن القوة في كل من تلك البدائل. ولضمان سد الثغرات التي يمكن أن يُعاني منها أي قرار يُتخذ، لا بد من تحاشي الفردية، وتوسيع قاعدة القرار وطلب المشاركة في صنعه من كل الذين لهم علاقة.

لكنْ تبقى مكونات اتخاذ القرار الصحيح ناقصة ما لم يعتمد صاحب القرار على المعلومات الضرورية الكافية التي ينبغي لها أن تتمتع بالمواصفات التي أشرنا لها أعلاه. فكل تلك المواصفات بشأن القرار الجيد تفقد قيمتها ما لم تكن قائمة على معلومات صحيحة ودقيقة.

وعليه.. فالخطوة الأولى على طريق اتخاذ القرارات الصائبة هي التحقق من سلامة المعلومات ودقتها، ثم ضمان وصولها في الوقت المناسب، عندما تبرز الحاجة لها.

وهذا يقودنا نحو خلاصة واحدة، وهي أنه لضمان سلامة قراراتنا، ينبغي أن تكون مبنية على معلومات صحيحة متاحة، ماذا وإلا تتحول القرارات، خاصة الإستراتيجية منها إلى مجرد إجراءات عملية تعالج مشكلات آنية، لا يمكنها أن تؤسِّس لمجتمع يبحث عن موقع متميز بين الأمم، توفره له قرارته الصائبة المستندة إلى معلومات سليمة.

تعليق عبر الفيس بوك