هل هذه النسبة وفق الحاجة الحقيقية؟



عبدالله العليان
قبل ما يزيد على أسبوع، أصدر المركز الوطني العماني للإحصاء والمعلومات، بياناً عن عدد السكان العمانيين في السلطنة، مع عدد الوافدين القائمين في السلطنة، وجاء رقم عدد الوافدين مهولاً وغير متوقع، إذ بلغ عددهم في آخر هذه الإحصائيات (45%) من إجمالي عدد السكان العمانيين والحقيقة أنّ هذا العدد كبير جد، ويشكّل منافسة واضحة للعمانيين في القطاع الخاص، وبعضهم ليس لهم حاجة فعلية، ومتواجدون في كل المحافظات، وفي كثير منهم يشكلون أزمة ومشاكل عديدة وتعرفها الجهات ذات الاختصاص، ولابد من مراجعة هذه العمالة الوافدة وفقاً للحاجة الفعلية، وكلنا نعرف مسألة العمالة السائبة في العديد من المحافظات والمناطق في بلادنا، وقد جرت العديد من الحوادث بسبب كثرتهم، فلماذا نفتح باب دخول العمالة الوافدة التي ليست لها حاجة فعلية؟ ثمّ نقوم بحملات تفتيشية، ويتم ترحيل الكثير من هؤلاء؟ ومن الأولى أن نقلّص هذه الأعداد، وتحدد الحاجة الفعلية، وكما نعرف أنّ بعض هذه العمالة، تدفع الكثير من أجل السماح لها بالسفر لدول المنطقة من أجل الرغبة في العمل، لكن ليس لها طلب فعلي ولا تملك خبرات علمية للعمل، وبعد أشهر ومن خلال التفتيش على العمالة السائبة، يتم ترحيل الذي ليس له عمل فعلي، ويكون قد خسر هؤلاء الكثير من المبالغ التي دفعها من البعض في بلده، من أجل السفر للحصول على عمل، وهذا الأمر يحتاج إلى مراجعة من وزارة القوى العاملة، ومن الهيئة، ومن كل الجهات التي لها جانب من المسؤولية عن حركة العمالة ووجودها، صحيح كل دول العالم تحتاج إلى العمالة من خارج بلدها، حتى الدول التي تتجاوز سكانها الـ 50 مليوناً عندها عمالة غير وطنية كبيرة، ومنها دول أوروبية كبيرة، لكن ليست عمالة وفق الحاجة، ومن هنا لابد من وضع أسس جديدة للعمالة، ونقلل من استجلاب العمالة الوافدة التي أصبحت زيادتها مقلقة، ونسمع عن بعض الحوادث تزداد في أكثر من محافظة عمانية آخرها مقتل ممرضة في شقتها في صلالة، بعدما كنا نسمع بعد سنوات طويلة عن حادثة صغيرة تجري هنا وهناك، فهذه النسبة (45%) من عدد السكان، تدق ناقوس الخطر، كما أنّها ليست عادية ولا طبيعية، ولا يجب أن نترك هذا الجانب دون أن نضع المعايير الواضحة والدقيقة.. لماذا هذه النسبة الكبيرة؟ وهل هناك حاجة صحيحة وفعلية للعمالة؟ لكننا كما نشاهد، ونسمع أن هناك عمالة سائبة فعلا وبآلاف، ولا حاجة فعلية لها في العديد من المحافظات، وهذا يستلزم النظر واتخاذ الخطوات التي تجعل الأمر في قضية العمالة الوافدة، موضع المراجعة التي تحدد لماذا هذه الزيادة غير الطبيعية؟ وكما هو معروف أن عددا كبيرا من العمانيين باحثين عن العمل في كل القطاعات، ربما يتجاوزون المائة ألف، وهذا يحتاج إلى تحرك جدي للإحلال، وربما بعض هذه العمالة الوافدة، تحد من فرصة توظيف العمانيين، خاصة في القطاع الخاص، وهذا الإحلال لا يكون في الوظائف الصغيرة، والبسيطة، بل نريدها في الوظائف الكبيرة والمتوسطة، وهذا حق للمواطنين أن تكون لهم الأولوية في التوظيف، وقضيّة تهرب بعض الشركات بذرائع عديدة، بعضها ليس صحيحاً، والعمانيون أبدوا جدارتهم في قطاعات ضخمة وكبيرة في كل المؤسسات، سواء في القطاع الحكومي ومؤسساته العديدة الإدارية والمالية، أو في القطاع الخاص، وخاصة في الشركات والمؤسسات البنكية وغيرها من الشركات الأهلية، وحققت من خلال إدارتهم نجاحات باهرة، ولذلك فإنّ الكلام أو الفهم أنّ الوافد هو الأكثر نجاحاً هذا ليس دقيقاً، وقد أثبتت التجربة الواقعية عكس هذا الفهم، ولذلك على جهات المعنيّة، ومنها المجلس الأعلى للتخطيط، أن يتحرك في هذا الجانب، وله الصلاحيّة التي تجعل رؤيته الأكثر تأثيراً، وبحكم مسؤولية معالي الدكتور وزير التجارة والصناعة، نائب رئيس المجلس الأعلى للتخطيط، فالقضيّة تدعو بجدية أن نطرح البدائل للإحلال، وهناك وظائف كثيرة في القطاع الخاص، والمخرجات العمانية موجودة وقادرة على ملء الشواغر التي تحتاج أن تحل في أغلب القطاعات، إننا في ظل ظرفية انخفاض أسعار النفط، ووقف التوظيف في القطاع الحكومي؛ بحاجة لأن يسهم هذا القطاع في التوظيف، بما قدمت له الدولة من مزايا وتسهيلات وغيرها من أوجه الدعم المعروفة منذ انطلاقة النهضة، ونحن نقصد بالشركات الكبيرة، القادرة على تشغيل الكفاءات العمانية من خلال المُخرجات من الجامعات والكليات، فنسبة 45% من الوافدين بالنسبة لعدد السكان العمانيين، نسبة كبيرة جدًا، سواء في مجال المنافسة، أو في مجال الأضرار الأخرى التي يعرفها أهل الاختصاص، وهذا لا يعني أننا ضد العمالة الأجنبية، بل نحن نريد الحاجة الفعلية التي لا تجعل المواطنين لا يجدون وظائف في وطنهم، في وجود عمالة كبيرة في بلادنا، وهذا مشكلة لابد من النظر إليها بمنطقية ووطنية، من الجوانب المختلفة، وأنا سبق أن كتبت وكتب
غيري عن العمالة الوافدة في الكثير من الشركات، حتى في الوظائف الإدارية، والتي قد لا نحتاج فيها للوافد.

ومن الأسباب التي تحد من تعمين الكثير من الوظائف، غياب تعريب المعاملات الإداريّة والفنية في مؤسسات وشركات كثيرة، لذلك من الأولويات التي نراها مهمة وناجزة للتعمين؛ تعريب المعاملات، وتلك معادلة ثابتة لانستطيع تجاوزها. وهذا بلا شك أعطى الفرصة للقيادات الأجنبية في الكثير من الشركات والمؤسسات حصار التعمين في حدود ضيقة، وكان بإمكان العمانيين الإحلال في هذه الشركات وبجدارة لو تحققت الجديّة، والسؤال الذي يحتاج إلى إجابة في مسألة غياب التعمين في هذا القطاع: لماذا نجح العمانيون في قطاعات هامة كالمصارف والاتصالات؟ ولا نجد ذلك في قطاعات أٌقل صعوبة، وعملها إداري وسهل الاستيعاب، كوكالات السيّارات وشركات ومؤسسات كبيرة وفي وظائف إدارية أيضاً؟ إذن الأمر يحتاج إلى مراجعة جديّة والالتزام باستيعاب مخرجات شبابنا في القطاعات وفق مؤهلاتهم وقدراتهم الإدارية والمالية.
هذه رسالة لمن يهمه الأمر..

تعليق عبر الفيس بوك