" البيروقراطية".. تعقيد أم تنظيم؟!

 فايزة سويلم الكلبانية 

لا يختلف اثنان على أنّ "البيروقراطية" تكاد تكون من أكثر المصطلحات التي نلقي باللوم عليها كلما واجهتنا مشاكل إداريّة.. نتّهمها دوما بأنّها السبب الأول والأخير لمعاناتنا في المعاملات والإجراءات الإداريّة.. ظهرت "البيروقراطيّة" كمصطلح في ألمانيا بأواخر القرن التاسع عشر على يد الفيلسوف "ماكس فيبر"، والذي نادت نظريته بالتقيد الحرفي بالقوانين ضمن لوائح مكتوبة يتم بها ضبط إيقاع العمل من خلال نموذج إداري دقيق.

واليوم حيث تعمل الحكومة إلى جانب القطاع الخاص على إيجاد بدائل لتنويع مصادر الدخل في السلطنة من خلال تفعيل العمل على مضاعفة الاستثمارات المحلية والأجنبية وإيجاد فرص العمل المختلفة من خلالها أو عن طريق تفعيل قطاع ريادة الأعمال بمختلف مجالات المشاريع الصغيرة والمتوسطة؛ إلا أنّ غالبية المستثمرين أو أولئك العاملين على جذب الاستثمارات يواجهون عددًا من التحديات التي تقف عائقا أمام اكتمال مسيرة مشاريعهم؛ منها ما يختص بالقوى العاملة أو الجمارك أو الشرطة ومنها ما يرتبط بالبيئة والشؤون المناخية أو التراخيص ومنها ما يختص بتوفير الموقع الجغرافي "الأرض" لتأسيس المشروع فضلا عن تحديات التمويل.. ولكنّ كل هذه التحديات تقف في كفة وعائق "البيروقراطية" يقف في الكفة الأخرى.. نعم ربما تتباين وجهات النظر حول مفهوم "البيروقراطية" فالبعض يرى أن خط سير البيروقراطية يمر عبر سلسلة من الإجراءات المتراكمة والتي لابد من اكتمالها، مما يجعله يتردد على الجهة الواحدة وقتا أطول فقط للحصول على أحد التراخيص من قبل إحدى هذه الجهات، وهنا يتحول مبدأ "البيروقراطية" لنظام أقرب إلى التعذيب منه إلى التنظيم، فقد يحتاج الفرد إلى أشهر عدة لاستخراج شهادة جامعية أو معاملة تعيين أو تقاعد أو استصدار تصريح استثمار.

ومن هنا ارتأت الكثير من الحكومات بأنّ الحل لهذه الأزمة والبطء في إنهاء إجراءات المستثمرين يكمن في إيجاد "المحطة الواحدة" التي تضم كل هذه الجهات المعنيّة بالتراخيص وإكمال إجراءات البدء في أي مشروع من مختلف الجهات المعنية في مكان واحد، يسهل عملية الإسراع في تخليص المعاملات، وذلك من أجل الحد من "البيروقراطية" وبطء الإجراءات من خلال فتح بوابة إلكترونية، وتقليص النوافذ التي يتعامل معها الفرد، إلا أنّ الواقع أثبت خلاف ذلك، فما زال روتين العمل الحكومي عصيًا على الكسر أمام الفرد، إلى جانب جمود ثقافة وعقليات البعض ممن يحاولون تنفيذ نظام البيروقراطية بطريقة أكثر تعقيدًا على الفرد. ويرى البعض أنّ هذه المعاناة غير مقصورة على الفرد وحده بل إنّ ضررها أصاب حتى الموظف الذي وجد نفسه أمام لوائح إداريّة تعتمد على التراتبية، وإن كانت تمثل أسلوب عمل للإدارات والمؤسسات.

وهنا يتسائل البعض هل "البيروقراطية" وُجدت لتنظيم العمل وخاصة الجزء الإداري منه أم أنّها وُجدت لتعمل على مضاعفة التعقيد والبطء في إنجاز المعاملات؛ ولتصبح سببا رئيسا في تعثر العديد من المشاريع نتيجة الإفراط في قوانينها ومتطلباتها المفروضة على الأفراد، واليوم ما نراه على أرض الواقع العملي في قطاع الاستثمار والمستثمرين أنّ البيروقراطية فعلا أصبحت نوعًا من أنواع التعذيب أمام الأفراد والمؤسسات، والمتسبب فيها لا يملك عذرًا مقنعًا، ولا يمكن أن نعزوها إلا لتلك العقليات التي تأبى الانفتاح وتخشى التغيير أو حتى الإصلاح للأفضل.

faiza@alroya.info

 

تعليق عبر الفيس بوك