حوسبة التعليم.. ودلع المُعلم!

سلطان بن خميس الخروصي

العلم هو سلاح الأمم؛ فبه تُبصر الحقائق، وتحت قبته ترفلُ الحضارات بعنفوان الازدهار والمدنية، وقد أضحت التكنولوجيا في عصرنا الحالي الحاضن الأكبر لكل مفردات العلوم بمختلف مشاربها ومآربها، وأصبحنا نسمع بين الفينة والأخرى بمصطلحات شتى منها: "جيل التكنولوجيا" و"أبناء الآيباد" و"اقتصاد المعرفة الرقمية" و"المنهج التفاعلي" وغيرها، والمتتبع لمسيرة التعليم في سلطنة عمان يجد أن المؤسسة التعليمية تسعى جاهدة إلى تطوير المناهج وتجويدها بما يتماشى ومتغيرات المرحلة؛ ففي منظومة التطوير التعليمي للمناهج عالميا أن يتم تنقيحها وتطويرها وتجويدها كل عشر سنوات؛ حتى تقدم مُخرجات رصينة تخدم الاقتصاد الوطني، وتقدم إنتاجيات اجتماعية وثقافية جديدة كإضافة ملموسة في تطوير الطفرة العلمية، وعلى ضوء ذلك نلحظ أن عُمان الحبيبة وممثلة في وزارة التربية والتعليم (تحاول) بين فترة وأخرى أن تقدم نموذجا تكنولوجيا يضاف إلى رصيدها نحو تفعيل المشروع الوطني الذي نادى به عاهل البلاد - حفظه الله - بتأسيس البنية الأساسية للحكومة الرقمية، ومن هذا المنطلق وجدنا أن البوابة التعليمية أصبحت نموذجا فاعلا بين منتسبي الوزارة بمختلف قطاعاتهم الإدارية والميدانية، كما أنها أفاضت بخدماتها للمجتمع سواء للطالب أو ولي الأمر أو الزائر، أضف إلى أنها ومن خلال خدمة "زاويتي" حاولت أن "تجمع" مختلف النماذج من الاختبارات والأنشطة لمختلف المراحل التدريسية وعبر تعاقب السنوات، وغيرها من الخدمات التي أكسبتها جوائز مستحقة على مستوى التنافس المؤسساتي الحكومي بالسلطنة أو عبر نافذة التنافسية الخليجية والعربية.

قد يتفق البعض معي أن المنهج الدراسي هو اللبنة الأساسية لكل إحداثيات المنظومة التعليمية في أي دولة بالعالم؛ فمن خلال تجويده وتطويره وتطعيميه بمتغيرات المرحلة استطاعت "فلندا" أن تتربع على عرش العالمية في التعليم ونافستها دول أخرى مثل: اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة والبحرين وغيرها، والمتتبع لنوعية وطبيعة المنهج العماني فإننا وبلا شك نجده قد وصل إلى مرحلة متقدمة في الكم المعرفي وكيفية الإخراج "الورقي" ناهيك عن أنه أضحى إنتاجا وطنيا عمانيا خالصا - على حد تعبير سعادة وكيل المناهج - وتلك إضافة مهمة في مسيرة البناء التعليمي العماني منذ بداية مسيرته السبعينية، ولكني أطرح سؤالا بسيطا جدا في هذا المقال: كم نسبة الإنتاج المحوسب للمناهج العمانية حتى اللحظة؟!

فحينما أتحدث عن حوسبة المنهج الدراسي فأنا أتحدث بكل الزوايا التربوية والتعليمية من حيث: نوعية الدروس المحوسبة التفاعلية، والخطط الدراسية المقدمة للمعلم بشقيها الفصلية واليومية، ونوعية الوسائط المعدة خصيصا لتبسيط المصطلحات والمفاهيم والأحداث المضمنة في المنهج بصبغة عمانية تقرب الطلبة للبيئة والوسط الحقيقي المحيط بالدرس، إضافة إلى حوسبة سجلات التقويم لأداء الطلبة والمعلمين والهيئات الإدارية والإشرافية وغيرها الكثير، وفي هذا المقام بالذات أذكر أنني قابلت أحد الأكاديميين بوزارة التربية والتعليم ويحمل شهادة الدكتوارة وله صوت مسموع بالمناهج فقلت له بالحرف الواحد: "لماذا لا تجعلوا المعلم متخصصا ومتفرغا للتدريس فقط بدلا من استنزاف وقته ليُحضِّر خطة فصلية ثم تحضير كتابي بشكل يومي فمثل هذه الأعمال لا تجعله يؤدي بصورة فاعلة؟ ثم لماذا لا يعمل قسم المناهج بالتعاون مع المؤسسات والوزارات الأخرى على إنتاج فيديوهات أو برامج عمانية يمكن توظيفها في تقديم الدروس بدلا من إضاعة وقت المعلم للبحث عن وسائط متعددة قد تكون عربية أو أجنبية تتخللها مشاهد أو أحداث تبعث برسائل سلبية للطلبة؟ كما أننا حتى اللحظة لا نجد حوسبة للمنهج العماني باستثناء كتاب الرياضيات للصف الأول الذي نشر في صفحات البوابة التعليمية هذا العام 2016م وهو منهج جامد لا يتضمن أي مثال للتفاعل بالصوت والصورة والفيديو فقد تم إنتاجه ورقيا وحفظه بصيغة (PDF) فقط؟، ثم هل من الصعوبة إنتاج "سكتشات" مبسطة حول بعض الدروس التي يمكنها أن تقرب الطالب إلى المعلومة والواقع مثل درس "الأسرة العمانية" في منهج الدراسات الاجتماعية بالصف السابع، فهل من الصعوبة إنتاج فيديو مبسط بالتعاون مع وزارة الإعلام ووزارة التنمية الاجتماعية لإخراجه بصورة تقدم رسائل ومفاهيم وقيم نبيلة بطريقة غير مباشرة؟" وأمام كل أسئلتي "الطائشة" أجابني فضيلة الدكتور وقد تجهم وجهه الكريم بأربع كلمات "ما نريد ندلع المعلم"!.

إذا نحن بحاجة لأن تتقلَّد المؤسسات المعنية بالتعليم في السلطنة ثقافة التعليم الإلكتروني من خلال خلق مناهج تفاعلية متجددة تخرجنا من تابوت النمطية الورقية المكلفة نفسيا وماديا، وهنا يجب أن نشيد ونحيي مملكة البحرين التي قطعت شوطا كبيرا في حوسبة منظومتها التعليمية وعلى رأسها المناهج الدراسية، فمن يتصفح موقع وزارة التربية والتعليم بالبحرين يجده مرصعًا بكثير من المناهج التفاعلية والممزوجة بالإخراج الجاذب وتجدد المعلومة، وفي بلادنا الغالية نجد أن وزارة التربية والتعليم تسعى جاهدة إلى تطوير منظومة التعليم ككل لكننا لم نضع إصبعنا على المنهج حتى اللحظة، وهو الأساس في هذا المشروع الوطني العظيم؛ فهو حجر النرد في تقديم خامات حقيقية يحتاجها سوق العمل، علاوة على أنّ هذا الجيل أضحى يعانق التكنولوجيا بكل تفاصيلها ومن الإجحاف أن نغيّر ألوان الصفحات وبعض الصور والغلاف، أو نقوم بتقسيم الكتاب إلى جزءين أحدهما خاص بالفصل الدراسي الأول وآخر للثاني بعدما كان مجموعا في كتاب واحد، ونعد ذلك تطويرا للمنهج دون أن نطرح السؤال الحقيقي: كم نسبة إنجازنا في حوسبة مناهجنا التعليميّة؟

sultankamis@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك