مقدمة تعريفية بتقارير التنمية البشرية

د. صلاح حزام

تُعرَّف التنمية البشرية باعتبارها عملية توسيع خيارات الناس وبناء قدراتهم، وتمكينهم من العيش حياة طويلة وصحية، وأن تكون لهم قدرة على الوصول إلى المعرفة، وأن يتمتعوا بمستوى عيش لائق، ويمكن لهم المشاركة في شؤون مجتمعهم وفي اتخاذ القرارات التي تؤثر في حياتهم.

وقد تم تضمين البعد البيئي في هذا المفهوم باعتباره ضمانة لاستدامة التنمية وعدم تدمير واستنزاف البيئة من اجل رفاه الاجيال الحالية مقابل حرمان الاجيال المستقبلية من حقها في موارد بلدانها البيئية. ولذلك يقال: (التنمية البشرية المستدامة).

وقد يلاحظ احيانا استخدام تسمية (تقارير التنمية الانسانية)، ويعود ذلك الى الجدل الذي دار في العالم العربي حول اي التسميتين اكثر دلالة على رسالة التقارير المذكورة باعتبارها تتناول البحث عن الحالة الراقية للحياة (الانسانية الحقيقية) وليس فقط تناول الحياة البشرية على اساس التصنيف البيولوجي باي شكل كان دون الاكتراث بنوعيتها.

وقد تم إصدار التقرير العالمي الأول عن التنمية البشرية في العام 1990م من قبل البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة. وقد أثار التقرير الكثير من النقاش والجدل حول طبيعته وفلسفة المنهج التنموي الجديد الذي يبشر به وهو منهج التنمية البشرية الذي يجعل البشر الغاية والوسيلة لعملية التنمية.

وبعد صدور التقرير العالمي عن التنمية البشرية فانه سرعان ما ظهرت الحاجة إلى تقارير إقليمية تتناول اوضاع مجموعة من الدول يجمعها إقليم واحد أو تتشابه ظروفها.

وبعد فترة بدأ ظهور التقارير الوطنية التي يختص كل منها بتناول حالة التنمية البشرية في بلد واحد لكي تشبع نقاشاً وتحليلاً. ويؤمن منهج التنمية البشرية بأنه لا يوجد ارتباط أوتوماتيكي بين النمو الاقتصادي والتقدم الإنساني. وأن هذا الارتباط يجب أن يخلق عن طريق صياغة وتطبيق مجموعة من السياسات المقصودة على كل المستويات ومن قبل لاعبين عديدين بما في ذلك الدولة. بعبارة اخرى، اعتبار النمو الاقتصادي ضروري لكنه غير كاف لان النمو بأي ثمن يمكن أن يؤدي إلى:

- نمو البطالة (النمو الذي لا يولد فرص عمل).

- النمو غير الرحيم (تذهب ثماره إلى الأغنياء).

- النمو مقطوع الجذور (يتجاوز على ويسحق التنوع الثقافي والهوية).

- النمو الذي لا مستقبل له (الذي يستنزف الموارد الطبيعية).

- النمو الذي لا صوت له ( نمو غير مصحوب بتوسيع نطاق الديمقراطية والتأهيل).

تقارير التنمية البشرية كأدوات للتأثير والتغيير:

لقد أثبتت الأحداث خلال الفترة منذ العام 1990م، عندما صدر التقرير العالمي الأول عن التنمية البشرية، أن هذه التقارير يمكن أن تستخدم كوسائل لتبرير بعض التغييرات المطلوبة في بعض السياسات وأن تكون مصادر هامة لإحداث التأثير والتغيير في مختلف نواحي الحياة. ويعود ذلك إلى الطبيعة الفريدة التي تتميز بها عملية إعداد التقارير الوطنية للتنمية البشرية والتي تدار وطنياً، حيث إنها تؤثر على الحوار التنموي الوطني والإقليمي وعلى السياسات التنموية فيها، لاسيما فيما يتعلق بصياغة وتحديد أولويات الناس وتقوية القدرات الوطنية وإشراك شركاء وطنيين وإقليميين وتحديد الفجوات وقياس التقدم التنموي.

الملكية الوطنية للتقارير والعلاقة مع الحكومة في إصدار التقارير الوطنية: إنَّ الملكية الوطنية تزيد من تأثير التقرير الوطني وتوفر له المزيد من الشرعية السياسية مما يساعد في زيادة تأثيره. كذلك فإنَّ الملكية الوطنية تدفع التقرير للتركيز على التفاصيل المحلية مما يزيد من مصداقيته وملاءمته في نظر صناع السياسات والمواطنين. وتعني الملكية الوطنية للتقرير -عادة- اشتراك الحكومة في إنتاجه مما يوفر مدخلاً إلى المعلومات المطلوبة ويجعله أكثر تأثيراً في السياسات نتيجة كونه أقرب إلى البرنامج السياسي الحكومي. كذلك فإنَّ التقارير الوطنية تساهم في بناء طاقات إحصائية وتحليلية لدى المؤسسات الحكومية ولدى باقي المنظمات والأفراد الذين يساهمون في عملية الإنتاج كما حصل في البرازيل وبوليفيا وكولومبيا ومصر وبلدان أخرى.

ولقد أظهرت عملية تقييم اصدار التقارير الوطنية التي نفذها البرنامج الانمائي للأمم المتحدة أن العمل مع الحكومة عن كثب في إنتاج التقارير الوطنية يزيد من تأثير التقرير في السياسات ويعزز إمكاناته الاستراتيجية في الحوار الوطني حول السياسات.

اختيار موضوع التقرير الوطني: من أجل تحقيق أعظم التأثير يجب اختيار الموضوع المناسب في الوقت المناسب، كما أن تجنب المواضيع الحساسة يوفر ميزة للتقرير تتمثل في جعل رسالة التقرير أكثر قابلية للاستيعاب في ظل وجود مقاومة قليلة له.

ويعتبرإصدار التقرير سنوياً مجهداً للمنتج وعسير الهضم بالنسبة للمتلقي. كذلك فان تباعد المدة بين التقارير يقلل من حضور التنمية البشرية في المشهد التنموي الاقتصادي والاجتماعي العام. ويفترض أن يحدد التوقيت الصحيح من قبل البلد المعني استناداً إلى الموارد المتاحة والالتزامات الأخرى. كما أن ضمان قوة الإقناع التي يمتلكها التقرير وملاءمته للسياسات، هي أكثر الأسباب أهمية التي قد تدعو إلى تمديد تلك الفترات.

وفي الختام يمكن القول: إنَّ التقارير هي وثائق تخطيطية توضع تحت تصرف صناع القرار، وتهدف إلى تشخيص جوانب الضعف والقوة في عناصر التنمية البشرية؛ وذلك لتعزيز جوانب القوة ومعالجة جوانب الضعف. كما أنها مناسبة لإعادة النظر في آلية تخصيص الموارد الاقتصادية وتوجيهها نحو البؤر الأكثر حاجة. كما يشارك في إعداد التقارير الوطنية، عادة، عدد كبير من الباحثين يمثلون مختلف الجهات والقطاعات سواء منها العاملة في الميادين التطبيقية أو الأكاديمية مما يوفر تقييماً ورؤية شاملة لا يمكن الحصول عليها من خلال الدراسات التقليدية التي يتولى إعدادها شخص واحد أو عدد محدود من الأشخاص. وتعتبر التقارير وسيلة ناجحة لإشاعة الوعي على المستوى المحلي بمفاهيم التنمية البشرية ودلالاتها ودور المواطنين في عملية التنمية باعتبارها مسؤولية مشتركة بين الحكومات ومواطنيها.

هذا.. ويُمثل إعداد التقرير مناسبة لتدريب الكوادر الوطنية على التعاطي مع مفاهيم ومؤشرات التنمية البشرية وفهم دلالاتها وأساليب قياسها وكيفية معالجة الاختلالات فيها.

* خبير التنمية البشرية بالمجلس الأعلى للتخطيط

تعليق عبر الفيس بوك