اقتصاديون: أزمة النفط ترشح القطاع الخاص لدور أكبر في تنويع الدخل.. وخطط التطوير لا تلامس طموح المستثمرين

قالوا إنه لبنة أساسية في جدار التنمية المستدامة

< الصقري: بديل آمن للإيرادات النفطية إذا ما كُوفحت البيروقراطية

< مرتضى: التنويع الحقيقي يتطلب إرادة قوية وتضحيات "غير محدودة"

< منير: مطلوب ثقة متبادلة بين الحكومة والقطاع لتحقيق التعاون الفعال

< الطوقي: الهيكل الاقتصادي للسلطنة يعاني "محدودية" القطاع الخاص

أبْرَز عددٌ من المهتمين وخبراء الاقتصاد الدورَ الذي يلعبه القطاع الخاص في تنمية وتقدم الدول؛ نظرًا لقدرته على بناء اقتصاد حُر يُسهم بفاعلية في تحقيق التنمية المستدامة؛ من خلال ما يضطلع من دور لخلق بنية اقتصادية قوية تعزز قدرات اقتصادنا الوطني.

وقالوا لـ"الرُّؤية" إن الأزمة الاقتصادية التي يعاني العالم تبعاتها على وقع انخفاض أسعار النفط، وضعت على كاهل القطاع الخاص مسؤوليات أكبر للتقليل من حدتها؛ باعتباره بديلا فاعلا يُمكن الاتكاء عليه في رحلة الوصول إلى بر الأمان.. وطالبوا في سياق ذلك بوضع مزيد من السياسات التي تشجع رؤوس أموال القطاع الخاص على المشاركة في الاستثمار الوطني، والتوسع في استغلال رؤوس أموال القطاع الخاص في تمويل بعض المشاريع الحكومية، ودراسة جدوى تحويل ملكية بعض الأنشطة الاقتصادية ذات الطابع التجاري إلى القطاع الخاص، وإيجاد سياسات واضحة للقضاء على البيروقراطية وتضارب المصالح والخلط بين الخاص والعام، وتوفير بيئة مناسبة لتشجيع الاستثمارات الأجنبية.

الرُّؤية - أحمد الجهوري

وقال الدكتور سعيد الصقري رئيس الجمعية الاقتصادية العمانية: بعد مرور أكثر من عام على بداية الأزمة وانخفاض أسعار النفط إلى مستويات متدنية، وبقراءة البيانات المنشورة مؤخرا حول ما سجلته السلطنة من عجز في موازنة العام 2015 والذي بلغ حوالي 5 مليارات ريال عماني -أي ما يعادل حوالي 16% من قيمة الناتج المحلي الإجمالي- مقارنة بحجم العجز الذي كان متوقعًا عند 8%، يُمكننا القول بأنه إذا لم يتم اتخاذ مزيد من الإجراءات لتوفيق أوضاع اقتصادنا الوطني، فإن الأزمة سترخي سدولها أكثر، وستتنامى تبعاتها أكثر، وهو ما يفرض ضرورة البحث عن بدائل ناجعة لتلافي حدة الأزمة؛ وأرى أن القطاع الخاص يعدُّ واحدا من أبرز وأهم تلك البدائل، خصوصا وأنه وعلى أثر انخفاض الإيرادات النفطية شهد الأداء الكلي للاقتصاد انكماشا بلغ 14% بنهاية الربع الثالث من العام الماضي؛ حيث حققت الأنشطة النفطية نموًّا سالبًا بلغ نسبته 39% مقارنة بالعام 2014.

وتابع الصقري: في الاقتصاديات التي تقوم على مصادر دخل غير متنوعة مثل السلطنة، يعتمد الطلب الكلي في الاقتصاد (بما في ذلك القطاع الخاص أي الانفاق على الاستثمار والذي تقوم به المؤسسات التجارية)، وبشكل كبير، على الإنفاق الحكومي. على سبيل المثال، بعض الدراسات تشير الى أن زيادة الإيرادات العامة من النفط بنسبة 1% ينتج عنها زيادة 2.5% في قيمة الصناعات التحويلية، وزيادة تعادل 1.5% في قطاع الخدمات وحوالي 0.38% زيادة في قطاع الزراعة والثروة السمكية. وانكماش الإيرادات العامة من النفط ستأثر سلبا على أداء تلك القطاعات.

أما الخبير الاقتصادي مرتضى بن حسن، فعرَّج مباشرة على أسباب المطالبة بمساهمة فعلية للقطاع الخاص كأحد البدائل المهمة المطروحة للخروج من الأزمة.. وقال: إنَّ القطاع الخاص يكتسب في بلدان عديدة قواعد جديدة وأهمية متزايدة؛ إلا أنه يعاني في السلطنة من مشكلتين رئيسيتين؛ الاولى كيف يتمكن القطاع الخاص الحقيقي أن يتمِّم ويكمِّل؟ والثانية: كيف يُمكن أن يستوعب الفوائض؟.. وفي الحالة الاولى يكون هناك فائض كبير في أعداد الموظفين في الأجهزة الحكومية دون وجود الحاجةً لهم، وفي الحالة الثانية تزداد مشكلة الباحثين عن عمل فضلا عمَّا قد تفرزها من تداعيات.. وتابع بقوله: ورغم الاهتمام الذي كان من المفترض أن يُعطى للقطاع الخاص وتطويره، فإنه يُلاحظ وجود تعثر في هذا الموضوع نتيجة الاعتماد الكبير على النفط والذي أفرز أنشطة خدمية غير قابلة للتصدير بدل التركيز على الأنشطة والخدمات القابلة للتصدير؛ مثل: الصناعات المختلفة والسياحية، إضافة إلى عدم وجود سياسات واضحة وتضارب الجهات المسؤولة والبيروقراطية والتداخل بين العام والخاص وعدم وجود البيئة المناسبة لتشجيع الاستثمارات الأجنبية وتضارب المصالح والخلط بين الخاص والعام، كلها ساهمت في عدم تطوير القطاع الخاص بالشكل المرغوب والمطلوب.

ويضيف: لا يزال القطاع الخاص محدودا، ويشكل عموده الفقري المؤسسات الصغيرة التي تندرج تحت ما يسمى بـ"التجارة المستترة"، وقيمتها المُضافة قليلة جدا وليست قادرة على توفير فرص العمل للمواطنين ولا تُسهم في إيجاد القيمة المُضافة ولا تدفع الضرائب؛ لذلك ينبغي إيجاد سياسات عملية لتشجيع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المنتجة التي تتمكن أن تسهم في خلق القيمة المُضافة وإيجاد فرص عمل للمواطنين.

وشدد مرتضى بن حسن على ضرورة تبني السياسات التي تهتم بتذليل كل العراقيل التي تقف أمام تدفق الاستثمارات الخارجية وخلق بيئة عمل مناسبة وجذابة وإيجاد قوة عمل ماهرة وإيجاد بيئة تنافسية وقوانين عمل مرنة وقابلة للتحقيق ومحفزة للإنتاجية. أما الاعتماد في تنظيم سوق العمل بشكل مطلق على ضوابط إدارية وإجرائية في شكل قرارات منظمة لسوق العمل على الورق أو ضاغطة لقواعد منح المأذونيات أو ضاغطة على تحديد الحدود الأدنى للرواتب الاجور أو منع الوافدين من القيام ببعض المهن، فهي عديمة الجدوى؛ لأنها لا تعالج المشاكل الهيكلية المتراكمة.. فما نحتاجه هو إعطاء الأولوية للأدوات والقرارات الاقتصادية والتنموية والتعليمية والتدريبية التي تستهدف تصحيح سوق العمل، وتثبيت مبدأ الثواب والعقاب، إضافة إلى تصحيح المسارات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والتدريبية. وأعتقد أنه آن الأوان أن تتخلى الحكومة عن عملية إدارة الشركات وتقوم تدريجيًّا بتحويلها إلى القطاع الخاص وإعطائها الحرية والمرونة لإعادة هيكلتها.

وختم بقوله: إن الحديث عن تنويع مصادر الدخل حديث قديم، وقد تم طرحه منذ عقود ولم يُعطَ للأسف الاهتمام الكافي وهو مذكور في أول خطة خمسية للسلطنة، وتكرر في كل الخطط اللاحقة، لذا فإنني أرى أن تنويع مصادر الدخل وتوفير فرص العمل للباحثين عنه يحتاج لإرادة قوية وتضحيات وعمل شاق، وإجراء إصلاحات شاملة في الأنظمة التعليمية والتدريبية، خصوصا وأن أولويات أية لحظة من الزمن، تحددها الظروف والمستجدات المحيطة.

أزمة حقيقية

الخبير الاقتصادي منير أحمد سليمان، رأى أن العالم اليوم يمر بأزمة حقيقية، ولكي تمر هذه المرحلة على كل من القطاع الخاص والحكومة بشكل سلس أن ينظر إلى زيادة التعاون مع الآخر، وأن تكف كل جهة عن لوم الجهة الأخرى وعلى كل من القطاع الخاص والحكومة التركيز على زيادة التعاون فيما بينهم؛ لكي يتم تجاوز تلك المرحلة الصعبة على الجميع، وقد آن الأوان أنْ لا يعتمد القطاع الخاص كل الاعتماد على الدولة، بل يجب عليه أن يعتمد على نفسه، وبالتعاون مع الحكومة كدول أخرى غير منتجة للنفط.. وأوضح: هناك الكثير من الأمثلة على ذلك: سنغافورة، هونج كونج، وتايلند. والسلطنة تتوافر على الكثير من الخيرات غير النفطية؛ فعُمان تعتبر إحدى أفضل الدول للسياحة وتجارة الترانزيت وكذلك توجد بها الكثير من المعادن، كل ما يطلب من الدولة أن تهيئ للقطاع الخاص الجو المناسب للعمل، وبعد ذلك تفرض الضرائب المناسبة والتي لن يحتج عليها أحد لأن الدولة سوف توفر مقابلها كلَّ الوسائل التي تساعد على العمل دون عوائق. وعليه فإننا نرى أن تقوم الحكومة باتخاذ بعض الإجراءات والسياسات الاقتصادية لمساعدة القطاع الخاص على النمو.

وأضاف سليمان: من بين تلك الإجراءات تحديث القوانين بشكل متواصل وتسهيل الإجراءات لإزالة أي معوقات حالية؛ وذلك بما يتناسب مع حركة التجارة المتوقعة، ولما فيه صالح الجميع إضافة إلى تعزيز الثقة المتبادلة بين الحكومة والقطاع الخاص، خصوصا وأن القطاع الخاص هو شريك حقيقي في التنمية، ووضع الأسس والضوابط لإنهاء المعاملات التجارية والفنية في وقت أسرع وأقصر من الوقت الحالي، وكذلك سرعة حل القضايا التي تعيق عمل القطاع الخاص وتحد من مقدرته على التوسع، خصوصا في مجال الأيدي العاملة، والتي يجب أن تجد الحكومة حلًّا سريعا لها، وإعطاء مزيد من الحرية والحركة للقطاع الخاص. وفي هذا المجال نرى أن تقوم الحكومة بتوفير الأيدي العاملة الوطنية المدربة لكي يمكن التقليل من الاعتماد على العمالة الوافدة، وإعطاء الحق لأصحاب العمل بالاستغناء عن أي عامل يرى أنه لا يخدم العمل أو عدم كفاءته في العمل المسند إليه، واتخاذ الخطوات اللازمة لتدريب الأيدي العاملة الوطنية بما يتناسب مع المهن المطلوب إحلال الايدي العاملة الوطنية فيها، وإعادة تأهيل المواطنين الحاصلين على شهادة جامعية أو ما دونها والتي لا تخدم سوق العمل وذلك بإعطاء هؤلاء الخريجيين دورات تدريبية مكثفة لا تقل عن 6 أشهر، على أن تكون تلك الدورات مناسبة لاحتياجات سوق العمل، فضلا عن مضاعفة قيمة المأذونية الخاصة باستقدام الأيدي العاملة الوافدة وتخصيص تلك الزيادة لتدريب العمالة الوطنية في جميع التخصصات وتأهيلها للعمل في القطاع الخاص، وإعفاء شركات المقاولات من نسبة التعميين؛ لأنَّ هناك نقصًا شديدًا في العمالة الوطنية المدربة التي تستطيع العمل في نشاط المقاولات، وزيادة الحوافز المقدمة للمستثمرين النظر في فتح مجال التملك للاجانب أكثر مما هو متاح حاليا؛ مما سوف يكون له أثر ايجابي على قطاع المقاولات والعقارات، وإعطاء دور أكبر للقطاع الخاص لكي يستطيع تنشيط وتطوير بعض الانشطة التجارية الحالية، وكذلك إيجاد أنشطة تجارية مختلفة تساعد الاقتصاد وتكون مكملة للأنشطة النفطية.

وأكد سليمان على أنه وحسب المؤشرات الموجودة، فإنَّ القطاع الخاص يستطيع مساعدة الحكومة في تجاوز الأزمة الحالية، إذا ما وثقت الحكومة في هذا القطاع أكثر. مدللا على ذلك ببعض الأنشطة التي يمكن للقطاع الخاص النهوض بها وتطويرها، وهذه الأنشطة لها مردود مادي جيد، والتي من بينها: قطاع السياحة والخدمات السياحية المرافقة؛ حيث يستطيع القطاع الخاص النهوض بهذا القطاع إذا ما وفرت له الحكومة الأراضي المناسبة في جميع أنحاء السلطنة؛ لإقامة مشروعات تخدم القطاع كإقامة الحدائق العامة والمتخصصة والمتنزهات المتنوعة، وتطوير مهرجان مسقط بحيث يستقطب عددًا أكثر من السواح والزائرين، وتطوير الشواطئ العمانية لتتناسب مع الحركة السياحية المتزايدة، وتشجيع السياحة الداخلية من حيث زيادة السعة الفندقية بكل انواعها سنويا بما يتناسب مع احتياجات السوق.

وإضافة إلى السياحة -والكلام لا يزال للخبير الاقتصادي منير أحمد سليمان- يأتي التصنيع الزراعي؛ حيث تتوافر السلطنة على عدد لا بأس به من أشجار النخيل مثل أشجار نخيل التمر وأشجار نخيل النارجيل، ومن مخرجات هاتين الشجرتين يمكن إقامة عدة مصانع متنوعة وهي معروفة لدى المهتمين بهذا الشأن. وعليه؛ فإنَّ العمل على زراعة مزيد من هذه الأشجار سوف يدعم الاقتصاد؛ لأنه سيتم تصدير جزء كبير من تلك الصناعات القائمة على تلك الشجرتين.. هذا إلى جانب التصدير؛ حيث إن العمل على تطوير منظومة التصدير، خصوصا إلى دول شرق إفريقيا؛ لأنه توجد بينها تجمع اقتصادي حاليا وهذه الدول تحتاج إلى استيراد كثير من المنتجات المتنوعة مع إعفاء السلع المصدرة للخارج من الجمارك؛ نظرا لأن السلطنة لديها علاقات سابقة ومتميزة مع هذه الدول.

وأضاف سليمان: ومن بين الأنشطة التي يُمكن للقطاع الخاص النهوض بها وتطويرها: تطوير المعاهد لتكون مخرجتها مناسبة لسوق العمل، وتعزيز نشاط الخدمات اللوجستية تتمتع السلطنة بموقع جغرافي متميز مما يجعلها محطة رئيسية لتقديم الخدمات اللوجستية؛ وذلك مطلوب من الحكومة، وتوفير قطع أراض ملائمة لهذا النشاط، إضافة إلى تعزيز وتطوير الموانئ العمانية، وهو ما تعمل عليه حاليا الحكومة، إضافة إلى توفير المناطق الاقتصادية مكتملة الخدمات. إضافة إلى قطاع الإسكان.

قطاع محدود

ويقول خلفان الطوقي -صاحب مؤسسة تدريب واستشارات إدارية- للأسف الشديد ومع احتدام الأزمة الاقتصادية، واعتماد السلطنة على أكثر من 80% من النفط في ناتجها المحلي، فإن الوقت تطلب حلولا عاجلة وفعالة لتلافي آثار تلك الأزمة؛ خصوصا وأن الهيكل الاقتصادي العماني كما هو معروف ومصنف يتكون من قطاع خاص صغير جدًّا، والمسيطر على معظم القطاع عدة شركات، وهذه الشركات تعتمد على اﻹنفاق الحكومي والمشاريع الحكومية الكبرى، وبما أن الحكومة أقرت خطة لتوفير النفقات، فإن ذلك سيؤثر على دخل هذه الشركات التي قد لا تتعدى المائة مؤسسة خاصة، علما بأن الإنفاق الحكومي يصل لحوالي 50% وفي بعض اﻷحيان يتعدى هذه النسبة، فإن قل اﻹنفاق الحكومي بهذه الحدة، فمن المنطق أن يقل الدخل، فإن قل الدخل فبالتالي ستقل الفرص الوظيفية المباشرة وغير المباشرة، بل وستؤثر على جميع القطاعات المعيشية اﻷخرى، فإن قلت الوظائف في جهة معينة، فإن ذلك سيؤثر على قطاع العقار وشراء وبيع العقار وستقل الرفاهية في المجتمع بشكل كلي؛ مما يعني أنه ستقل مشتريات العائلة من الكماليات وستقل أنشتطتهم الترفيهية وهلما جرى، وبما أن الإنفاق الحكومي سيؤثر على مؤسسات القطاع الخاص وخاصة الشركات الكبرى، فإن ذلك سيمتد لشركات المتوسطة والصغرى؛ لأنها سلسلة مرتبطة ببعضها البعض تبدأ من رأس الهرم والمحركات الاقتصادية الرئيسية وتمتد للمواطن والمقيم، وللعلم فإن الآثار السلبية أيضا ستتبعها آثار اجتماعية وسياسية وثقافية وحتى منية...وغيرها من الآثار السلبية التي ستؤثر على الحياة.

تعليق عبر الفيس بوك