سياحتنا.. والاتجاهات المعاكسة للزمن السياحي

د. عبدالله باحجاج

لم يمض وقت طويل على لقاء معالي وزير النقل والاتصالات مع أعضاء من مجلس الشورى على خلفية حادثة فهود/عبري الدموية، حتى تمّ يوم الأربعاء الماضي، الإعلان عن بدء تنفيذ الحزمة الأولى من مشروع ازدواجية طريق أدم/ثمريت، فهل هذا اللقاء حرك الجمود في التأخير الطويل أم كان وراءه ضغوطات الحادث نفسه؟ أم هي محاولة لتفريغ طلب المناقشة الذي يحظى بدعم (45) عضوا من أعضاء المجلس؟ كنا أول من فتح هذه القضية، ويقع علينا لازما متابعة نتائجها أو حتى تداعياتها، لأهمية هذا المشروع الوطني ولدواعي تشكيل الرأي العام الإيجابي الذي يخدم المسار الصحيح في الوقت الصحيح، من هنا، نتساءل هل بذلك الإعلان تكون قضية مشروع ازدواجية طريق أدم/ ثمريت المثارة قد انتهت أم لا نزال في البداية؟ وهل ينبغي أن يسحب طلب المناقشة أم يدفع به؟

لن نتوقف عند ما تطرحه تساؤلات المقدمة من اشكاليات وخلفيات، وسنتركها للفهم والاستيعاب العام، وما قد يحدث من إشارات عابرة للزوم التحليل الذي سوف يركز على التساؤلين الأخيرين وهما جوهر الأشكال، من هنا ينبغي فتح ملف الطريق من منظور فلسفة الحزم التنفيذية لهذا المشروع وإغراقها في آجال زمنية طويلة، تدخل المشروع في مجموعة تعقيدات تزيد من تكلفته المالية، وتجعله رهين الظروف المالية، فهذا الطريق طوله 717 كيلومترا؛ يبدأ من نهاية مشروع ازدواجية طريق عز- أدم وينتهي عند بداية ازدواجية طريق ثمريت- صلالة، تلكم الكيلومترات قد قسمت إلى ستة أجزاء للتنفيذ كما يصفها معالي وزير النقل والاتصالات أو إلى ثلاث حزم وفق توصيفات سعادة وكيل الوزارة للنقل، طول الحزمة الأولى 240 كيلومترًا والثانية 240 كيلومترًا والحزمة الثالثة 237 كيلومترًا، من الناحية النظرية لهذه التقسيمات، فإنّها تبدو عملية لسهولة إجراءات التنفيذ وتوزيعها على المقاولين لضمان السرعة، هكذا قدّمت التبريرات في حينها للرأي العام، لكن الإشكال هنا؛ أنّ عملية تنفيذ الحزم/ الأجزاء، لم تكن دفعة واحدة بمعنى أنّها لم توزع على المقاولين في وقت واحد أو في أوقات مختلفة مقبولة، وإنّما تسير عملية تنفيذ الحزم في آجال زمنية غريبة وعجيبة، تغرق كل حزمة في فترة زمنية طويلة جدا، فمثلا، الحزمة الأولى (المعلنة في بيان الوزارة) وهي (240) كيلومترا، فرغم توقيع اتفاقيتها مع شركتين تنفيذيتين في شهر مايو 2015، إلا أن الإعلان عن بدء تنفيذها قد جاء الآن بعد عام تقريبا من هذا التوقيع بعد حادثة فهود/عبري، كيف ينبغي تفسير هذا التأخير؟ والتساؤل الأهم هنا، متى سيتم تنفيذ بقية الحزم/ الأجزاء الأخرى من المشروع؟ لن نجد إجابة فيها زمن محدد للتنفيذ، إذن/ مبررات المناقشة لا تزال قائمة، وبنفس القوة التي دفعت بتلك الأغلبية إلى الموافقة على المناقشة، فطريق استراتيجي لكل البلاد، والوحيد الذي يربط محافظات الشمال بالجنوب، ويفتح إمكانية النقل البري لدول الجوار، وبحمولاته الأخرى الاقتصادية والأمنية... إلخ وأهميته كذلك تكمن في كونه يخدم حقول النفط الواقعة بالقرب من الطريق ويخدم كذلك المنطقة الاقتصادية بالدقم.. قد غرقنا في مجموعة حزم وبآجال زمنية طويلة؛ رغم أنّ الحاجة له لا تقبل التأجيل، ينبغي على مجلس الشورى أن يبحث مع الوزير الأسباب المعرقلة، والتكلفة المالية الكبيرة للحزم، فالحزمة الاولى أو الجزءين الأولى والثانية تكلفتهما (200) مليون ريال عماني، لو نفذ الطريق كله منذ عدة عقود أو بضع سنوات لما كانت التكلفة مرتفعة؛ وبالتالي متى سيتم تنفيذ المشروع بصورة نهائية؟ لا أحد يعرف.

انتظرنا طوال العقود الماضية على أمل الازدواجية. فهل علينا الانتظار الآن عقودا مماثلة حتى تستكمل بقية الحزم؟ وفلسفة الحزم من المنظور المطروح تتعارض بشدة مع توجهات الدولة الجديدة بل وتعمل على تفريغها من أهم عنصرين لنجاحها هما الزمن والسبق، فحتى ننقل سياحتنا إلى مستوى رهاناتنا على عائدها الاقتصادي، وعلى جعل بلادنا الوجهة الأولى للسياحة العائلية، فلابد أن يكون لدينا تواصل بري آمن وحديث، ويحظى بالسعادة السياحية وليس الرضا حتى تنتعش حركة السياحة البرية الداخلية والإقليمية، فهل هذا الطريق يحظى بهذه السمعة الداخلية والخليجية؟ الكثير من العائلات العمانية والخليجيّة تحتفظ ذاكرتها بحوادث مأساوية على هذا الطريق فقد فقدت عليه أقرباء وآخرين يعيشون بأمراض وعاهات مستدامة.. وآخر الماسي على هذا الطريق وقعت أمس الأول والتي راح ضحيتها أربعة إماراتيين، فما هو موقف إستراتيجية السياحة الجديدة 2040 من هذا المعوّق السياحي الكبير الذي سوف يحد كثيرًا من تطبيق رؤيتها المستهدفة وهي السياحة المسؤولة والتي حددنا ماهيتها في مقالنا السابق - "إشكاليّتنا السياحية.. جدلية التطوير أم التحول" المنشور يوم الخميس الماضي- بالسياحة العائلية، وطبعًا السياحة الداخلية والخليجية هي الأقرب إلينا، وهي التي ينبغي أن نستهدفها، وهى التي تثري حتى الآن سياحتنا الخريفية، ولو بحثنا في آخر الإحصائيات الرسمية فسوف نجد أنّ عدد السياحة الخريفية يصل إلى قرابة نصف مليون لخريف صلالة، الأغلبية من السلطنة والخليج، وقد كان عائدها (180) مليون ريال في أربعين يوما أو أكثر بقليل فقط.

إذن، هناك دواع كثيرة ومتعددة لسرعة ازدواجية هذا الطريق، قد تناولناها في مقالين سابقين منها اجتماعية وأمنية واقتصادية، لكننا نركز أكثر على الجانب السياحي الذي تراهن عليه بلادنا كمصدر للدخل، فلا يمكن حدوث أيّة نقلة سياحية في بلادنا دون التعجيل بازدواجية الطريق في أقرب وقت ممكن، فدول المنطقة تتسابق مع الزمن على جذب السياحة العائلية، فهل من مصلحتنا التأخر عنهم أم سبقهم؟ لدينا كل المقومات السياحية العائلية للاستفراد بعامل السبق والتميز والاستفادة من ارتفاع حجم النمو العالمي للسياحية العائلية والتي بلغت - كما ذكرنا في مقال سابق - 12،5% 2014، وبلغ حجم الإنفاق عليها 140 مليار دولار في نفس العام، ويكفينا هدفا، استهداف السياحة الداخلية والخليجية، فالسياحة العائلية الخليجية تستحوذ الآن على أكثر من 31% من حجم السياحة العائلية العالمية، فكيف نريد تحويل بوصلة هذه السياحة بالقرب منّا جغرافيا وذهنيا واجتماعيا إذا كنا ما نزال حتى الآن لم نحسم الطريق السياحي الوحيد الذي يربطنا بامتدادنا الخليجي؟ وإذا كنا جادين في تحويل السياحة إلى مصدر للدخل، فعامل الزمن لن يكون في صالحنا إذا استمررنا في نهج الحزم بتطبيقاتها سالفة الذكر.

إننا باختصار نسير في الاتجاهات المعاكسة للزمن السياحي، وعلى مجلس الشورى أن يدفع بالأمور في السير نحو الاتجاهات المتناغمة والمنسجمة لا المعاكسة.

تعليق عبر الفيس بوك