التستّر والريادة.. ضدان لا يتعايشان(3)

عن تجربة

سليمان الكندي*

- التجارة المستترة عائق حقيقي يتهدد استمرارية ريادة الأعمال

- نتطلع إلى تشريعات واقعية تخلق جيلا واعدا من رواد الأعمال

كما تطرقنا في الأعمدة السابقة حول داء التجارة المستترة وما تشكله من عائق حقيقي لاستمرارية ريادة الأعمال، ومن خلال رصدنا لوجهات النظر التي نتابعها هذه الأيام، الكل يتحدث عن التحديات الاقتصادية والمرحلة القادمة منها، أتذكر هنا الندوة التي احتضنها سيح الشامخات والتي جاءت ترجمة للتوجيهات السديدة للمقام السامي لمولانا السلطان المعظم - أعزه الله وأبقاه -، والتي ركّزت على تسليم الأمر بالقضاء على التجارة المستترة، وبعد مضي سنوات منذ انعقاد تلك الندوة، إلا أننا لازلنا نرى أن تلك العمالة تصل بلادنا كعمال أو موظفين لنراها خلال أيام بسيطة وهي تتربع عرش مؤسستها التي كونتها برأس مال المواطنين أو بمال بسيط اقترضه من أحد أقرانه الوافدين. وفقا لتجربتي الشخصية حينما قررت أن أنشئ مؤسستي اعتمدت على جمعية أهلية يشترك فيها الإخوة وأبناء الأعمام ومن خلال القرض افتتحت مشروعي الصغير إلى تمكنت من تطويره والصمود إلى يومنا هذا ببركة منه سبحانه وتعالى، إلا أنّ التجار المستترين يحاولون دائما إعاقة مؤسستنا بكل ما أوتوا من وسائل.

ووفقًا لرؤيتي، علينا النظر إلى موضوع الأعمال الحرة وريادة المؤسسات بشموليّة أكبر والوقوف على التحديات الفعلية والواقعية التي واجهت معظم المحاولات "الفاشلة" للشباب الطموح في ريادة الأعمال، ووفقا لنتائج وتوصيات الندوة والمباركة السامية لها، يأتي الآن دور تفعيل هذه التوصيات وتطبيقها في أرض الواقع بما يمكن للشباب النهوض "والاستمتاع بفرص العمل الحر" لما يحققه من أرباح كبيرة في "أرض الفرص"، ومن خلال تجربتي العملية فإنني أرى تفعيل تلكم التوصيات من خلال قرارات سريعة للجهات المسؤولة كوزارة التجارة والصناعة ووزارة القوى العاملة وشرطة عمان السلطانية والتي من شأنها تذليل الصعاب بل القضاء على التحديات التي تواجه الشباب في هذا الشأن، ولعل التحديات التي أراها والتي تواجهنا يوما بعد يوم ولربما تواجه كل شاب قائم على إدارة مؤسسته تكمن في النقاط التالية:

1- عدم تمكن الحكومة حتى الآن من إيجاد وسيلة ناجحة للقضاء على التجارة المستترة والتي ينتج عنها تحويل مئات الملايين من الريالات كما أشار إليها البنك المركزي العماني في مناسبات مختلفة، وكون هذه المؤسسات صغيرة، ويمكن لوزارة التجارة والصناعة أن تستعين برواد الأعمال العمانيين أصحاب المؤسسات الصغيرة، حيث من خلالهم تستطيع الوزارة التعرف على العمالة الوافدة المالكة للكثير من المؤسسات المنافسة وذلك من خلال استجواب كفلاء هذه العمالة وقياس مدى معرفتهم وإلمامهم بنظام المؤسسة التي يديرها الوافد من حيث النظام الإداري المستخدم، الأرباح التي تحققها المؤسسة، النظام المالي المستخدم، نظام قاعدة البيانات المستخدم، أهم الموردين، أهم العملاء، رواتب المؤسسة، السلع المتوفرة بالمؤسسة وغيرها من الأسئلة التي تعمل على قياس إلمام هذا الكفيل "بمؤسسته"، أو بسن قانون يمنع الوافدين من تحويل مبالغ مالية تفوق رواتبهم المتفق عليها في عقد التوظيف، وهذا النظام تم تطبيقه مؤخرا في إحدى الدول الخليجية، أو من خلال التفويضات التي حصل عليها الوافد من الكفيل سواء كانت تفويضات إدارية أم تفويضات مالية والتي كثيرا ما زجت بالكفيل في أروقة المحاكم وغرف السجون، كما يمكن متابعة نشاط الوافد من خلال تحويلاته المالية للسوق المجاورة أو الإقليمية أم العالمية والتي يقوم من خلالها باستيراد بضاعته والمواد الخام المستخدمة في مؤسسته.

2- إعادة النظر في سياسة الاستثمار الأجنبي، ذلك لأنّ الكثير من الوافدين الذين تم إبعادهم خلال فترات التصحيح الفائته عادوا إلى السلطنة كمستثمرين وهم لا يملكون أدنى مستوى علمي أو مالي يؤهلهم بأن يكونوا في مصاف المستثمرين الذين قد يساهمون في إنعاش الاقتصاد الوطني وخلق فرص عمل تروي عطش الباحثين عن عمل، بل سعى هؤلاء الذين يدّعون الاستثمار في الحصول على كفيل "على قد الحال" لكي لا يستطيع محاسبتهم في المستقبل في ظل قيام الوافد باستيفاء كافة الاشتراطات المالية وهو إثبات بنكي بأنّه يمتلك رأسمال يؤهله بأن يكون مستثمرًا في السلطنة، علماَ بأنّه قام بتجميع هذا الرأسمال لفترة مؤقتة من خلال "جمعية الوافدين" إلى أن تتم إجراءات حصوله على بطاقة المستثمر وتباعًا يقوم بإعادة المبالغ لأصحابها! ويبدأ مرحلة جديدة في ريادة الأعمال في "أرض الفرص"، فرأينا الكثير والكثير من النماذج التي كانت تعمل كسائق أو عامل أو مشرف عمال واليوم يمتلك شركة ويتفاخر بأنها (ال ال سي) أي بريء منه).

3- إعادة النظر في سياسة نقل الكفالة بعد مغادرة الوافد للسلطنة وفترة بقائه خارج السلطنة إلا بموافقة الكفيل لتكون خمس سنوات بدلا من سنتين، وعدم السماح له بالحصول على تأشيرة عائلية أو زيارة كما هو حال الكثير من المستترين الأجانب في الوقت الراهن.

ومن خلال التجربة العملية التي نمر بها في مؤسساتنا المتوسطة وحتى يرتبط الشباب العماني بالعمل الخاص، أرى من الأجدر لنا إيجاد جيل من رواد الأعمال العمانيين وليس إيجاد جيل يعمل "كعمال" تحت رحمة العمالة الوافدة، بل تمييز القائمين على أعمالهم في تبسيط الإجراءات وإعطائهم الأولوية الفعلية في المناقصات الحكومية والشركات التابعة لها والعمل على إعطائهم الإسناد في توظيف العمالة الماهرة سواء العمانية إن توفرت أم الوافدة مع وجود الرقابة المشددة في هذا الشأن دون اللجوء إلى سياسة المنع والحظر للمهن والتي غالبا ما تكون سببا في إيجاد الثغرات كما هو حاصل في واقعنا، فالأسواق المحظور فيها عمل الوافدين نراها تعج بهم دون أي اكتراث.

نأمل كعمانيين أن نرى تشريعات واقعية تعمل لخلق جيل رائد لأعماله لا في خلق جيل يعمل لدى الوافد كسائق أو "حمالي" أو مراسل ينجز ويسهل له معاملاته أو إطار وهمي لاستيفاء الوافد لنسب التعمين فيظل قابعا في قبضته ويتحوّل المواطن إلى مكفول من قبل الوافد في "أرض الفرص" فعلى المعنيين بصنع القرار في هذا الشأن أن يختاروا إما إباحة التجارة المستترة أو القضاء عليها ودعم ريادة الأعمال، فهما ضدان لا يمكن أن يتعايشا.

admin@addirham.com

* مدير عام مؤسسة الدرهم

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة