صلالة.. مهد للدستور الليبي

علي بن كفيتان بيت سعيد

لم يتفاجأ المراقبون للوضع السياسي الإقليمي والدولي أن يلتئم الليبيون بجميع أطيافهم في صلالة أقصى جنوب سلطنة عمان لوضع دستور بلادهم الجديد؛ فالسلطنة مارست سياسة معتدلة تجاه جميع الفرقاء الليبيين منذ بداية الأزمة في بلادهم؛ لذلك نالت ثقة الجميع، واليوم شدوا الرحال إلى مدينة الجمال والهدوء إلى صلالة على ضفاف بحر العرب الذي روَّضه العمانيون ببصيرتهم الثاقبة وقراءتهم الصحيحة للأحداث.

ليبيا.. بلد عظيم وشعب حر كريم؛ فهم من ثاروا على الغزاة والمحتلين، ودفعوا أثمانًا غالية لنيل استقلال بلادهم، وخلفوا لنا أبطالًا نحدث عنهم أبنائنا بأنهم رجال ونساء لم ينحنوا أبدا لهيلمان الاستعمار، وظلوا واقفين مُرحِّبين بالموت إذا كان من أجل ليبيا ما زلت أستحضر لقطات من فيلم عمر المختار -رحمه الله- فقد كان مبتسماً عندما حُكِم عليه بالموت؛ لأنه يعلم أنَّ فراقه للدنيا يعني الحياة لكل ليبيا.

.. إنَّ المحادثات التي تبنتها الأمم المتحدة بين الفرقاء الليبيين في مدينة الصخيرات كانت مضنية وعسيرة، ولكنها في النهاية شكَّلت إطارًا يُمكن البناء عليه بغض النظر هل اتفق عليه الجميع أم اختلفوا معه؛ فالاختلاف سمة من سمات الحياة، والاتفاق كذلك، لكنها تظل التقديرات الصحيحة للأحداث هي الفيصل في الأمور السياسية.

الدستور هو القانون الأعلى الذي يُحدِّد القواعد الأساسية لشكل الدولة بسيطة أم مركبة ونظام الحكم ملكي أم جمهوري وشكل الحكومة رئاسية أم برلمانية، وينظم السلطات العامة فيها من حيث التكوين والاختصاص والعلاقات التي بين السلطات وحدود كل سلطة والواجبات والحقوق الأساسية للأفراد والجماعات، ويضع الضمانات لها تجاه السلطة، ويشمل اختصاصات السلطات الثلاث: السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية.

إنَّ وجود معالي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في افتتاح جلسات وضع الدستور الليبي في صلالة، يمنحنا الثقة والتفاؤل؛ فمعروف عن الرجل حُسن التدبير وحياكة خيوط السياسة، في ظل نهج راسخ مستمد من رؤية جلالة السلطان الثاقبة -حفظه الله وأبقاه- بلا شك سيترك الليبيون لصياغة دستورهم الجديد، ولن تتدخل السلطنة في هذا الأمر إلا بتوفير البيئة المناسبة للتفاهم والحوار. ولدينا يقين بأن مدينة صلالة تستحق من إخواننا الليبيين أن يدونوها في سجل تاريخهم الحديث بأنها كانت المهد المريح لدستور منصف لبلد عظيم مثل ليبيا.

نحن في ظفار نُجل هذه اللفتة السامية لمولانا جلالة السلطان -حفظه الله- بالموافقة على أن يكون هذا الحدث المهم في صلالة، وندعو الله أن يُكلِّل هذا المسعى بالنجاح، وأن نحتفل قريبا بإقرار دستور ليبيا الجديد، فكم يسعدنا أن نرى السلام والوئام يعم كل شبر من أرض ليبيا، وأن تعود المياه إلى مجاريها بحيث يحتكم الجميع للغة الحوار والتفاهم وترك لغة السلاح؛ لأنها لا تخلف إلا الحروب والويلات.

ستظل ليبيا في عقولنا وقلوبنا بلد العظماء والشجعان القادرون على تخطي جميع الصعاب والمحن.. حفظ الله عمان وحفظ قابوس.

alikafetan@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك