"التراث والثقافة" تكشف حطام سفن أسطول البحَّار البرتغالي فاسكودي جاما الغارق في المياه العمانية

بالتعاون مع البحرية السلطانية وسلاح الجو والشرطة و"البيئة" وأهالي جزر الحلانيات

< اللواتي: 7 شباب عمانيين ضمن فريق البحث والتوثيق المشترك.. والمكتشفات لا تقدَّر بثمن

< ميرنز: المشروع بدأ بالبحث عن الحطام بناء على الوثائق التاريخية لحوادث غرق السفن

< البوسعيدي: الاكتشاف يؤكد المكانة التاريخية للسلطنة وأهمية موقعها في خضم الصراعات الدولية

عقدتْ وزارة التراث والثقافة، أمس، مؤتمرا صحفيا للإعلان عن المكتشفات الأثرية الغارقة في المياه قرب جزر الحلانيات، والتي يعودُ تاريخها لحطام سفن أسطول البحَّار البرتغالي بفيسكودي جاما الغارق عام 1503؛ وذلك تحت رعاية صاحب السمو السيد منصور بن ماجد آل سعيد مستشار وزير التراث والثقافة.

وقال سعادة حَسَن بن محمد بن علي اللواتي مستشار وزير التراث والثقافة لشؤون التراث، لـ"الرُّؤية": إنَّ التراث لا يُقدَّر بثمن، حتى وإن كانت هناك بعض التقديرات الخاصة بالتأمين على المكتشفات عند نقلها من موقع اكتشافها إلى مكان العرض. لافتا إلى أنَّ كل المكتشفات تعود إلى ما قبل 510 سنوات وأكثر، ومن الصَّعب تقدير قيمتها؛ لأنَّ قيمتها تكمُن في ندرتها وفي أهميتها التاريخية. وعلى سبيل المثال: فإنَّ العملات المكتشفة سُكَّت في العام 1498 ونُقلت في السفينة في العام 1502م، وغرقت في العام 1503م. كما أنَّ الجرس يعود للعام 1498، وقد يكون صُنِع للسفينة خصيصَا، والبحوث العلمية ستتواصل على هذه المكتشفات للتأكد من تاريخها، والبعثة التي تعمل على المشروع أجنبية وعمانية مشتركة.

الرُّؤية - مدرين المكتوميَّة

وأرجع مستشار وزير التراث والثقافه لشؤون التراث قِلَّة عدد الشباب العُمانيين في فريق البحث إلى حداثة مجال البحث عن التراث تحت الماء، والذي يختلف عن التنقيب في اليابسة. وأضاف: لدينا 7 شباب تدرَّبوا على آلية العمل في المشروع والتنقيب والبحث تحت الماء، وعرفوا نقاط الاختلاف بين الأدوات المستخدمة في البحث تحت الماء وعلى اليابسة، وقد خضعت العديد من المكتشفات للتصوير الدقيق لاستيعاب الرموز.

التزام بالمعايير العالمية

وافتُتح المؤتمر بكلمة مستشار وزير التراث والثقافة لشؤون التراث سعادة حسن اللواتي.. قائلا: بالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن وزارة التراث والثقافة وكافة الجهات المشاركة في دعم وتسهيل مراحل تنفيذ مشروع اكتشاف حطام سفن فاسكو دي جاما، نُرحِّب بحضور المؤتمر للإعلان عن تفاصيل المشروع، الذي يُعدُّ باكورة المشاريع التى تُعنى بالبحث والتوثيق والحماية للآثار المغمورة بالمياه في السلطنة، والتي شهدتْ الالتزامَ بالمعايير العالمية المتمثلة في بنود اتفاقية اليونسكو لحماية التراث الثقافي المغمورة بالمياه للعام 2001م.

وأضاف بأنَّ السلطنة وبحكم موقعها الجغرافي الإستراتيجي، ودورها المحوري في الملاحة البحرية بالمحيط الهندي وربط علاقات التبادل التجاري والحضاري بين أوروبا والشرق الأقصى، شكلت ملتقى لمختلف الحضارات خلال العصور التاريخية. ولعل من ضمن الشواهد على ذلك الدور غرق عدد من أساطيل السفن في المياه الإقليمية العمانية، لأسباب طبيعية أو خلال معارك بحرية؛ حيث جَرَى توثيق بعض حوادث الغرق منها ما نكشف عنه في هذا المؤتمر الإعلامي والمتمثل في غرق سفينتين من سفن الهند الشرقية البرتغالية التي كانت جزءا من الأسطول الحربي لفاسكو دي جاما (عامي 1502م-1503م) المتجهة إلى الهند في مياه جزر الحلانيات بمحافظة ظفار.

وأرْجَع اللواتي أهمية الاكتشاف إلى عدة اعتبارات؛ منها أنه يُعدُّ الموقعَ الأول من نوعه من مواقع التراث الثقافي المغمور بالمياه، والذي هو بمنأى عن صائدي الكنوز، يتم اكتشافه والتنقيب فيه في المحيط الهندي بشكل منهجي من قبل فريق علمي من علماء الآثار والمختصين. كما أنَّ أهمية موقع الحطام المكتشف الذي يعود إلى القرن السادس عشر الميلادي يتمثل في خلفيته التاريخية من خلال ارتباطه بالمستكشف البرتغالي فاسكو دي جاما وإلى الطبيعة الفريدة للمقتنيات الأثرية التي تم اكتشافها والتعامل معها، والتي بلغت ما يقارب الـ2800 قطعة أثرية، كان من أهمها 12 عملة ذهبية، إضافة الى العديد من القذائف وجرس نحاسي يعود لإحدى السفن الغارقة والمسماه إزميرالدا، والتي كانت تحت إمرة القبطان فيسنتي سودري.

ويُشار إلى تنفيذ المشروع على 4 مراحل بدأت في العام 1998م، بينما كانت الثانية في العام 2013م، والثالثة في العام 2014م. أما المرحلة الأخيرة، فجرى تنفيذها في نهاية العام 2015م. وعلى الرغم من الصعوبات التي واجهت العمل منها صعوبة الوصول للموقع وتوفير الأعمال المساندة؛ فقد كان للجهد المشترك بين الوزارة والجهات الحكومية الأخرى على رأسها البحرية السلطانية العمانية التي سخرت جميع إمكانياتها لخدمة المشروع، عظيم الأثر في نجاحه، إلى جانب المستوى العالي من التعاون بين فريق المشروع المكون من عدد كبير من المستشارين العلميين الذين قدموا خبراتهم في تفسير تاريخ ومواصفات بعض القطع الأثرية المكتشفة.

تعاون الجهات المعنيَّة

وقال اللواتي: نأمل أن يُسهم المؤتمر الإعلامي في إبراز ما تحقق لهذا المشروع من الأهداف والمخرجات القيمة التي أثمرت عنه جهود التنقيب خلال مراحل المشروع الأربعة بتعاون ومساندة من جميع الجهات الرسمية والأهلية، والذي جاء بتوجيه ومتابعة مباشرة من قبل صاحب السمو السيد هيثم بن طارق آل سعيد وزير التراث والثقافة، وهو الأمر الذي ساهم في خلق نواة لأول فريق وطني مُتخصِّص في التعامل مع متطلبات حماية التراث الثقافي العماني المغمور بالمياه؛ مما يجعل السلطنة من الدول القلائل في المنطقة التي اهتمت ببناء القدرات الوطنية للعناية بمفردة مهمَّة من مفردات التراث الثقافي.

وشهد المؤتمر عرضًا مرئيًّا قدمه ديفيد ميرنز مدير المشروع من مؤسسة بلووتر.. وقال: على العكس من الأغلبية الساحقة من مشاريع علم الآثار البحرية؛ فهذا المشروع بدأ بالبحث عن الحطام بناء على الوثائق التاريخية التي وثقت لحدث غرق السفن؛ وذلك للأهمية التي يحملها هذا الحطام من ناحية أنه من فترة بدايات عصر الاكتشافات واحتماليات العثور على مكتشفات تاريخية جديدة. ومما يُثلج الصدر أنْ أثمرت هذه الإستراتيجية عن اكتشافات مثيرة للاهتمام على الرغم من أننا لا نزال في مرحلة مبكرة نسبيا في دراسة تجميع القطع الأثرية، ومن المدهش العمل في المواقع التي شهدت على بدايات التواصل الحضاري البحري بين أوروبا والهند. إن الأسلحة التي تم العثور عليها بالموقع بدأت تزود الباحثين بالمعلومات بالفعل عن الطبيعة العسكرية لهذه الرحلات، كما أنَّ الموقع بإمكانه تقديم الكثير من المعلومات عن السفن التي قامت بهذه المغامرات والشعوب التي واجهتها.

وقال الدكتور إبراهيم البوسعيدي الأستاذ المساعد بقسم التاريخ في جامعة السلطان قابوس، في معرض تعليقه على الاكتشاف: إنَّ وصول البرتغاليين إلى الهند عام 1498م بقيادة فاسكو دا جاما بداية لمرحلة جديدة من التواصل بين الشرق والغرب في مستهل العصور الحديثة. وهذا الاكتشاف التاريخي يوثق لهذا التواصل ويؤكد مكانة عمان العالمية وأهميتها في خضم التنافس الدولي بين القوى المختلفة منذ مطلع العصور الحديثة. وستسهم القطع الأثرية التي عثر عليها ضمن حطام السفينة الغارقة الخاصة بالقبطان البرتغالي فيسنت دي سودريه (1503م) في تزويد الباحثين والدارسين في مجال الكشوف الجغرافية والدراسات المرتبطة بالمحيط الهندي بالكثير من المعلومات التاريخية المرتبطة بطبيعة الحملات البرتغالية إلى الشرق وأهدافها، وأنواع السفن والإسلحة اضافة إلى الجوانب الاقتصادية مثل العملات، كما يُضفي الكثير من الحقائق التاريخية ويدعم ما دونته المصادر والوثائق المرتبطة بالوجود البرتغالي في الشرق.

قطع أثريَّة متنوعة

وضِمْن مجموعة القطع الأثرية المكتشفة والتي ساهمتْ في الكشف عن هوية السفينة المكتشفة على أنها السفينة إزميرالدا بقيادة فينسينتي سودري، قرص من النحاس عليه شعار النبالة الملكي البرتغالي (esfera armila) الذي كان شعارا شخصيا من الملك دوم مانويل الأول، وجرس برونزي مع نقش يدل على أنَّ تاريخ بناء السفينة كان 1498م، وعملات معدنية ذهبية تسمى كروزايدو (cruzado) سُكَّت في لشبونة بين عامي 1495 و1501م، إلى جانب عملة فضية نادرة للغاية تسمى إنديو (Indio) والتي سُكَّت بتكليف من دوم مانويل في عام 1499م للتجارة مع الهند. وهذه الندرة للإنديو (هناك فقط عملة واحدة اخرى مماثلة معروفه في العالم) تأتي من مكانتها الأسطورية بصفتها عملة دوم مانويل "المفقودة" أو "الشبح". في حين كان الجزء الأكبر من القطع الأثرية المكتشفة من المدفعية والذخائر من الترسانة التي كانت على متن السفينة. وشملت هذه طلقات من الرصاص والحديد والحجر من مختلف الأحجام، وعدد كبير من قطع المدفع من البرونز وبعض الأسلحة النارية القديمة. وهذه المكتشفات تقدم دليلا ملموسا على الهدف العسكري للأسطول كما أمر به دوم مانويل والذي نفذ من قبل فاسكو دا جاما واثنين من أخواله فيسنتي وبراس سودري.

واستناداً إلى الدراسات على القطع الأثرية، فإنَّ الأهمية التاريخية والأثرية لموقع الحطام ستكون هائلة باعتبارها واحدة من أوائل سفن الاكتشافات التي تسبق زمنياً أي اكتشاف آخر لغرق السفن الايبيرية بحوالي 30 أو 50 عاماً، ومن المتوقع أن تكشف القطع الأثرية عن اكتشافات جديدة حول الكيفية التي كانت تدار بها التجارة البحرية والحرب في المحيط الهندي في مطلع القرن.

واستفادَ المشروع من مساهمات العديد من الجهات الحكومية والمعاهد وعلماء الآثار الخبراء المستقلين الذين حللوا القطع الأثرية بمنتهى الدقة وباستخدام التقنيات المتطورة. وتشمل الجهات الحكومية المساهمة بالمشروع البحرية السلطانية العمانية وسلاح الجو السلطاني العماني وشرطة عمان السلطانية، والتي قامت بعمليات الدعم والإمداد، ووزراة البيئة والشؤون المناخية، إضافة إلى أهالي جزر الحلانيات. كما تشمل المعاهد والمؤسسات: جامعة بورنموث، ومؤسسة سميثسونيان وصندوق الاستثمار للآثار البحرية (Maritime Archaeology Sea Trust) وجامعة نوفا دي لشبونة، وWGM من جامعة وارويك، ومختبر أيسوتراس أكسفورد، وبنك البرتغال، وجمعية لشبونة الجغرافية، والمعهد الوطني للطاقة والجيولوجيا في لشبونة، ومركز التاريخ الجيولوجي لندن، وجامعة درهام، وصندوق ماري روز في المملكة المتحدة. وكانت التحاليل بدعم جزئي مقدم من مؤسسة بلو ووتر ريكفوريز من مجلس الجمعية الوطنية الجغرافية للبعثات الإستكشافية ومؤسسة Waitt. وشهد المؤتمر عرض نماذج من المكتشفات الاثرية للمشروع إضافة الى عرض فيلم وثائقي للمشروع أخرجه محمد الكندي.

تعليق عبر الفيس بوك