الحرص على ضوابط علاقة الزمالة يفتح الباب لصداقة ممتدة خارج نطاق العمل

"م.خ" تركت عملها والتحقت بآخر بحثا عن تعاملات ودية

رصدتْ التجربة - مدرين المكتوميَّة

تعمل "م.خ" في إحدى مؤسسات القطاع الخاص، بعد أن حصلت على درجة البكالوريوس خارج السلطنة. وبحكم التحاقها بمدرسة خاصة داخل السلطنة في سنوات دراستها الأولى، اعتادت أن تتعامل مع زملائها من الشباب على أنهم إخوتها، واتسمت تعاملاتها بالعفوية، ولأنها فتاة تؤمن بالحرية في كل شيء، ولا تحب أن يجادلها أحد فيما ترتدي، أو فيما تحب؛ لذلك كانت لا تكترث لأي انتقاد موجَّه لها، وإنما تأخذه بشيء من الإيجابية والرضا؛ لتجعل الطرف الآخر يكتفي بالصمت.

تقول "م.خ" إنها لا تحب الحياة المقيدة، ولا تجد أيَّ مشكلة في أن تذهب لمهمات العمل مع زملائها، أو أن تخرج لشرب القهوة في أي كوفي شوب، وكانت تحب أن تكون معهم في أفراحهم وأتراحهم، وتهتم جدا بزملاء العمل، لدرجة أنها لا تحب أن ترى أحدهم في مزاج سيئ، وإنما تقوم بكل ما في وسعها ليصبحوا سعداء، حتى جاء وقت شعرت فيه أنَّ العالم الذي تتوقعه مختلف جدًّا عن العالم الذي تعيشه واقعيا، في ظل تواصل انتقادها بدعوى أنها تخالف التعاليم الدينية والأعراف التي يُؤمن بها المجتمع، ومع ذلك لم تبالِ بكل ما كان يعترضها، حتى وصلت إلى قناعة تامة بأنَّ بعض الرجال مهما تغيَّر فكرهم وسافروا وتعلموا وانفتحوا على العالم يبقى تفكيرهم محدودًا في تقييم المرأة ودرجة التزامها من عدمه.

وتضيف: كنت أحب زملائي لدرجة أن كنت أشعر معهم وكأني في منزلي، وما كنت أكترث لكل ما أقوم به، وكنت أجد فيهم الأخوة الذين سيحافظون علي، ولا يسمحون لأحد بأن يسيء لي، لكن الخذلان حين يأتينا من أقرب الناس يكون قاتلا للنفس. فقد خُذلت من الكثير من الأصدقاء والزملاء الذين يكتفون بإسعادي لهم، بينما في المقابل يتحدثون من خلفي ويقول إني فتاة منفتحة بدرجة كبيرة، وأنَّي لا أهتم بالحدود بيننا والسماح بخروجي معهم في مختلف الدعوات والمناسبات، وغيره من الكلام المبتذل.

وعن ردة فعلها تجاه ذلك، تقول م.خ: بدأت أغير في تعاملاتي وأبتعد تدريجيا عن كل من هم حولي، صحيح أن الأغلبية كانوا مدركين أني تغيرت لسبب ما، والبعض يظن أني أمر بأزمة أو ضائقة أو مشاكل عائلية، ولكن جُملة الكلمات التي وصلتني من خارج إطار العمل جعلتني أكتفي بأن أتعامل معهم على أنهم زملاء مكان فقط، وبعد انتهاء ساعات العمل لا أجيب عن أي شخص منهم، ولا أفتح أي مجال للكلام خارج نطاق العمل، وقد جعلهم ذلك يدركون أن هناك ما غيَّرني، وبدأ التساؤل عن سبب تغيُّري، ولم أهتم بالرد لإدراكي أنى منحت الزملاء أكثر ما يستحقون، ولا يليق بهم أكثر من الرد في حدود التعاملات اليومية بالعمل، وشعرت بالراحة كثيرا بعد أن وجدت لنفسي مساحة من الحرية والاستفادة من وقتي فيما هو أجمل، والتواصل مع أشخاص آخرين أحبهم ويفهمونني، وسعيت للعودة إلى زملاء الدراسة لأنهم يحملون نفس الثقافة والفكر.

وتضيف "م.خ": واجهت صعوبة في ذلك التغيير، إلا أنَّني ضغطت على نفسي كثيرًا لأستطيع تطبيقه في حياتي، وفي مقر العمل على وجه التحديد، واكتشفت مع الوقت أن التغيير ليس صعبا بل هو مسألة نسبية، والكل يستطيع أن يُغيِّر نفسه للأفضل، وبذلك حاولت جاهدة أن أحصل على وظيفة في مكان آخر، مما جعلني لا أهتم لهؤلاء الزملاء من حولي. وبالفعل، وجدت وظيفة أخرى تتناسب مع طبيعتي، وانتقلت للعمل فيها، ولديَّ الآن زملاء يحترمون وجودي بينهم ليس كمن تعاملت معهم سابقا، ربما لأن الموظفين بها ليسوا كُثر، وكأننا عائلة تربطنا علاقات رائعة، فتجدنا نحضر أعراس الزملاء، ونذهب لتناول وجبة الغداء معًا، ونخرج إلى مهمات العمل دون أن تكون هناك أي مشاكل مرتبطة بالأعراف أو الدين، ولدينا عائلات تحترم المهنة التي نمارسها؛ وبالتالي فنحن نعيش حياة مختلفة، ونظرة مغايرة لمعنى الزمالة، فنحن نعيش في مقر العمل لساعات طويلة أكثر من تلك التي نقضيها بين أسرنا؛ وبالتالي فإنَّ الكل يحترم قدسية علاقة الزمالة حين نسعى لتحويلها إلى صداقة مستمرة.

تعليق عبر الفيس بوك