طلاب منسحبون من الدراسة الجامعية: عدم وضوح التخصص وقلة فرص العمل والمخصصات أبرز الأسباب

مسؤولو التسجيل انتقدوا قرارات الانسحاب المتأخرة لإهدارها الوقت والفرص التعليمية

< اليعربي: الحاجة لفرصة عمل سريعة دفعتني لعدم انتظار إتمام الدراسة

< السعدي: انسحبت لعدم كفاية المخصص الشهري للسكن والطعام والانتقال

< الخاطرية: لابد من إيجاد تشريع يحد من ظاهرة الانسحاب وإضاعة الفرص على الآخرين

مسقط - منار السعديَّة

بَرَّر عددٌ من الطلاب المنسحبين من الدراسة الجامعية، قرارهم، بعدم وضوح التخصصات التي التحقوا بها في البداية؛ مما اضطرهم للانسحاب بعد إدراكهم أنها لا تتفق مع ميولهم الشخصية، فيما قال آخرون إنهم انسحبوا لعدم كفاية المخصصات المالية الشهرية التي لا تفي بتكاليف السكن والطعام والانتقال، خصوصا لهؤلاء الذين يسكنون مناطق جبلية نائية، وأرجع آخرون ذلك القرار إلى إحباطهم بشأن إمكانية الحصول على فرصة عمل مناسبة في الوقت المناسب بعد التخرج، على خلفية ما تابعوه من تجارب زملاء لهم تخرجوا وانتظروا طويلا للعثور على وظيفة توفر دخلا ماديا مناسبا لهم ولأسرهم.

وعلى الجانب الآخر، انتقد عدد من مسؤولي التسجيل والتوثيق بمؤسسات التعليم العالي تلك القرارات الانسحابية في وقت متأخر. ولفتوا إلى أنَّ هؤلاء الطلاب المنسحبين تسببوا في خسارة زملاء آخرين للكراسي الدراسية التي ربما كانوا هم أحق بالاستمرار فيها نظرا لجديتهم ورغبتهم في الدراسة وتطوير مهاراتهم.

وقال حمد بن سليمان اليعربي -طالب منسحب من الكلية التقنية بالمصنعة تخصص إدارة موارد بشرية- عن أسباب اتخاذه قرار الانسحاب: على الرغم من أن القبول والحصول على كرسي جامعي في إحدى مؤسسات التعليم العالي فرصة ثمينة حظيت بها، إلا أنَّ الواقع الجامعي الذي يعيشه الطالب يفرض علي البعض عدم إكمال المسيرة التعليمية.

وأضاف اليعربي: أعلم أن قرار الانسحاب جاء في وقت متأخر، وبسببي خسر طالب آخر كان يستحق أن ينال هذه الفرصة بدلا مني، إلا أن فرص العمل في الوقت الحاضر أصبحت لا تشجع الطالب على إتمام هذه المسيرة، وهو ما جعلني أنسحب من فرصتي التعليمية، بعد أن شعرت أن الحصول على فرصة العمل للخريج يتطلب منه الانتظار لوقت طويل يتعدَّى السنة أو السنتين في ظل محدودية التوظيف؛ مما أرغمني على الالتحاق بإحدى الجهات العسكرية.

عدم وضوح التخصص

وقال محمد بن موسى الظاهري -طالب منسحب من كلية العلوم التطبيقية بنزوى في تخصص الاتصال الجماهيري: عند التحاقي بالكلية لم أكن مُلمًّا بفكرة التخصص، وكان تخصصي يسمى "دراسات اتصال". أما الآن، فيطلق عليه الاتصال الجماهيري. ظننت حينها أن التخصص متعلق بالشبكات والاتصالات، ولم تكن لدي الخلفية الكافية عن التخصص، حتى فوجئت بعد دخولي إلى التخصص الفرعي أن التخصص إعلامي بحت وميولي لم تكن إعلامية، بقدر ما كانت رغبتي في أن أدرس الشبكات والاتصالات.

وأكَّد الظاهري أنه بعد معرفته بتجارب خريجي كثير من مؤسسات التعليم العالي وجد أن عملية التوظيف تسير وفق الحظ يخيب تارة ويصيب تارة أخرى، وأن المئات منهم ما زالوا يبحثون عن عمل. والطالب بعد تعب خمس أو أربع سنوات من الدراسة، يجد نفسه منتظرًا للتوظيف في القطاع الحكومي أو الخاص، ويجبر على أن يمر على اختبارات لتحديد قبوله من عدمه.

مُخصَّصات شهرية محدودة

وقال فيروز بن مظفر السعدي -طالب منسحب من كلية التقنية بالمصنعة- إنَّ البعض يظنون أن الالتحاق بإحدى الكليات أو الجامعات أمر يسير، إلا أن الأمر عكس ذلك تماما؛ فالطالب معرض للعديد من العقبات التي يمكن أن تعثره عن إكمال مسيرته. وربما تدفعه إلى الانسحاه من الكلية. وأضاف: المخصص الشهري كان سببا في انسحابي من الكلية؛ حيث كنت مضطراً للبقاء في سكن خارجي لأني أقطن بقرية جبلية، والمخصص المالي من الكلية لم يكن يكفي لسد حاجتي ومتطلباتي لخلق بيئة مساعدة على الدراسة؛ فأصحاب السكنات الخارجية كانوا يطالبوننا بدفع مبلغ إيجار يفوق قدرة الطالب حيث يصل إلى 50 ريالا شهريًا، وهذا يعني أن أكثر من نصف العلاوة الشهرية تذهب للسكن، وما يتبقى لم يكن يكفيني لأجرة الرجوع للمنزل أو تكاليف الطعام، ووجدت أنني أضطر لدفع مصروفي للأكل وأجرة الرجوع إلى المنزل، فضلا عن تكلفة متطلبات التخصص من مواد خام وغيرها، فلم يكن يكفيني لدفع تكاليف احتياجاتي؛ الأمر الذي قادني لاتخاذ قرار الانسحاب والاتجاه للبحث عن فرصة عمل في إحدى الشركات للحصول على راتب يساعدني على إعالة نفسي وأسرتي.

ندم بعد الانسحاب

وقالت زكية بنت عامر الخاطرية -طالبة منسحبة من كلية العلوم التطبيقية بنزوى، تخصص إدارة أعمال دولية: لطالما كنت أرى نفسي محظوظة كثيرًا حينما قبلت في الكلية، وكنت أعلم أن هنالك أشخاصا لم يحظوا بفرصة القبول، إلا أنني بعد دراسة الثلاث سنوات تيقنت أن الطالب في بعض الأحيان يكون في مواقف خارجة عن إرادته تجبره على قرار غير صائب، حيث إن قرار انسحابي كان نتيجة لضغوط شخصية خارجة عن إرادتي وربما كان قرار الانسحاب متسرعا أكثر من اللازم، إلا أنني متيقنة أنني نادمة على اتخاذ هذا القرار. وربما عدم وجود قانون صارم لعدم الانسحاب أدى إلى اتخاذ بعض الطلاب قرار الانسحاب دون مبالاة لعواقب القرار ودون الشعور بقيمة الكرسي الجامعي الذي يتمناه أشخاص آخرين؛ فالدراسة تتطلب رغبة ذاتية لتخطي كافة العقبات، لكنني كنت أفتقر إلى حب الدراسة؛ فالتحاقي كان فقط لإرضاء أهلي بالقبول والالتحاق بالدراسة في إحدى مؤسسات التعليم العالي، إلى جانب أن الزواج كان عائقا لي؛ فكانت الدراسة تتطلب مني تفرغا تاما في حين كانت ظروفي الشخصية لا تتناسب مع هذا الوضع.

مركز القبول المواحد

ومن زاوية إدارية وأكاديمية، قال سعود بن حارب الشعيلي رئيس قسم القبول والتسجيل في كلية العلوم التطبيقية بنزوى: إن القبول يتم عن طريق مركز القبول الموحد، ويراعى انسحاب الطلاب في السنوات الأولى؛ بحيث تكون هناك قوائم معدة لإحلال طلاب جدد، بينما لا يمكن للكلية أن تقبل طلاب جدد إذا كان الطالب المنسحب قد أكمل ما يقارب الثلاث سنوات. أما قرار الانسحاب فهو قرار شخصي بحت والخسارة لا تقتصر فقط على أشخاص لم يتم قبولهم، بل كذلك تعود على الشخص المنسحب؛ حيث سيكون قد خسر فرصته الكاملة في الدراسة وأضاع وقته، والكلية لا تستطيع وضع قوانين صارمة لتقليص نسب الانسحاب؛ لأنَّ الكلية تتعامل مع الطالب على أساس أنه طالب راشد وتظل المسألة حرية شخصية وقرارات عائدة للطالب ذاته.

وقال خميس الخصبي مسجل وكاتب القبول والتسجيل بالكلية التقنية بنزوى: إنَّ الحصول على مقعد دراسي في إحدى مؤسسات التعليم العالي يعد إنجازا كبيرا بالنسبة لخريجي الدبلوم العام؛ وبالرغم من وجود فرص كبيرة لبعض الطلاب وبعد مرور فترة طويلة يتخذون قرار الانسحاب، خاصة من الذكور، وهي التي تؤدي إلى حرمان أشخاص لم تتح لهم فرصة القبول. وهذا أسلوب سلبي غير مرغوب، لما يتركه من سلبيات لدى المؤسسات التعليمية ولدى الطالب والطلاب الآخرين الذين لم يحالفهم الحظ والذي يستدعي وجود مناقشات لحل هذه القضية والحد من نسبة الانسحاب.

وترى ابتسام الخنبشية -مسجلة وكاتبة في القبول والتسجيل بالكلية التقنية بنزوى- أن هؤلاء الطلاب المنسحبين ليس لديهم حافز لتطوير ذواتهم؛ حيث إن ثمرة العلم تعمل على تغيير الطالب إلى شخص مثقف وواعٍ، وليس كل الطلاب يعون هذا الأمر ويذهب ضحية هذا الإهمال أشخاص لم تتح لهم فرص الالتحاق. وعلى الرغم من أن القرار شخصي، إلا أن نسب الانسحاب وإضاعة فرص التدريس أصبحت موضوعا يستحق البحث؛ لأنَّ حق التعليم هو أمر مشروط لكل شخص، وهو ثمرة جنيت من وراء الجد والتعب، وعلى الرغم من أن مؤسسات التعليم العالي فتحت أبوابها لكثير من الطلاب، إلا أنَّ العديد منهم يظل متناسياً أن فرصة القبول ثمينة لا يحظى بها الجميع، ولا تزال العديد من الكراسي الجامعية تذهب ضحية أفراد كانوا أضعف من المعوقات والتحديات.

تعليق عبر الفيس بوك