الإخلال بالآداب العامة "إلكترونيًّا"

سعود الفارسي

بتطور الحياة تتطور التقنية، وتزامناً مع تطور التقنية تُخلق برامج تواصل إلكترونية مختلفة، ومع تعدد تلك البرمجيات واختلاف خصائص كل منها، تكثر صور الاستخدام وتختلف، وتبقى طبيعة تلك الاستخدامات رهناً بنية حائزها ورغباته، ولكون الخير والشر ضدين موجودين منذ الأزل، وكنتيجة لاختلاف المستوى التعليمي والثقافي والأخلاقي والديني لكل إنسان، فإنه يغدو من الطبيعي جدا أن تكون هنالك استخدامات حسنة لتلك التقنيات وأخرى سيئة، لذلك تنبَّه المشرِّع العُماني لخطورة هذه التقنية، وعمد إلى إصدار تشريع قانوني متكامل ينظم حدود الحرية في استخدام هذه التقنية هو قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات الصادر بالرسوم السلطاني رقم 12/2011، حيث يعاقب هذا القانون كل من يتجاوز مارسم من حدود، وكل من يتعدى على خصوصيات الناس وحرمة حياتهم الخاصة، وثوابت المجتمع وآدابه العامة، مستغلاً هذه التكنولوجيا لارتكاب مختلف أنواع الجرائم كالقمار وغسل الأموال والاتجار بالأعضاء البشرية والمخدرات والمواد الاباحية...وغيرها، إلكترونيا، وقد ألغي بموجب ذلك القانون الفصل الثاني مكرر من الباب السابع من قانون الجزاء العماني الذي كان يعالج موضوع الجرائم الإلكترونية.

... إنَّ المتتبع لوسائل ومواقع التواصل الإجتماعي يعلم علم اليقين أنَّ هناك تزايداً في التجاوزات والمخالفات اللا أخلاقية نوعاً وكمًّا، ويتضح ذلك جليا من خلال العدد الكبير من التغريدات والمشاركات والفيديوهات المنشورة والمتناقلة عبر الفضاء الإلكتروني ببرامجه المختلفة، تلك التجاوزات والمخالفات التي تسيء لأصحابها قبل أي شخص آخر، ومن تلك التجاوزات ماتم إحالته للجهات المختصة وأصدرت السلطات القضائية المختصة في بعضها أحكاما مختلفة منها السجن، ناهيك عن الفضائح العلنية التي لحقت بالعديد من مرتكبي تلك الجرائم؛ لذلك فإنه يكون من الضروري جدًّا بيان بعض النصوص والأحكام القانونية ذات العلاقة بالموضوع والمنصوص عليها في قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات المشار إليه؛ وذلك من باب نشر الثقافة القانونية لأهداف عديدة؛ منها: منع الوقوع في مثل تلك الجرائم من جانب، وحفاظاً على المجتمع وثواتبته وأخلاقه وآدابه العامة من جانب آخر.

وتنص المادة (17) من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات المشار إليه إلى أن "يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن مائة ريال عمانى ولا تزيد على ثلاثة آلاف ريال عمانى أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من استخدم الشبكة المعلوماتية أو وسائل تقنية المعلومات فى المقامرة، أو فى إنتاج أو نشر أو توزيع أو شراء أو حيازة كل ما من شأنه المساس أو الإخلال بالآداب العامة أو فى الترويج لبرامج أو أفكار أو أنشطة من شأنها ذلك"، وقد عرف المشرع العماني وسائل تقنية المعلومات بأنها "جهاز إلكتروني يستخدم لمعالجة البيانات والمعلومات الإلكترونية أو تخزينها أو إرسالها أو استقبالها كأجهزة الحاسب الآلي وأجهزة الاتصال".

ومفاد ما تقدَّم من نصوص أنه يعد مرتكبا لجريمة تقنية معلومات وفقا لقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات العماني، كلُّ شخص يقوم باستخدام الشبكة المعلوماتية أو وسائل تقنية المعلومات التي يعد من بينها جهاز الحاسب الآلي والهواتف الذكية وغيرها في أعمال المقامرة، أو في إنتاج أو نشر أو توزيع أو شراء أو حيازة كل ما من شأنه المساس أو الإخلال بالآداب العامة أو فى الترويج لبرامج أو أفكار أو أنشطة قد يكون من شأنها ذلك، ومن الجدير بالتنويه أنَّ القيام بواحدة من الأنشطة المشار إليها أعلاه كافٍ جدا لقيام الجريمة، فقيام شخص بانتاج مامن شأنه الإخلال بالآداب العامة كفيل جدا بقيام الجريمة وإن لم يقم بنشره، وقيام شخص بنشر مقطع مرئي من شأنه المساس بالآداب العامة يجعله مرتكبا لجريمة تقنية معلومات وإن لم يكن هو منتج ذلك المقطع.

ومن جانب آخر، وفيما يتعلق بمسألة النشر، فإن مجرد النشر يجعل صاحبه مرتكباً لجريمة تقنية معلومات وإن كان النشر لمجرد مجموعة بسيطة من الأصدقاء عبر برنامج إلكتروني محدد؛ وذلك تطبيقا للقاعدة القانونية المستقر عليها التي تنص على أن "العام يؤخذ على عمومه مالم يوجد ما يخصصه، والمطلق يؤخذ على إطلاقه ما لم يوجد ما يقيده في نص آخر"، وبناءً عليه يُعدُّ مرتكبا لجريمة تقنية معلومات كل شخص يقوم بنشر مقطع مخل عبر برنامج "سناب شات" مثلا بنية أن يريه لمجموعة محددة من الأصدقاء، فالناشر هنا لا يستطيع أن يتحجج بأنه لم ينشر المقطع إلا لأصدقائه المقربين، وفي برنامج لا يستطيع الدخول إليه إلا من يقبل هو إضافتهم، وإذا ما قام شخص آخر من أصدقاء الناشر بأخذ ذلك المقطع وقام بإعادة نشره عبر برنامج إلكتروني آخر، فإن ذلك الشخص الآخر يكون مرتكباً كذلك لجريمة تقنية معلومات. وعليه؛ فلا يعتقد أحد أنَّ الناشر الأول هو فقط من سيتعرض للعقاب دون الآخر! وكذلك يعد مرتكبا لجريمة تقنية معلومات كل شخص يقوم مثلا بتسجيل مقطع صوتي يحتوي على مامن شأنه الإخلال بالآداب العامة ويقوم بنشره على برنامج "الواتساب".

ختاماً.. من الجدير بالتنويه أنَّ القانون المشار إليه قد تضمَّن موادَ قانونية أخرى لا تقل أهمية ألبتة عن نص المادة القانونية محل الحديث في هذا المقال، سنقوم بالتطرق إليها مستقبلاً، وتذكر عزيزي القارئ بأن التقنية وجدت لسعادتنا ولخدمتنا ولتسهيل حياتنا فلا تجعل منها سبباً لإهانة نفسك ومجتمعك والتعدي على الثوابت والأخلاق، فمتى فعلت ذلك فإنك تعرض نفسك للمساءلة القانونية.

* مستشار قانوني - طالب دكتوراه في القانون النووي

تعليق عبر الفيس بوك