تربويون: العنف الأسري ورفقة السوء وغياب الرقابة أهم أسباب انتشار ظاهرة التنمر بين الطلاب

حذروا من التأثير السلبي لمقاطع الفيديو العنيفة عبر الإنترنت

اليحيائية: الحد من ظاهرة "الاسترجال" بين الطلبة يحمي المجتمع من تفشي العنف مستقبلا

العبري: تفضيل بعض الأسر للأبناء الذكور يدفع الفتيات لممارسة أفعال ذكورية لا تليق بهن

الرؤية - محمد قنات

قال عدد من التربويين إن ظاهرة التنمر أو ما يسميها البعض "الاسترجال" لدى بعض طلاب المدارس ترجع إلى خلل مشترك في الدور التربوي بين الأسرة والمدرسة، وأن هؤلاء الطلاب غالبا ما يكونوا قد تعرضوا لعنف أو معاملة قاسية في الصغر مما انعكس على سلوكياتهم. وأشاروا إلى أنّ خروج الطلاب مع رفقة السوء دون رقابة الأسرة والمعنيين بالمدرسة إلى جانب التعامل بالقسوة أو التدليل الزائد وغيرها من الأسباب تساهم في إكساب الطلاب سلوكيّات غير حميدة. وحذّر المختصون من إهمال تلك الظاهرة، مؤكدين على ضرورة العمل لمواجهتها تجنبًا لآثارها السلبيّة على الأسرة والمجتمع.

وقال الدكتور نبهان بن سهيل المقرشي إنّ التنمر المدرسي بات ظاهرة يشتكي منها كثيرون يعانون من ويلاتها، حيث يبحث المهتمون بالعملية التربوية سبل علاجها نظراً لخطورتها، وتلقى تلك الظاهرة اهتمامًا غير عادي من جانب المهتمين بقضايا ومشكلات التربية والتعليم في جميع أنحاء العالم، لأنها تعد سببا مؤثرا في تعثر الكثير من الطلاب دراسيا وتدفع بالبعض إلى كُره الدراسة وتركها، وتقود للعنف في المدارس بين الطلاب ويبلغ حدا من التوحش يدل عليه اسم الظاهرة نفسها "التنمر"، كدلالة على تحول السلوك الإنساني إلى سلوك مشابه للسلوك الحيواني في الغابة، حيث لا بقاء لضعيف ولا احتكام إلا للغة القوة والوحشية دونما مراعاة لخلق قويم أو لسلوك فاضل .

وأضاف المقرشي أنّه يجب التخلص من التنمر المدرسي وترسيخ أسس بيئة داعمة وراعية اجتماعياً في المدرسة وفي كل قاعات الدروس، علاوة على تقديم المساعدة اللازمة للطالب على الصعيد الفردي وأسرته، حتى تضمن المؤسسات التعليمية والتربوية الحق لجميع الطلبة في الحصول على فرص متساوية من أجل النجاح والتميز وتعبيد الطريق نحو مستقبل مهني زاهر يعود على الشخص وأسرته ومجتمعه بالنفع، ولن يتم ذلك إلا بنهج كل مدرسة طرقا علاجية منسجمة مع ثقافتها المدرسية والمحيط الاجتماعي.

تأثير رفقة السوء

وقال سنان محمد سليمان العلوي بمدرسة اﻻبداع للتعليم اﻻساسي إن الطالب والطالبة هما جزء ﻻ يتجزأ من المنظومة التعليمية ويجب إعدادهم منزلياً على يد الوالدين قبل المدرسة حتى تظهر الشخصية القويمة في الميدان المدرسي، لافتة إلى أنّ الرفقة السيئة وخروج الطالب أو الطالبة مع كل من هب ودب دون رقيب أو حسيب يساهم بالقدر الكبير في اكتساب سلوكيات غير حميدة إضافة إلى تأثير المعاملة بقسوة أو على العكس تدليل الأسرة للطفل وغيرها من العوامل الخارجية المؤثرة على البيئة النفسية لشخصية الطالب تجعله إما مطيعًا خلوقا ذكيًا فعالا أو مشاكسا شرسا فظا مع آبائه والمعلمين.

وأضاف العلوي أنّه يسمع ويشاهد الكثير عن سلوكيات غير أخلاقية من تلفظ أو مد اليد بصور شتى أو كتابات سيئة وتشابك مع معلم أو معلمة للأسف الشديد .ومن خلال عمله في الحقل العلمي لسنوات طويلة يقول إن بمقدور المعلم والمعلمة تخريج طالب خلوق أو مشاكس متمرد حسب قوة شخصية المعلم وأسلوبه مع الطالب أو الطالبة ويجب أن يشعر المعلم الطالب بأنّه معه وليس عليه وأن يكون حازما ومرنا في ذات الوقت ويتمتع المعلم في تعامله بحكمة القائل ﻻ تكن صلبا فتكسر وﻻ لينا فتنثني، كما يجب أن يشترك مع ولي الأمر في حل مشاكل الطالب والطالبة ولا يقف المعلم وولي الأمر على الأشياء التى ﻻ يستحق الوقوف عليها وتعقيده وأن الحزم والشدة يكون في الاشياء التي تستحق مثل الأخلاقيات ويكون ذلك بشكل تهذيبي وقانوني.

وأكد العلوي أنّ المعلم الذي يمتلك الخبرة في التعامل يستطيع أن يجعل الطالب يحترمه ويسمع توجيهاته، من خلال انتهاج اسلوب التعاون معه ومساعدته على الدوام، فجميعنا بشر لنا أحاسيس ومشاعر حال أبنائنا الطلبة، والخلاصة تكمن في فن التعامل والطريقة والأسلوب، لكن البعض من الطلاب ﻻ ينفع معهم ﻻ الطيب وﻻ الحزم وهنا للإدارة أنّ تفصل الطالب من المدرسة أو ينقل إلى أخرى وفق ضوابط ﻻئحة شؤون الطلاب.

تفريغ الطاقة السلبية

وقال المعلم مطلوب السالمي إنّ ظاهرة الاسترجال والتنمر بدأت تظهر في المدارس خلال الفترة الأخيرة لكنها متفاوته من مدرسة لأخرى خصوصا في مدارس الحواضر والمدن ولها آثار سلبية على المجتمع في تخريج أجيال تتسم بالعنجهية واللامبالاة وعدم الإكثراث بالنتائج ويعمد هذا الجيل إلى حل مشاكله بالقوة ولا يعرف معنى الحوار. وأضاف أن أسباب انتشار الظاهرة يرجع إلى مشاهدة الأفلام التي تظهر البطل بأنه رجل خارق دوان مراعاة للآخرين، فضلا عن تأثير الكبت الأسري وعدم محاورة الطالب داخل الأسرة، حتى تخرج هذه الطاقة في صورة التنمر. كما أنّ هناك تأثير متابعة الطلاب والأطفال لمقاطع اليوتيوب وظهور بعض الشخصيات التي تمارس هذه السلوكيات المشينة بالمدارس. كما أنّ البيئة المدرسية أحيانًا ما لا تساعد الطالب على تفريغ طاقاته والتعبير عن ميوله، فضلا عن عدم وجود مؤسسات تربوية ومجتمعية كافية لرعاية المراهقين وتوجيههم.

وأضاف السالمي أنّه يمكن الحد من هذه الظاهرة عن طريق تبني برامج توعوية للطلاب داخل المدرسة، ونشر مقاطع فيديو توعوية قصيرة تنشر عبر برامج التواصل الإجتماعي، واستغلال خطبة الجمعة لتوعية الآباء حول هذه الظاهرة وطرق التعامل مع أبنائهم، إلى جانب طرح القضية إعلاميا بتصوير مقاطع توعوية ومناقشتها في برامج إذاعية بأسلوب شائق.

وقال بدر بن سالم بن سعيد النزواني إن هناك بعض الطبائع الدخيلة على مجتمعاتنا أو التصرفات التي قد يمارسها البعض وتتلقاها الأجيال الجديدة وتؤثر في البعض منهم حتى يظهر ذلك في سلوك الطلاب الصغار، ومن هذه السلوكيات ظاهرة (التنمر والاسترجال) بين بعض الطلبة الذين لا يدركون أنّ هذا السلوك ليس من الحسنات التي لا تليق بطالب العلم. وانتقد عدم السعي سريعا لتقويم الطالب الذي اعتاد على استخدام عضلاته في التعامل مع الزملاء حتى يصل البعض إلى مرحلة التعدي على المعلم. وأضاف النزواني أن هذه الظاهرة ترجع إلى أسباب عديدة منها التقليد الأعمى وتأثير وسائل الترفيه والتواصل على الطلبة من خلال نشر صور وفيديوهات مسيئة.

وقالت المعلمة مزان عبد الله الفارسي إنّ كل مجتمع له سمات عامة نستطيع من خلالها الكشف عن بعض المفردات الحياتية به، فالمجتمع القروي مثلا ينظر إلى الاسترجال والتنمر المدرسي على أنّه ميزة وسمة يجب أن يوصف بها الأبناء باعتبار أنه "إن لم تكن ذئبا اكلتك الذئاب"، وقد تكون هناك مجموعات في المدرسة تقوم بالاعتداء على الطلاب الضعاف جسمانيا لتجعل منهم أتباع يأتمرون بأمرهم ويقومون بأعمال العنف ضد الزملاء الآخرين الذين رفضوا الانضمام اليهم وهذا السائد، وهناك أسباب أخرى منها التربية القاسية للأبناء وعدم تعويدهم على التسامح وفضيلة العفو عند المقدرة.

اتساع دائرة العنف

وأكدت الفارسية أنّ التنمر والاسترجال يمثل خطورة على المجتمع لأنه يعتمد على العنف والتعامل بقسوة مع كل المحيطين مثل الزملاء والمعلمين وفي أحيان أخرى يصل الأذى للوالدين فكما يقول المثل العربي: يداك أوكتا وفوك نفخ، فما نعلمه للأبناء سيعود إلينا سواء كان سلبا أو إيجابا، ومن أجل الحد من الظاهرة يجب على الأسرة أن تشعر أبنائها بالأمان وتحيطهم بالرعاية والعناية وتعودهم على أن المجتمع كالجسد الواحد، وعلى مؤسسات المجتمع المدني دور كبير للحد من الظاهرة خاصة دور السبلة العمانية.
وبحسب وجهة نظره، يرى عبدالله بن حمد بن سيف العبري أنّ المجتمع العماني بفضل الله سبحانه وتعالى يكاد يكون خاليا من هذه الظاهرة وأرجع هذه التصرفات إلى أن بعض الإناث يعانين من تفضيل عائلاتهم للأشقاء الذكور، كما أن لها أسباب اجتماعية أخرى نتيجة الموروث الاجتماعي الذي كان ينظر إلى الأنثى نظرة متدنية ويركز حالة التمييز بين الذكر والأنثى بالشكل الذي يعطي للولد الذكر الحرية المطلقة والتقدير الكامل مما ينعكس على رؤية البنت لذاتها فهي تسعى لتعويض تلك الحالة بالميل إلى السلوك الذكوري سواء في طريقة الكلام أو الحركات أو الملابس، كما أن هناك أسباب أسرية مثل انشغال الوالدين عن التربية وعدم توفير الأجواء التي تجعل الفتاة تفرح بأنوثتها كما أن الأم المتسلطة قد تكون سببا في تفضيل البنت للسلوك الذكوري، وكذلك تدليل الفتاه قد يأتي بنفس النتيجة، فضلا عن تأثر الفتاة في حال كانت وحيدة بين أشقاء ذكور.

وقال العبري إن الحل المواجهة الظاهرة يحتاج إلى بعض الوقت ولابد أن تولي الأسرة عناية بمهام التربية ومتابعة شئون الأبناء بشكل واضح والعمل على توفير حالة من الاعتزاز بالأنوثة وهو ما قد يكون مطلوبا بالدرجة الأولى من جانب الأم.

وقالت المعملة نبيلة الزدجالية إنّه لابد من الحذر من انتشار هذه الظاهرة الناتجة عن سوء الحالة النفسية للأبناء انعكاسًا لفشل الجهود التربوية التي تبذلها الأسرة. وقد يكون الطفل المتنمر تعرض للضرب والقهر الأسرى مما يدفعه إلى تفريغ شحنته في هذا السلوك الخاطيء، إلى جانب التقليد الأعمى لغيرهم من المتنمرين. ومن أجل الحد من هذه الظاهرة، لابد من الإنصات للأبناء كما يجب على المدرسة التركيز على هذه الفئة وتفرقة المجموعة المتنمرة لزعزعة القوة التي تستند إليها شلة المتنمرين، ومن ثم استغلال طاقة المتنمرين في أنشطة مدرسية مفيدة.

تعليق عبر الفيس بوك