التكنولوجيا من زاوية أخـرى

سلطـان السعـدي

اتّفق مع من يرى بأن وسائل التكنولوجيا هي أدوات إختصرت علينا الكثير من المسافات ووفرت علينا الوقت والجهد في سبيل تحقيق المنافع والمصالح، هيأها الإنسان وسخّرها من أجل خدمته، ولكن في الوقت نفسه نجد هناك الكثير من الأفراد من يسيء استخدامها وتوظيفها، حيث نرى الكثير من السلوكيات التي خلفتها تلك الوسائل باتت تؤرق المجتمع والأسر وتدفع بهم معاً للبحث عن الأسباب التي من خلالها فقد الأبناء بعض القيم والمبادئ والسلوكيات القيمة المُكتسبة من البيئة الاجتماعية كالعادات والتقاليد وغيرها من أنماط العيش المعتادة والمُتعارف عليها والتي يسعى المربّون إلى نقلها وتمكينها وغرسها في النشء.

إنّ بعض وسائل التكنولوجيا أصبحت سلاحاً مدمراً يتم من خلاله زعزعت التكوين السلوكي عند الأبناء وتمرير الظواهر السلبية والمُمارسات الضارة التي تعمل على تفكيك المجتمع أو استهداف فئاته التي يعتمد عليها في عملية بنائه وتقدمه.

لقد أخذت وسائل التكنولوجيا (الأجهزة اللوحية على سبيل المثال) حيزاً كبيراً من وقت الأبناء وأصبحوا لا يدركون مدى خطورتها على الجانب النفسي والصحي والاجتماعي فهم مُنهمكون ومُنعزلون في التصفح عبر مواقع الإنترنت هذه المواقع التي أصبحت بوابة لتلقين هؤلاء الفتية الآداب والأخلاق والمُمارسات التي قد تودي بهم إلى ما يحمد عقباه، فهم بمنأى عن أفراد أسرهم رغم أنّهم يعيشون تحت سقف واحد، لا يعون مدى أهمية الاختلاط المُباشر والفوائد الاجتماعية والصحية الجمّة التي قد تُتحقق بمجرد جلوسهم مع والديهم وبقية أفراد عائلتهم، لقد أكدَّت نتائج الدراسات والبحوث الاجتماعية التي تتعلق بالجانب الاجتماعي وسلوكيات الأشخاص مدى أهمية الاختلاط المُباشر بين الأفراد، حيث أثبتت دراسة أمريكية أجريت في جامعة (بونغ برمنغهام) أن قضاء وقت سعيد مع الأهل والأصدقاء يُقلل من خطر الموت المُبكر بنسبة 50%، فالعزلة الاجتماعية التي باتت واضحة على سلوكيات الأبناء لها تأثير سلبي وحتمي على حياتهم ومستوى تعليمهم وعلى إنتاجهم العملي وعلى حياتهم الخاصة في المراحل القادمة إذا ما تمّ أخذ التدابير المُناسبة والمُلائمة في هذا الخصوص.

إنّ غياب السلطة الأبوية في بعض الأحيان قد يُمكّن الأبناء من الدخول في عالم التكنولوجيا الذي يعكس عليهم الكثير من الجوانب السلبية ويؤثر تأثيرًا واضحاً على النمو النفسي والعقلي والاجتماعي، وقد شغل ذلك علماء الإجرام فهم يقرّون بأنّ قلة الرعاية الاجتماعية وقلة التوجيه والرقابة قد يتسبب في ظهور الأنماط الإجرامية مثل السرقة والمخدرات وغيرها من الظواهر الاجتماعية الضارة. حيث أكدت دراسة أجرتها منظمة "أنقذوا الأطفال" العالمية والتي أجرتها على معلمي المرحلة الابتدائية في بريطانيا لتعرف من خلالها على المشكلات التي يُعاني منها الأطفال جراء استخدامهم المفرط لتلك الوسائل الإلكترونية فتبيّن أنها خلقت جيلاً من الأطفال يُعاني الوحدة وعدم القدرة على تكوين صداقات اجتماعية وجاءت نتائج هذه الدراسة مؤكدةً أنّ هناك تأثيرات سلبية واضحة على مهارات الأطفال اجتماعيًا.

إنّ الصراعات والخلافات التي تكتسي أجواء بعض الأسر ما هي إلا نتيجة لعدم وجود طريقة مثالية في التربية وأسسها، فقد يزعم بعض الآباء أن من واجبه توفير كافة الأجهزة الإلكترونية التي يحتاجها أبناؤه أو أنّه لزم عليه توفير تلك المتطلبات بناءً على وجودها مع أبناء الأقرباء والجيران دون المعرفة والإلمام بضرورتها والهدف من استخدامها وما هي النتائج المترتبة عليها إذا تمّ استخدامها خارج الأغراض التي وجدت من خلالها، فتظهر هناك الكثير من الاتجاهات النفسية والاجتماعية على الأبناء والتي لا يقبلها المُجتمع بشكل عام بمجرد دخولهم في عالم التكنولوجيا الشائك واستخدامهم اللا أخلاقي لها محبذين الانزواء والانفراد.

جاءت نتائج دراسة أخرى يتعلّق مضمونها بهذا الجانب أجراها الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد وفي مُقابلة مع أحد الشباب حيث وجه له سؤال عن مدى أهمية وسائل التكنولوجيا في حياته فأجاب: لا أريد أن ألقي اللوم على أحد ولكني للأسف لم أتلق تربية سليمة منذ صغري، فتربيتي وثقافتي تلقيتها من التلفاز وقنواته الفضائية ووسائل التكنولوجيا الأخرى واليوم يلومني أهلي على تصرفاتي المؤذية لمشاعرهم ومشاعر الآخرين ولم يسألوا أنفسهم أولاً عن أسباب تصرفاتي السيئة. فالتكنولوجيا رغم خدماتها إلا أنّها سلاح مدمر إذا ما أسيء استخدامه.

نشهد اليوم تقلبات كثيرة في هذا العالم الذي أصبح قريباً جداً من بعضه، ومن السهل انتقال الظواهر السلبية من مجتمع لآخر كون هناك الكثير من الوسائل التي أصبحت مُتاحة ومتوفرة بما فيها تلك الأدوات التكنولوجية التي تعتبر محطة عبور يتم من خلالها نقل كافة السياسات التي تستهدف زرع مبادئ وقيم وأفكار دخيلة لا تنتمي إلى واقعنا وإلى رؤانا ومنطلقاتنا الفكرية الجليلة.

علينا العمل من أجل إيجاد مُعالجات تحدّ من هذه المشكلة الاجتماعية التي إذا ما تفاقمت سوف تحدث آثاراً اجتماعية يُعاني منها الفرد والأسرة والمجتمع، ومن الضروري تفعيل دور الإعلام في هذا الجانب، والدور ذاته موجه إلى المؤسسات الاجتماعية الأخرى "مدارس ـ مساجد ـ جامعات ـ السبلة العُمانية ـ حلقات النقاش الأسرية".

sultansalim2@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك