قوة المعرفة

ماجد بن إبراهيم الوهيبي

يتفاوت الناس في تقديرهم واهتمامهم بالمعرفة وتركيزهم عليها، وينقسم الناس إلى شرائح في المجتمع حسب درجة إدراكهم ووعيهم بدور المعرفة في إحداث التغيير إلى الأفضل في حياة الأفراد والمجتمعات.

وإذا نظرت إلى مصادر المعرفة في وقتنا الراهن تجدها كثيرة ووفيرة ومنابعها متعددة، وبالسهولة بمكان الوصول إليها والحصول عليها وتناولها وهذه الوفرة بحد ذاتها تساهم في تسهيل مهمة الباحث والراغب في التميز والإبداع والعطاء والإنتاجية.

ومما لاشك فيه فالمعرفة تلعب دورًا فاعلا في صقل شخصيّة الفرد من حيث مستوى الفكر وغزارة المعلومات الخام التي يستخدمها في التخطيط والإبداع والقيادة والتوجيه وتجعله مرجعًا في كل مناحي التنمية ومصدرًا للحلول التي يصعب على الآخرين إيجادها لمشاكلهم وقضاياهم ومعضلاتهم ومشاريعهم وما شابه ذلك.

القارئ المطلع والباحث عن المعرفة هو الذي تراه يرتقي في بيئته ويساهم في رقيها وهو الذي يجد له مكانًا دائمًا وسط النخبة المنتجة ويشار إليه بالبنان والواقع الذي نعايشه ونشاهد فيه أولئك الذين لهم اليد الطولى في النهضة الفكرية والعلمية والصناعية والاجتماعية ما هم إلا نتاج نهلهم من عيون المعرفة وتزودهم الدائم من غزارة عطاءها.

المجتمعات لا ترتقي ولا تتقدم إلا إذا جعلت المعرفة أساس البناء فيها وسلاح كل راغب في البناء الحقيقي والفاعل للأمة ومنافسة الآخرين من أجل التميز والتفرد بالعطاء الأكثر تأثيرا في مسيرة الرقي والتقدم. جميع المجتمعات المتقدمة لم تصل لما وصلت إليه إلا بفعل قوة المعرفة التي بيد أبنائها في شتى مجالات الحياة فمنذ نعومة أظافرهم وهم يتلقونها وعبر مراحل عمرهم بكل شغف ورغبة وبتشجيع كبير وكثير ومتواصل من والديهم والمدرسة والمجتمع والإعلام وكبار مفكريهم.

ولابد أن تعطى أهمية كبيرة للبحوث والباحثين وتشجيعهم على مواصلة الإطلاع واكتساب المعرفة اللازمة لتقديم ما يسهم بشكل فاعل وجذري في النهوض ببلادهم في قطاعات إنتاجية مختلفة.

إنّ الدول التي أعطت اهتمامًا بالغًا بالباحثين ودعمهم من أجل تقديم بحوث أكثر تأثيرًا وإيمانها بأنّ البحوث هي أحد أهم ركائز جمع وتصنيف المعرفة المكتسبة صارت في مقدمة الركب وأعطت للبشرية نتاجًا ذا جودة وكفاءة وفاعلية.

جميع من قدّم للبشرية عطاءات عبر التاريخ كان البحث عن المعرفة واكتسابها واستخدامها هو الشغل الشاغل لهم ويقدمون من أجلها الغالي والنفيس ويسعون من أجلها مهما بلغت التضحيات والعقبات.

من هذا المنطلق يجب توفير المعرفة للنشء بالطريقة السهلة والمحببة وجذبهم إليها بشتى الوسائل حتى نتمكن من إيجاد أجيال أوفر إنتاجية وعطاء ومساهمة في عجلة التنمية في البلاد. يتحتم على القائمين على العملية التعليمية من معلمين وموجهين وتربويين أن يجدوا ويفعلوا الوسائل المختلفة الكفيلة بتوفير مصادر المعرفة للطلاب وتوجيههم ليس أثناء اليوم الدراسي بل في بقية الأوقات.

ومقولة دائما أسمعها وأحب ترديدها هي أنّ القائد أينما كان لابد أن يكون قارئا شغوفا نهما باحثا عن المعرفة ومستخدما لها في موقع عمله، وبالطبع سينعكس ذلك إيجابا على من يقودهم وبذلك يظهر الإبداع ويزداد العطاء وتتوالى الإنجازات الرائعة.

كل من ترونه حولكم متميز عنكم فهو من المؤكد لديه فكر أوسع ودراية أفضل بالمجال الذي أبدع فيه بكثرة إطلاعه وقراءته ومعرفته بتفاصيل أكثر دقة وشمولية وأهمية. ولا يقتصر طلب المعرفة وزيادتها على فئة دون أخرى بل الجميع بحاجة إليها كل حسب مجاله و تخصصه. ويجعل كل صاحب مهنة أو حرفة أو وظيفة نصب عينية الترقي في مجاله باستمرار من خلال الدورات التدريبيّة القصيرة والطويلة ومن خلال المحاضرات المجانية والندوات ومن خلال الكتب والمجلات والجرائد والشبكة العنكبوتية العالمية ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى.

ولو حرص كل واحد منّا على استغلال جزء من برنامجه اليومي في القراءة والإطلاع لأصبحت لديه عادة طوال عمره خاصة إذا حرص عليها خلال 21 يومًا متواصلة وسيجد الفرق من خلال تطور ملحوظ في مستواه المعرفي والفكري، ومما لاشك فيه أنّ بداخل كل واحد منّا رغبة جامحة وطموحة في التغيير والانطلاق إلى آفاق أعلى وأرحب بما يضمن له تحقيق أهدافه ورغباته التي يتوق إليها.

المعرفة لها تأثير إيجابي على حياة الإنسان في جميع نواحي حياته وأنشطته وتصرفاته وتعاملاته، حيث تكون طريقة كلامه ولغته وأسلوبه في التحدث مع الآخرين أكثر رقيا، وكذلك ملبسه ومأكله وتعامله مع الآخرين وكيفية قضاء وقته وإنجازاته اليومية وكيفية إستغلال الفرص، وبشكل عام تساهم المعرفة في صقل شخصية الفرد وتميزها بالإيجابية.

المخرجات التي أدت إلى وفرة في الإنتاجية وتميز في الجودة كانت بسبب قوة المعرفة وتأثيرها الواضح على ذلك بل تتزايد المعرفة نموًا من فترة لأخرى بسبب كفاءة مراكز البحوث وتنافس الباحثين في الحصول على المزيد من المعلومات اللازمة للنهوض بجميع القطاعات الإنتاجية.

يجب أن نحرص على تنمية وتطوير مستوى المعرفة لدينا حتى نتمكّن من تحسين أوضاعنا المادية والاجتماعية وتجعل التواصل بين أفراد المجتمع أكثر فاعلية وكفاءة. ولابد أيضا أن نبتعد عن الأنانية وحب الذات وأن ننشر المعرفة ونتبادلها ونشجع عليها حتى يرقى المجتمع بمساهمة أصحاب الفكر والمعرفة فيه.

العمل الجماعي الهادف لترسيخ المعرفة وإظهار قوتها للجميع هو الطريق الوحيد للتفعيل الحقيقي وضمان الاستمرارية. فلنشمر عن سواعد الجد حتى نعيش الحضارة بأروع صورها ويفخر بها الجميع.

Healthnwealth.majid@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك