مهنة الإرشاد السياحي .. يخترقها الأجانب

د.عبد الله عبد الرزاق باحجاج

هل يحظر القانون على الأجانب ممارسة مهنة الإرشاد السياحي في بلادنا؟ تبادر إلى ذهني هذا التساؤل منذ الوهلة الأولى التي رأينا فيها وافداً من جنسية عربية يُمارس مهنة الإرشاد السياحي، كنت شاهد عيان على هذه الواقعة التي حدثت يوم الخميس الماضي في أحد فنادق صلالة الجديدة، ولما طرحت هذه القضية في صفحتي على الفيس بوك، كشف لنا العديد من المتفاعلين عن وجود أجانب من جنسيات آسيوية يمارسون كذلك هذه المهنة، فيما أوضح آخر، أنّه ترك هذه المهنة بسبب سيطرة الوافدين عليها، موضحاً أنّ هناك عدة شكاوى لم يُتخذ فيها الإجراء اللازم .. ومهما يكون من مدى دقة أو حتى صدقية هذه الروايات، فإنّ الواقعة التي اطلعت عليها، تُعطينا مؤشر بأنها ليست الوحيدة، ولن تكون كذلك، وجرأة ممارسة المهنة وبصورة علانية، تعطينا كذلك مؤشراً على عدم وجود قانون حتى لو كان موجودًا، إذن، كيف ينبغي أن ننظر لمهنة الإرشاد السياحي؟

من خلال واقعتنا، فإننا نرى أنّ المرشد السياحي ليس وسيلة إعلامية متحركة فقط، وإنما كذلك سياسية ؟ من هنا، فإنّه لا ينبغي أن تُسلم للوافدين أبدًا، ولابد من تشديد وتغليظ القانون بمواد رادعة، والحرص على تطبيقها بصورة واضحة، فالمرشد الأجنبي في موقع الوسيلتين لا يمكن الحديث عن إيجابيات وإنما كلها سلبيات، فهو لن يساعد السياح على نجاح جولاتهم السياحية لفقره في المعلومات السياحية والحقائق التاريخية لبلادنا، ولجهله كذلك بالأبعاد والخلفيات السياسية لشأننا الداخلي وتقاطع الخارج الإقليمي معه، وهذا ما شهدناه في عين المكان، عندما تعرض المرشد السياحي"الوافد" لتساؤلات سياحية ذات حمولة سياسية ثقيلة، لم يوفق في الرد عليها أبدًا، وتساؤلات سياسية أخرى من الوزن الثقيل، لجأ إلى الإجابة عليها بعدم المعرفة، وتلكم التساؤلات قد يكون دافعها شخصياً من السياح، لكنها تعكس لنا البعد السياسي لهم وخلفياتهم العميقة، ومعرفتهم المسبقة عن شأننا الداخلي، وهذا يُدلل على ضرورة أن تولي الدولة مهمة الإرشاد السياحي جل الاهتمام، حتى يساهم المرشد في البناء وليس الهدم، وحتى يعطي المعلومة الصحيحة وليس الخاطئة، وحتى يساهم في تصحيح وتفنيد مزاعم الآخرين في حقوق بلادنا التاريخية، لكن، هل المرشد العُماني مؤهل لممارسة هذه المهنة في ظل تلك التحديات والصعاب؟ وكم عدد المُرشدين في كل محافظة؟ التساؤل يدخلنا في قضية أخرى مهمة جدًا، وهي قضية كفاءة المرشد وقضايا التكوين والتأهيل، وإعطائه الحق في الممارسة، وهنا، علينا ترجيح مسار التخصص وحصريته بدلاً من جعل هذه المهنة مفتوحة لكل من يمتلك أدوات الثقافة واللغة، فصناعة المرشد قد أصبحت ضرورة عاجلة في ضوء ما سلف ذكره، وكم من سائح يُبدي استغرابه من المُرشدين الوافدين، ويتساءلون عن غياب أهل البلد؟؟ وهنا نقترح إنشاء رابطة محلية للمرشدين السياحيين في كل محافظة من المحافظات يستعان بهم أثناء السياحة الشتوية على وجه الخصوص، بعد إعادة تأهليهم في إحدى كليات السياحة، ولماذا هذا النوع من السياحة تحديداً؟ لأنها تأتي في مجموعات سياحية منظمة ومنتظمة، وتستعين بالمرشدين، ولأنّها تأتي بهدفين أساسيين الاستمتاع بالمكان وجمالياته بأمنه واستقراره، واستكشاف خلفياته التاريخية، ولن نقصي البعد السياسي كذلك، لذلك فقد أصبح هذا النوع من السياحة يفرض نفسه من حيث أعداد السياح الكبيرة والمتصاعدة، ومن حيث تعدد وسائل سفرهم، جوًا، حيث الرحلات الأوروبية المباشرة لظفار، أو بحراً، حيث السفن السياحية العملاقة التي تتخذ من ميناء صلالة وجهة سياحية شتوية دائمة حاملة على متن كل واحدة منها الآلاف من السياح الأوروبيين، وكل من يتابع هذه الأيام الحركة السياحية الشتوية لظفار، سوف يستوقفه وصول نسبة الإشغال إلى مائة بالمائة بفنادق خمس وأربع نجوم، وهذه الحركة السياحية المتصاعدة قد أصبحت تجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية لقطاع السياحة الإقليمية، حيث ينتظر ولاية مرباط وتحديدًا جزرها وخلجانها الرائعة نهضة سياحية واعدة، فمن المقرر إقامة مجموعة فنادق فيها بمرافقها الترفيهية المختلفة، بعضها معلنة والأخرى غير معلنة، وقد أطلعنا على عدة مشاريع سياحية في تلك المنطقة، سوف تضيف نقلة نوعية وكمية للسياحة في بلادنا عامة وظفار خاصة، فهل تستعد مرباط لهذه النهضة السياحية؟ هذا التساؤل بدوره يفتح قضية إعادة تخطيط مدينة مرباط التاريخية، وقضية تحويل أحيائها إلى مقاهٍ ومطاعم ومزارات سياحية .. لتدعيم تنامي القطاع الفندقي فيها - وهذا أمر يحتاج إلى مقال لوحده- وكل ما سبق، يُدلل على أهمية صناعة مرشدين سياحيين في كل محافظة من محافظات البلاد، فكونهم وسائل إعلامية وسياسية متحركة لابد من صناعتهم، وكونهم يمثلون الإنسان العماني وواجهة البلاد، لابد أن تتأكد الدولة من توافر كل مقومات صناعتهم، فالقضية تتجاوز الآن قضية منع الوافدين منعاً مغلظاً ومشدداً، لتدخلنا في إعادة تأهيل المرشدين وتخصيص مقاعد جامعية سنوية لكل محافظة لضخ كفاءات متخصصة في قطاع السياحة الذي يعد أحد أهم المصادر التي يعول عليها لكي تكون بديلة للنفط خلال المدى المتوسط .

تعليق عبر الفيس بوك