ليتك كنت معنا يا شيخ..

زينب بنت محمد الغريبية

في طريق عودتي من العمل يوم الخميس، كانت الشوارع مكتظة وحركة السيارات بطيئة، وزخات المطر تذهب وتجيء، حاملة معها رائحة المطر التي تنعش القلب في بيئتنا التي تنتظر المطر بكل شغف وشوق، كان المطرُ يُغيِّر طعم الازدحام المُّر، الذي نتجرعه كل خميس في طريق عودتنا للمنزل، وما يزيد ذاك الطعم مرارة منظر السيارات التي يعتبر سائقوها أنفسهم "فهلويين" أي أنّهم يستطيعون أن يخلصوا أنفسهم من جزء من وقت الانتظار، بالالتفاف على طابور السيارات من اليمين تارة، ومن اليسار تارة أخرى، ويرغمون قائدي السيارات على أن يفتحوا لهم المجال للحركة وإلا فإنّهم سيصطدمون بهم؛ فهم لا يبالون.

من الصُّدف الغريبة أنّي أضع المذياع على قناة القرآن الكريم، وبها برنامج تناول دقائق أمور في إيذاء الآخرين، وحجم الذنب الذي يلحق بالشخص نتيجة هذه الأذية، ذكر الشيخ المُقدم للبرنامج أمورًا صغيرة قد لا نشعر بها واعتبرها أذية للآخرين، فكيف لو شاهد ما كنّا به من وضع الطريق؟.

تكلم الشيخ عن أشكال قد لا نشعر بها في حياتنا اليومية، فعندما تلعب مع طفل صغير بنية مداعبته والضحك معه، وتقوم بحركات بأجزاء وجهك، قد يتخيلها الطفل أثناء منامه بأشكال مُخيفة، وقد ثبت أنّ كثيراً من الأطفال يقومون باسترجاع تلك الحركات لتُفزعهم في منامهم ويبكون ليلاً مسببين الإزعاج لأهاليهم، فتكون بذلك آذيت الآخرين وتسببت في تنغيص نومهم وأفزعت الطفل، فأنت مأثوم عليه، وعندما تضرب بوق (هرن) السيارة، في الشارع وسط المنازل قد تزعج شيخًا مريضًا أو شخصًا أتى من عمله متعبًا ويأخذ قسطًا من الراحة دون علمك أو قصدك فأنت مأثوم على ذلك فكان عليك الأخذ بالأسباب.

فهل تورّع النّاس من كسب تلك الآثام على حركات يعتقدون أنّها قد تزيد من سيئاتهم؟ فكيف بمن يتعمد الإيذاء؟ ولا يعتبر لذلك، إنّ ديننا الحنيف لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا فصلها ليكون بذلك فعلاً شريعة حياة لو اتبعها البشر لصلحت حياتهم، فليت الشيخ الذي يُقدم البرنامج كان معنا على الطريق تلك اللحظة ليتكلم عن الموضوع بالواقع الذي سيعيشه، وكيف تكون الأذية المُتعمدة، وليته كان معنا في المؤسسة الحكومية ليرى كيف يشتكي الموظف الصغير من مديره، وكيف يشتكي المستفيدون من الخدمة من سوء ما يُقدم لهم، ومن المعاملة التي يتلقونها، فكيف بمن يقومون عليها متعمدين أذية من يتعاملون معهم؟

فلو نظرنا للمسؤول الذي يقف على أعناق موظفيه يُهمش من يعمل ويُخلص، ويرقِّي من لا يعمل ولا يعي من الأمر شيئاً من أجل ألا يظهر عليه، أو يغير شيئاً من الروتين الذي اعتادوا عليه؛ فلا بد للعمل أن يمشي على الوتيرة التي تجعل منّا مكانك سر، لا تحاول الرقي بالعمل، وإلا فإنّك مغضوب عليك، فقد تهدد بذلك مصالحنا، فأيّ أذية متعمدة تلحق بذلك الموظف المخلص، المحب للعمل والتطوير، وأيُّ أذية تلحق بالمجتمع والدولة من حرمانها من التقدم والرقي، فليت الشيخ مُقدم البرنامج كان معنا حين نرى ونسمع ونتعامل مع كل تلك الأحداث.

وأيُّ إيذاء يلحق بالشخص الذي يقوم بعمل مهم ويحقق به إضافة في مجال ما كتأليف كتاب يثري به حقلاً علميًا ما، ثم يأتي أحد من باب الغيرة أو ما شابه، بانتقاده لغلاف الكتاب أنّه غير جاذب، أو أنّ اختياره لعنوان الكتاب كان غير موفق، أو أنّه كان باستطاعته إخراج الكتاب بشكل أجمل، ليس بعدًا عن النقد البنّاء للارتقاء بالأعمال المُقدمة، ولكن البعض يبحث عن الهدم، ونسف العمل، ومهاجمة المؤلف شخصيًا، برأي خالٍ من الموضوعية، فليت الشيخ المُقدم للبرنامج يعيش وسط هذه الفئة التي تسمي نفسها "النخبة" أو"المثقفين".

جارنا كان يبني في بيته، وفي حدود أرضه التي يملكها، فلم يتوقع أن تأتي البلدية لتوقفه، وكان مستغربًا فقد بنى جاره المُقابل له قبل ذلك ولم توقفه البلدية، فتبين له بعد ذلك ومن الموظفين بالبلدية، أنّ البلدية تتساهل في موضوع الرقابة سيما في البناء داخل الأرض التي يمتلكها الشخص في بيته الشخصي، دون أن يتعدّى على حقوق الآخرين، إلا إذا تمت الشكوى عليه من قبل أحد سيما جيرانه، كونهم تضرروا من بنائه، وفي الحقيقة هم لم يتضرروا إنّما لم يحبوا له الخير، فتعمدوا أذيته، وقد أوقف جارنا المسكين بناءه وتوسعته بسبب شكوى أحد أحب إيذائه متعمدًا، فلو كان الشيخ المقدم للبرنامج حاضرًا مع جارنا ماذا عساه سيقول؟

جالت مخيلتي كثيرًا وأنا أستمع لذلك البرنامج، في مواقف كثيرة مرّت عليّ، لعب فيها الكثيرون دور المؤذي لإخوانهم وأصدقائهم وجيرانهم ومن يعرفونهم ومن لا يعرفونهم أحيانًا، فقد تحدث الشيخ في البرنامج عن مواقف تعتبر أذية دون أن يقصدها الشخص، أو أنّه قد لا يعلم أنّه بذلك يؤذي من حوله، فكيف إن كان الإيذاء متعمدًا، وبمواقف وبكلمات جارحة، على شبكات التواصل الاجتماعي أحياناً من فيسبوك أو تويتر أو أنستجرام أو مجموعات الواتساب العامة، وأحيانًا بتصرفات قد تضر أحياناً بسمعة شخص أو عائلة، وقد تحرج شخصًا في مجلس ما، أو مقلب قد يودي بعلاقة بين أشخاص، أو بقطيعة رحم، ليت هؤلاء يعلمون أن الأذية قد تؤدي إلى ضرر بالآخرين في الحياة الدنيا ولكن الأذية الأكبر تنتظره حيث الميعاد الذي يحتكم في البشر عند رب العباد، حين لا تُغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها..

Zainab_algharibi@yahoo.com

تعليق عبر الفيس بوك