مختصون: خفض القيمة الإيجارية للمباني الحكومية يسهم في ترشيد النفقات.. والسوق يعاني من "اختلال الموازين"

أكدوا أنّ تكلفة الانتقال لموقع آخر أضعاف ما يمكن توفيره من اقتطاع نسبة الـ10%

البوسعيدي: القطاع لن يتأثر بخفض إيجارات المباني الحكومية.. و"الجمعية" مستعدة للتدخل

الإسماعيلي: تقليص مساحات المكاتب الحكومية لتخفيض الإيجار دون الإضرار بالمالك

سنجور: السوق العقاري يتكبّد حاليًا سلبيات غياب التنظيم

الرؤية - أحمد الجهوري

أجمع مُختصون وخبراء عقاريون على أنّ قرار وزارة المالية بخفض القيمة الإيجاريّة للمقرات الحكومية المستأجرة يسهم في دعم خطط الحكومة لترشيد النفقات، لاسيما مع تراجع أسعار النفط وانحسار موارد الدولة، داعين الحكومة وملاك العقارات إلى الوصول إلى "أرضية مشتركة" يمكن من خلالها تفادي أي خسائر للطرفين.

وقالوا إنّ تكلفة انتقال جهة حكومية من موقع لآخر في حالة رفض خفض الإيجار، ستكون أضعاف من يمكن توفيره إذا ما تمّ تخفيض السعر بنحو 10%، مشيرين إلى أنّ تكلفة الأنقال والتأثيث وتوصيل الشبكات وتقسيم المساحات وكذلك أعمال الديكور، كلها ستكبد الجهة الحكوميّة مبالغ طائلة فيما لو لم تخفض القيمة الإيجارية، فضلا عن تعطل أعمال هذه الجهة، إذ أنّ الانتقال يستغرق حتى 3 شهور.

وأكد الخبراء أنّ السوق العقاري بشكل عام يعاني في الوقت الحاضر مما وصفوه بـ"اختلال الموازين"، حيث إنّ قاعدة العرض والطلب لا تجد أي صدى، لاسيما مع زيادة المعروض الحالي من الوحدات العقارية، إلا أن الأسعار لم تشهد أي تراجع، بل ربما ارتفعت في بعض المناطق. وقالوا إنّ القطاع العقاري يتكبد حاليا سلبيات غياب التنظيم التي ناشد بها الكثيرون خلال الفترات الماضية.

وقال سعادة المهندس محمد البوسعيدي رئيس الجمعية العقارية العمانية إنّ القضية ذات شقين، فهناك بعض المباني استأجرتها الحكومة خلال فترة شهدت ارتفاعا في أسعار الإيجارات، والبعض الآخر قد يكون تمّ تأجيره بسعر السوق الطبيعي. وأشار في هذا السياق إلى أنّ السوق العقاري شهد خلال السنوات القليلة الماضية تراجعا في سعر الإيجارات، أو تصحيحًا للاسعار، إذا صح القول. ولفت البوسعيدي إلى أنّ أصحاب المباني باستطاعتهم تخفيض أسعار الإيجارات لاسيما وأنّ هناك كثيرين قادرين على التخفيض بنسبة 10% مع مراعاة سعر السوق. وأضاف أنّ القرار ربما لا يكون عادلا في تطبيقه على الجميع؛ إذ أنّ هناك مستأجرين لمبان لمدة تزيد عن خمس سنوات، وآخرين لمدة عام واحد فقط، لذلك ينبغي أن يراعي القرار مدة العقد ومقارنة السعر القديم مع سعر السوق. وتساءل البوسعيدي عمّا إذا كانت الجهات الحكومية ستضمن الحصول على أسعار أفضل مما هي عليه الآن في حالة البحث عن عقار جديد للاستئجار، مشيرا إلى أن تكلفة نقل جهة حكوميّة من موقع لآخر باهظة، من حيث تجهيز وإعداد المبنى الجديد وتوصيل الأنظمة والشبكات وأعمال التأثيث وغيرها. غير أنّ البوسعيدي أكد أنّ الحكومة في أمس الحاجة إلى مثل هذه الإجراءات من التخفيضات، في ظل تراجع إيرادات الدولة مع هبوط أسعار النفط، مشيرا إلى أهمية ألا تضر الإجراءات المتخذة بالأداء الاقتصادي لمختلف القطاعات، وفي مقدمتها القطاع العقاري. وأوضح أنّه ينبغي تطبيق مثل هذا القرار وفق قاعدة "لا ضرر ولا ضرار"، مشيرا إلى أنّه ليس من مصلحة أصحاب المباني إخلاء عقاراتهم مرة واحدة؛ حيث إنّ معظم الجهات الحكومية تستأجر في العادة المبنى بالكامل.

وأضاف البوسعيدي أنّ الجمعيّة العقارية العمانية ستبحث كيفية تنفيذ القرار إذا ما طلب منها ذلك، مشيرا إلى أنّ الجمعية ستعمل على دراسة القرار والوصول إلى أنسب الآليات لتطبيقها، انطلاقا من أنّ أحد أهم أدوار الجمعية التنسيق بين الأطراف سواء كانوا أعضاء الجمعية أو الطرف الآخر وهو الحكومة في هذه الحالة، على أن يتم العمل وفق قاعدة لا ضرر ولا ضرار. وشدد البوسعيدي على أهميّة اتخاذ الحيطة في تطبيق هذا القرار، إذ أن التداولات العقارية بنهاية عام 2015 بلغت قيمتها 4 مليارات ريال عماني.

تأثر العقارات

وتابع البوسعيدي أنّ القرار سيتسبب في تراجع أسعار العقارات، وهو التراجع الذي سيأتي عقب تراجع حدث بالفعل مع إعلان الميزانيّة العامة للدولة مطلع هذا العام، رغم أنّه لم يكن تراجعًا بالصورة الكبيرة. وأضاف البوسعيدي أنّه من الطبيعي أن يتأثر العقار نظرًا للظروف المحلية والإقليمية والعالمية، حيث إنّ القطاع يشهد تراجعًا أيضا في مختلف دول العالم، لافتا إلى أنّ هناك الكثير من المباني قيد الانشاء، وبعد الانتهاء سيتم إضافة وحدات جديدة إلى السوق قريبا. وبيّن البوسعيدي أنّه في حالة غياب الآلية المناسبة لإدارة هذه العقارات فمن المؤكد أن القطاع سيتأثر لكن ليس بالدرجة الكبيرة التي تهدد وضع السوق. وأوضح أنّ حجم المعروض لا يزال مناسبا ومنسجما مع معدلات الطلب، وفي حالة خروج هيئة حكومية معينة من موقع معين إلى موقع آخر فإنّه سيمثل تنشيطًا للسوق العقاري لأنها في نهاية المطاف ستذهب للإيجار في موقع داخل السلطنة وفي إطار القطاع العقاري العماني نفسه. لذلك يستعبد البوسعيدي تأثر قطاع العقار بمثل هذه الخطوات.

ودعا البوسعيدي إلى إتاحة المعلومات المختلفة حول المشاريع المستقبلية التي تعتزم الجهات الحكومية تنفيذها، حتى يكون المستثمر العقاري على بينة من النمو السكاني المتوقع في منطقة ما وكذلك الحركة التجارية في هذه المنطقة، وبالتالي يحدد المستثمر أين ومتى يشرع في البناء.

دراسة دقيقة

فيما طالب فهد الإسماعيلي الرئيس التنفيذي لشركة تبيان للعقارات بإعادة النظر إلى الموضوع أولا من حيث عملية ترشيد الإنفاق الحكومي وهو السبب وراء القرار محل النقاش، لاسيما مع تراجع أسعار النفط في الوقت الراهن وتأثر إيرادات الميزانية العامة للدولة. وقال إنه على الجانب الآخر يتعين بحث تداعيات القرار على أصحاب العقارات، وهو ما يستدعي التفاوض مع الملاك على تخفيض الإيجار وفق آلية علمية تضمن التقييم الحقيقي للوحدة العقارية المؤجرة، مع الوضع في الاعتبار عدة عوامل منها عدد سنوات الإيجار، والسعر الأولي الذي تم التعاقد عليه، والمستوى الذي بلغه في حالة تطبيق القرار الحكومي الأخير. كما اقترح الإسماعيلي في حالة موافقة المالك على خفض الإيجار، أن تقدم الحكومة في المقابل تسهيلات، منها تقديم دفعة مقدمة من القيمة الإيجارية للمالك، فضلا عن تقديم تسهيلات للمالك في جهات حكومية أخرى.

وأضاف الأسماعيلي: "يجب علينا وضع دراسة دقيقة للسوق؛ حيث إنّ بعض المكاتب في الجهات الحكومية تستحوذ على مساحات كبيرة، وهنا يمكن تقليص المساحة المؤجرة، والاستغناء عن المساحات غير المجدية، ضاربا المثال على ذلك بأنّه في حالة استئجار الجهة الحكوميّة لنحو 1000 متر مربع فيمكن تقليصها إلى 700 متر مربع، وبالتالي خفض القيمة الإيجاريّة دون أن يتسبب ذلك في إلحاق ضرر بالمالك نتيجة خفض القيمة الإيجارية أو فقدان قيمة العقد إذا ما قررت الجهة الحكومية إخلاء المبنى.

وفيما يتعلق باتخاذ قرار الإخلاء، يرى الإسماعيلي أنّه غير مناسب للتطبيق، وإنما تمّ اتخاذه فقط للضغط على المؤجر للتخفيض؛ حيث إنّ قرار الإخلاء مشكلة في حد ذاته. وقال إنّ حسبة بسيطة لفارق المبلغ الذي سوف توفره الجهة الحكومية وهي 10% مع تكلفة الانتقال إلى موقع آخر، سيتضح أنّ تكلفة الانتقال تفوق نسبة التخفيض المزمع تحديدها، حيث إنّ عملية الانتقال ستستغرق أكثر من 3 شهور ولا يوجد مؤجر سينتظر أي مستأجر لأكثر من شهر حتى تتم عملية الانتقال بالكامل، وبذلك سوف تخسر الجهة الحكوميّة إيجار شهرين أو أكثر دون فائدة، كما يجب على المستأجر أن يعيد المبنى الذي استأجره بنفس الصورة التي استلمها، مما سيترتب عليه كذلك صيانة المبنى من جديد وهذه تكلفة أخرى، كما أنّ هناك تكلفة مضاعفة وهي تجهيز المبنى الجديد في حالة الانتقال، من حيث التأثيث وتركيب الديكور تقسيم المساحات وبرمجة الشبكات والأنظمة وغيرها من الإجراءات المكلفة للغاية.

وبين الإسماعيلي أنه يتضح مما سبق أن جدوى الانتقال لن تحقق المرجو، بل ستتسبب في إرباك أداء هذه الجهة الحكوميّة وربما تعطيل أعمالها في حالة الانتقال. وشدد الإسماعيلي على أنّه في المقابل ينبغي على كل جهة حكوميّة مراجعة الأسعار قبل اتخاذ قرار التأجير منذ البداية، والنظر فيما إذا كانت مناسبة وحقيقة تتماشى مع أداء السوق العقاري، وفي حالة قررت الجهة الانتقال إلى مبنى آخر يجب حساب تكلفة الانتقال علاوة على التكلفة المعنوية التي سيتكبدها الموظفون أو المراجعون عند الانتقال، لاسيما من يقطنون خارج محافظة مسقط.

ويرى الإسماعيلي أنّه يمكن الاعتماد على 3 مكاتب عقارية تعمل على تقييم السوق العقاري، وأن تمد الجهات الحكومية باسعار الوحدات العقارية في المواقع المختلفة، وإذا ما كانت تكلفة إيجار وحدة ما عادلة أم أنّها أعلى أو أقل من السوق في وقت توقيع عقد الإيجار.

وأكّد الإسماعيلي أنّ أسعار العقارات لم تشهد أي انخفاضات قوية حتى الآن، لكن من المتوقع أن تسجل السوق تراجعات خلال الفترة المقبلة، لاسيما بعدما تعرف الجميع على تفاصيل الموازنة العامة للدولة، وطبيعة المشروعات التي تعتزم الدولة تنفيذها، مشيرا إلى أنّ التراجع سيطال في البداية المواقع العقارية البعيدة عن مراكز المدن والولايات، وتلك التي تفتقر للخدمات أو لم يتم توصيلها بالكامل إليها، ومن ثمّ سيزحف هذا التراجع على باقي المناطق وتتأثر السوق بشكل عام. ومضى قائلا إنّ قطاع التمويل هو الآخر يسهم بدور بارز في أداء الحركة العقارية، وفي ظل الحديث عن زيادة نسبة فائدة التمويل السكني أو حتى فرض مزيد من القيود عليه، فإنّ القطاع ربما يواجه "كارثة" وستتعرض العقارات لتراجع حاد في الأسعار.

التوجه الصحيح

فيما قال الباحث الاقتصادي الدكتور سعود بن عبدالكريم سنجور إنّ المنشور المالي بشأن تخفيض كلفة إيجارات المباني قد يتسبب في تذبذب السوق العقاري بين خلو المباني من سكانها وارتفاع أسعار الإيجارات وهرولة البعض في استثمار ما لديهم من أموال في القطاع العقاري، على اعتبار أنها من ضمن الاستثمارات الربحية وغير القابلة للخسارة. غير أنّ سنجور يرى أنّ التوجه لتخفيض القيمة الإيجارية للعقارات أيا كان نوعها هو التوجه الصحيح، وذلك لتفادي التضخم الذي يخيم على الأسواق ومكاتب الخدمات العقارية والمضاربة في العملية التأجيرية وكذلك الحال بالنسبة لبائعي العقارات بعد البناء، وهم في كثير منهم وافدون يمارسون هذا النشاط (بناء وبيع الفيلل والعقارات). وأوضح أنّ المنشور المالي دليل على أنّ سوق العقار مقبل على تراجع، مما يعد مكسبًا لفئة من المستأجرين في حاجة إلى مسكن مستأجر بسعر مناسب، وسيحد ذلك من نسبة أرباح تجار العقار ومؤجريها. وتابع سنجور أنّه مع هبوط أسعار النفط يجب أن تشهد قطاعات أخرى تراجعات في أسعار السلع والخدمات، بما في ذلك خدمة توفير مسكن للإيجار أو محل للإيجار، مما يعني أن هناك مد وجزر في العملية التجارية. وأشار إلى أنه بالنظر إلى مسألة العرض والطلب فإنها غير مطبقة في حالة التوفر، بينما مطبقة في حالة الندرة، فحينما ندرت العقارات المتوفرة للإيجار ارتفعت الأسعار، والآن وبعد أن تم بناء كم هائل من المباني وهي الآن خالية من السكان منذ أكثر من سنة أو أكثر، لكن الأسعار لم تنخفض، ما يعني وجود خلل في منظومة العرض والطلب، وفي المقابل يواجه ملاك العقارات أزمة فيما يتعلق بسداد أقساط التمويل العقاري.

وأوضح أنّ جميع الخدمات التنموية مرتبطة بأسعار النفط ولذلك لابد من العمل المشترك في سبيل تخفيض الأسعار بنفس النسبة التي تنخفض بها أسعار النفط، مشيرا إلى أن ترشيد الإنفاق لا ينبغي أن يكون حكرا على الحكومة فقط، بل يتعين على المواطنين القيام بالدور الأبرز في الترشيد. وأشار إلى أن من اقترض لبناء هذه العقارات ويأمل أن يسترد قيمتها ويسدد قرضه عبر الريع المتوقع، قد فشلت حساباته في الوقت الحالي، ودعا إلى أهمية تنفيذ قاعدة العرض والطلب، فليس من المعقول أن يزيد المعروض ويبقى السعر مرتفعًا.

وأكد أنّ التحليل المنطقي يقول إنّ هبوط سعر برميل النفط يجب أن يساهم في هبوط أسعار الحديد والأسمنت وكذلك الأيدي العاملة وجميع الأجور وأسعار المعدات في عملية البناء، ولكن ترك السوق دون ضوابط أو رقابة دفع الجميع إلى التنافس على كعكة العقارات دون تنظيم.

أمّا موسى سليمان صاحب مكتب الفصول الأربعة للعقارات فيرى أنّ قرار وزارة المالية بتخفيض أسعار إيجارات الوزارات الحكومية والهيئات قرار صائب، ويصب في مصلحة البلد، من حيث سعيها إلى ترشيد الإنفاق. وقال: "لعل المتابع للمباني الحكومية وبالتحديد خارج العاصمة مسقط سيجد أن الكثير من المباني التابعة للحكومة معظمها مبانٍ مستأجرة مما يكلف البلد الكثير، وفي الجانب الآخر توجد عقود تمّ إبرامها في الفترة التي كانت فيها الإيجارات أعلى من معدلها الطبيعي، وأصبح من الضروري بمكان أن يتم تصحيح هذه العقود والتي يتم توقيعها لفترة طويلة، ولعل أهم ما في الأمر هو تقليص المساحة المكتبية عند الانتقال إلى موقع جديد، وكلما تقلصت المساحة انخفضت القيمة الإيجارية.

تعليق عبر الفيس بوك