مذياع السُّلطان...!

يوسف البلوشي

دلفتُ إلى معرض "مسيرة من تاريخ عمان الحديث"، في قاعة عُمان سابقا، حاملا شغف العودة بالذكريات إلى رؤية السيارات الخضراء التي كان يجوب بها جلالة السلطان قابوس المعظم -حفظه الله- وتتقدمها الأكياس البيضاء، التي عندما كنا صغارا ونرى المشهد السريالي نُحملق في شاشات التلفاز، تحت صدى الأغاني الوطنية.. أيامها لم نستطع تفسير التفاف المواطنين بالقرب من السيارة الخضراء وهم ينثرون الورود ابتهاجا بمقدم جلالة السلطان، لم نكن نعلم حينها سوى ما يقال لنا من أنَّ السلطان خرج في جولة يجوب فيها ربوع عُمان، فيما يُعرف بقوافل الخير.

زُرتُ المعرض ثلاث مرات، وفي كل مرة أشاهد الصور كأني أراها للوهلة الأولى ، سبعمائة صورة لجلالة السلطان قابوس المعظم -حفظه الله- بمفرداتها الأصيلة في مفهومي الناضج، وبالذكرى البريئة عندما كنت صغيرا حاملا كتب الصباح، ونهتف بالنشيد الوطني في طابور الصباح في المدرسة.

الصورة كانت مُنتقاة بتميُّز ودقة مُعبِّرة بحُقبات مُتباينة وتطوُّرات مشهودة، كلها من عدسة مهندس الصورة السلطانية محمد مصطفى، الذي كنا نشاهده بالتلفاز في تلك القوافل واللقاءات السلطانية وهو يلتقط الصور مُوثِّقا أزهى حقبة لعمان الحديثة.. أشاهد الصور بالمعرض وأنا أحمل في ثنايا ذاكرتي عطر مشاهدة جلالته في ثلاث مواقف واقعية، أقلِّب دفتر ذكرياتي بينها، أستلهم عظمة الذكريات من شخص جلالته ومن عظمة المعرض الذي يحمل صوره الزاهية.

لم يحكمنا سوى السلطان الإنسان الذي شاهدته في زيارته لولايتي صور في العام 97، ومن ثم عندما زار جلالته جامعة السلطان قابوس في العام 2000، وتلتها مشاهدة جلالته في العام 2008 في نفس قاعة المعرض يوم انعقاد مجلس عمان وتشرفت بحضوره.

في كل صورة للسلطان عالم من الحكايات، وقاموس من المعاني، وصور من الزهى، وكثير من الجهد وعظيم التعب.. وقائع تحكي أنَّ ما علا من البُنيان والازدهار لم يأتِ من الرخاء، بل سبقتها قسوة الحياة وركوب الصعاب وخوض المتاعب ليهدي لنا هذا النهوض في باقة مزدهرة من الألوان تحمل اسم عمان الحديثة.

صور مختلفة يجوب فيها جلالته عمان شِبرا شِبرا من الشَّمال إلى الجنوب، بين الوديان والجبال والبحار، وبين ولايات عُمان وسيوحها الفسيحة الرحبة، وفي كل أوقاتها يجوب، ونحن نُغمض أجفاننا وهو يرتحل يبعث الأمان في سديم ليل عمان، يستنير بأضواء سيارته، ويأبى لنا أن تكون الشمعة مصباحا في تعلمنا؛ لتتحول لنا عمان مدارس وصروحا شامخة حديثة، مضاءة بنور العلم والإيمان ووسائل الحداثة، يدرس فيها أكثر من نصف مليون طالب في 1077 مدرسة حكومية، بعد أن كانت 3 مدارس، وصورة أخرى يتمحَّص في خريطة عمان وطرقاتها القديمة لتتفجَّر شبكة طرقات حديثة عاتية تربط عمان بعضها ببعض.

وهناك في صورة بالأبيض والأسود يجلس جلالته في خيمة صغيرة بإحدى جولاته بجانبه المذياع ومستلزمات استراحته بعد عناء التجوال، ويجلس عفويا ليستريح ويريح من معه ليواصل رحلة المشقة في بناء عمان، كان في ترحالة بين عمان وطنا وشعبا يسكن الخيمة ويستمع للمذياع لتكون عمان متصلة بالعالم الآخر تعرف ما يدور فيها.. وسائل بسيطة جدا في أيامها، حمل منها عمان إلى فضاء السماوات المفتوحة، اسما يشع السلام والأمان.

كل الصور جمعت ماضي عمان وحاضرها في مشاهد بدأت بقسوة الحياة وصعوبتها، ليحولها مولانا المعظم وطنا يجمع المواطنين والوافدين تحت سمو القيم وعظمة التسامح وهيبة الأمان وشموخ البناء.. فهنيئا لنا بك قائدا، وحفظك الله لنا ومتعك بالصحة والعافيه... إنه سميع مجيب الدعاء.

* عضو مجلس إدارة جمعية الصحفيين العمانية

usf202@yahoo.com

تعليق عبر الفيس بوك