الجيل الرقمي

سيف بن سالم المعمري

saif5900@gmail.com

حينما كنت طالبًا في الصف الثاني الثانوي (الحادي عشر حاليًا) في مدرسة فلاح بن محسن النبهاني الثانوية بمنطقة مقنيات بولاية عبري في العام الدراسي 1998/1999م تبنت إدارة المدرسة مشروع إدخال جهاز الحاسوب لتنظيم العمل الإداري وإخراجه بشكل إلكتروني بدلاً من الطريقة التقليدية في الكتابة باليد على الورق، وكان مشروع شراء جهاز حاسوب واحد يُكلف ما يقرب من سبعمائة ريال عُماني آنذاك- حسب كلام الإدارة - وطلبت الإدارة من مُربي كل صف (المعلم المشرف على الصف) أن يلزم كل طالب في صفه بدفع مبلغ ريال واحد فقط، وكان في حينها عدد طلاب المدرسة ما يربو على سبعمائة طالب أو يزيد قليلاً، ولكي تقنع إدارة المدرسة أولياء الأمور والطلاب بدفع المبلغ المطلوب كانت حجتها الولوج إلى خطوة جديدة تتمثل في التحول من النظام التقليدي في توثيق العمل الإداري إلى العمل الإلكتروني ومن ضمنها طباعة الشهادات الدراسية إلكترونياً للطلاب في نهاية العام الدراسي.

وطلب إدارة المدرسة من أولياء الأمور والطلاب المشاركة في دفع المبالغ المطلوبة لتنفيذ المشروع كان في تلك الفترة غير مستغرب حيث كانت مُعظم المشاريع التربوية كالمظلات والاستراحات وتنظيم الفصول وغيرها قائمة على مشاركة أولياء الأمور والطلاب بدفع المبالغ المالية، وتوقفت بعد أن ضج المجتمع وتذمّر من تلك المطالبات المُتكررة وبالغت المدارس فيها وأصبحت عبأ على الأسرة وبالتالي تمّ توجيه المدارس من قبل وزارة التربية والتعليم بالتوقف نهائياً عن تلك المطالبات حتى تغيرت الأوضاع إلى ما هو عليه الآن.

ولكن تبقى الفكرة الوليدة التي جاءت بها المدرسة في التحول من النظام التقليدي إلى النظام الإلكتروني خطوة تحسب لها، بل وفتحت أفقاً جديدًا للمعلمين وكذلك أولياء الأمور والطلاب في التعرف على جهاز الحاسوب وما هو العهد الذي جاء به.

وتخرجت في المدرسة ولم يحالفني الحظ أن أرى ذلك الوليد الجديد الذي دخل مدرستي وكنت أحد المساهمين في دخوله المدرسة، وفي العام 2000 التحقت بكلية التربية بصحار (العلوم التطبيقية حالياً) وشاءت الأقدار أن تكون أول محاضرة لي بالكلية في قاعة الحاسوب وجلس بجواري أحد الزملاء الطلاب وبعد أن تعرفنا على بعض سألني كيف مستواك في الحاسوب؟ لم أجد له إجابة سوى القول: بأنني سمعت عن جهاز الحاسوب في المدرسة، ولكنها المرة الأولى التي أقف أمامه.

.. كانت تلك هي حالنا مع جهاز الحاسوب في تلك الأيام فقد كانت رؤيته تعد حدثًا مهمًا ومن يلج إلى استخدامه في الطباعة يعد شخصاً غير عادي، وبعدها أصبح وجود جهاز حاسوب لدى الأسرة تطورًا نوعيًا حتى انتشرت الأجهزة الحاسوبية بأنواعها المختلفة في كل مكان في البيت والمدرسة والكليات والجامعات والمؤسسات الحكومية والخاصة وأتت مرحلة محو أمية الحاسب الآلي، فتهافت الجميع على تعلمه والحصول على الرخصة الدولية في قيادة الحاسب الآلي ICDL)) ومن ثم IC3)) حتى تغلغل الحاسوب بأجهزته المختلفة في حياتنا ومثلت الأجهزة اللوحية وأجهزة الهواتف النقالة الذكية مرحلة مهمة جدًا حتى أنّه لا يكاد يوجد اليوم متعلم لا يملك أو يحمل واحداً من تلك الأجهزة إن لم تكن جميعها.

وربما كان دخول الحاسوب ومن ثمّ أجهزة الاتصالات المتنقلة في حياتنا يشكل تحديًا كبيرًا نظرًا للكلفة العالية نسبياً لأسعارها في تلك الفترة، ولكن المنافسة الكبيرة بين الشركات المصنعة لتلك الأجهزة والموزعة كان سببا في تدني أسعارها؛ ونظرًا لأهمية الولوج إلى عصر تقنية المعلومات والاتصالات فقد وضعت السلطنة استراتيجية وطنية للتحول المعرفي فيما يعرف بـ "مجتمع عُمان الرقمي" وسخرت الحكومة ممثلة في هيئة تقنية المعلومات إمكانياتها لتحقيق تطلعات المجتمع الجديد وقدمت البرامج والدورات والمبادرات لترسيخ ثقافة التحول الرقمي.

ومع التقدم الملحوظ في المراحل السابقة إلا أنّ تحولنا الرقمي لا يزال بطيئاً جدًا ولا نزال متعلقين بالمعاملات الورقية، كما أننا لم نستثمر الشبكة المعلوماتية (الإنترنت) في تعاملاتنا الرسمية ولا نزال نرجح المراسلات بالفاكس والبريد الورقي على حساب التواصل بالبريد الإلكتروني، فمعظم المؤسسات الحكومية والخاصة تمنح موظفيها بريداً إلكترونياً رسمياً لكن توظيفه في الجانب العملي يكاد يكون ضعيفا جدا، كما كان بالإمكان استثمار الشبكات الداخلية الإلكترونية في كل مؤسسة لتبسيط وتسهيل وسرعة إنجاز المعاملات وأرشفتها.

وفي ظل الأزمة المالية الحالية التي تتأثر بها السلطنة بسبب الانخفاض الحاد في أسعار النفط؛ اتخذت الحكومة عددا من الإجراءات الاحترازية لتخفيف وطأة الأزمة وكان لا بد أن تشمل تلك الإجراءات إعادة النظر في المصروفات بكل مؤسسة ولعل الأدوات المكتبية كالقرطاسيات والأحبار والطابعات وآلات التصوير وغيرها تشكل عبأ مالياً كبيراً وتستنزف الأموال الطائلة، في الوقت الذي كان بالإمكان تقليل الاعتماد عليها بشكل كبير جدًا لو كنا مؤمنين جميعًا بأهمية التحول الرقمي وأثره على حياتنا وإسهاماته في تقليل الكثير من المصروفات.

وللأسف الشديد الكثير منّا يجعل من تدني جودة الاتصالات سببا رئيسيا للحيلولة دون التحول الرقمي، وإن كنّا نعده أحد الأسباب وأهمها لكنه ليس حجر عثرة أمام تعاملاتنا الإلكترونية الأخرى فكلنا يملك أجهزة متنقلة ونستخدم فيها تطبيقات عديدة ونستهلك أوقاتنا في تلك الأجهزة في استخداماتنا الشخصية، لكننا لا نكترث لتوظيفها في العمل الرسمي، لذا على الحكومة في هذه المرحلة أن تعيد النظر في كيفية إدارة تلك الأجهزة والتقنيات، وتحديد جدول زمني للتحول الرقمي فجيلنا الحالي هو جيل رقمي منذ الفطام!.

 

تعليق عبر الفيس بوك