"الفالانتاين" يجدد الخلاف حول مشروعية الاحتفال بـ"يوم الحب".. والشباب يؤكد أهمية الارتقاء بالمشاعر الإنسانية أولا

البعض يرفض المناسبة لمخالفتها "القيم والأعراف".. وآخرون يحثون على إحيائها لنشر المحبة والسلام

همسة يونس: الحب يصنع المعجزات.. والاحتفال به يرتقي بالمشاعر الإنسانية النبيلة

أيمن الغيثي: غياب الحب في أي مجتمع يزيد الصراعات ويعمق الخلافات

الدغيشي: عيد الحب تقليد غربي دخيل على الثقافة العربية والإسلامية

آمنة البلوشية: مخالفات "عيد الحب" منافية للقيم العمانية الأصيلة والضوابط الدينية

هاجر البلوشية: صيغة الاحتفال الحالية تفقد الحب أسمى معانيه

اليحيائية: اختزال الحب في ممارسات مرفوضة انتقاص من المشاعر الإنسانية

السنانية: الحب الحقيقي هو القائم على علاقات مشروعة دون مخالفات

الرؤية - خالد الخوالدي

تباينت آراء الشباب حول الاحتفال بيوم الحب أو ما يسمى "الفالانتاين"، حيث ذهب فريق إلى أنّ هذه المناسبة جيدة كي يحتفل المحبون بعلاقاتهم العاطفية في إطار مشروع وفق تقاليد المجتمع، بينما يرى آخرون أنّه مهما كانت الضوابط فإنّ مجرد الاحتفال بمناسبة لا تمت لعادات المجتمع وقيميه الدينية بصلة أمر "غير جائز".

ويحتفل العالم بيوم الحب في 14 فبراير من كل عام، وفي كل عام تؤجج المناسبة الخلافات بين المعارضين لها والمؤيدين، لكنهم يتفقون على أهميّة الحب في نشر السلام والمحبة بين الناس، ودوره في نبذ الخلافات وتعظيم قيمته الإنسانيّة.

وقالت الشاعرة والإخصائية التربوية والصحفية همسة أحمد يونس (فلسطينية الأصل ومقيمة بدولة الإمارات العربية المتحدة) إنّها تؤكد دومًا أنّ الحب يصنع المعجزات، مشيرة إلى أنها اعتمدت هذه الجملة أساساً لكتابها التربوي قرصة حب". وأوضحت يونس أن البشر بحاجة لإعادة برمجة ذواتهم ومجتمعاتهم وأفكارهم تجاه الحب، مشيرة إلى أنها أسست أسرتها بالحب وربت أطفالها بالحب وعلى الحب، كما أنها لم تقع فريسة الفكرة السائدة في المجتمعات العربية بأن الحب "عيب"، بل اجتهدت لتزيل أتربة الفكر العقيم عن معاني الحب السامية. وأضافت الشاعرة الفلسطينية أنّ الحب حينما يكون في قالبه الصحيح، ومع الإنسان الصحيح، وفي التوقيت الصحيح وحين يكون مبنياً على أسس قوية من الأخلاق والرقي، حينها سيثمر أجمل وأرقى العلاقات. وبيّنت أنه انطلاقاً من هذه الفكرة تكون النظرة إلى "يوم الحب"، إذ يمثل هذا اليوم فرصةً جميلة للتعبير عن المشاعر الدافئة، وأن تسهم الوردة الحمراء التي يقدمها كل حبيب إلى حبيبه في هذا اليوم في تقوية أواصر العلاقات العاطفية وتعميق المشاعر الإنسانية النبيلة القائمة على الحب الحقيقي. لكنّها استدركت في المقابل أنّه ينبغي لا أن يكون هذا اليوم هو اللحظة الوحيدة التي ينتظرها كل طرف للتعبير عن حبه له، فيما يظل الحب ذابلاً في بقية أيام السنة. وأوضحت أنّ فكرة الوردة الحمراء في هذا اليوم تضفي الكثير من الجمال والدفء على العلاقة العاطفية، لكنّها لا تخلق حباً في يوم واحد فقط، وليست قادرة على الاستمرار دون أساس قوي لهذا الحب فيما قبل وبعد هذا اليوم.

مشاعر دافئة

وقالت سميرة البيمانية (مدربة تنمية بشرية) إنّ الحب يمثل تلك المشاعر الإنسانيّة المتدفقة بداخل المرء ترسل الفرحة إلى القلب والبهجة إلى العقل، وتشعر بحلاوتها الحواس، فضلا عمّا يصاحبه من اهتمام ورعاية وحنين وشوق بين طرفي العلاقة. وترى الببيمانية أنّ هذا النوع من العلاقات لا يحتاج إلى يوم للتذكير بها، فمن يحتفل بهذه المشاعر فقط في هذا اليوم لا يدرك في حقيقة الأمر أنّه يحتفل بأي شئ غير الحب، فالحب مشاعر متدفقة على مدار العام وليس ليوم واحد فقط. وتؤكد البيمانية أنّ الحب ينبغي أن يتواصل بين جميع البشر على هذا الكون الفسيح، في كل الأوقات وفي جميع المناسبات، لأنّ الحب هو الذي ينمي في نفوس البشر تلك المشاعر الإيجابيّة التي تحث على العمل والعطاء والتفاني والإخلاص في كل ما يقوم به المرء، لأنّه يفعل ذلك على أساس من الحب.

وقال أيمن بن سعيد بن مبارك الغيثي إنّ الحب كلمة ذات معان عميقة تعكس في ذاتها مشاعر إنسانية تقوم على أساس الاحترام والتضحية والتفاني من أجل الأخر، وهو شعور متبادل، مشيرا إلى أن غياب الحب عن المجتمعات يحولها إلى مجتمع الغابة، فيتزايد التناحر والخلافات وتنتشر الكراهية كالنار في الهشيم. وأكد أن الحب قادر على تحقيق مجتمع متفاهم ومتصالح مع ذاته.

وأضاف الغيثي أن عيد الحب محطة سنوية من محطات الحياة يتوقف عندها المرء لإعادة التذكير بهذه المشاعر النبيلة، لنواصل المسير بعدها بكل إيجابية. وتابع أنه على الرغم من أن فكرة عيد الحب غربية باميتاز، إلا أن بلاد العرب لم تخل يوما من الحب، فكم من شعراء منذ الجاهلية تغنوا بالحب وامتدحوه، بل إن هناك من قتل نفسه في سبيل الحب، ومن رفض الحب من أجل حبيبة لم يستطع الارتباط بها. وتابع أنّه إذا كان الغرب حدد يوماً للحب فالعرب حددوا أياماً وليالٍ، وترى ذلك واضحاً جلياً في الإرث الأدبي الرومانسي من أشعار وقصص وروايات. وعن نظرة المجتمع للحب، قال الغيثي لا شك أنّ المجتمع مؤدلج في كثير من الأمور وهذا الأمر إحدها، ولم يتوقف المجتمع عند هذا الحد، بلا تجاوز ولعل هذه النظرة المجتمعية السلبية نابعة من سوء فهم لرسالة الحب وأعياده وأيامه ولياليه، فيكفي دليلاً للمجتمع لمنعه إنّه غربي، وهنا أيضاً يتدخل الدين بشكل أو بآخر ليضفي مزيجاً من المنع على هذه المناسبة وغيرها القادمة من الغرب.

وتابع الغيثي إنّه لا يرى أي ضرر من الاحتفال بهذه المناسبة الجميلة والاستعداد لها ومعاملتها كباقي المناسبات الجميلة التي تبهج النفس وتدخل السرور على قلب كل من يطرق بابها، وهي مثل مناسباتنا المحلية مثل "القرنقشوه"، ففي النهاية هو يوم يحتفل فيه البعض بنوع من البهجة والسرور.

وردا على مقولة إنّ الحب لا ينبغي أنّ يقتصر على يوم واحد، أكد الغيثي أن الحب لا يحتاج إلى يوم أو شهر أو سنة، فالحب كالموسيقى لغة تفهمها كل شعوب العالم، مستشهدا بما قاله محيي الدين بن عربي في إحدى قصائده: "أدين بدين الحب أنّي توجهت ركائبه فالحب ديني وإيماني". وتابع أنّه يؤيد بقوة الاحتفال بعيد الحب، وأنّه يحتفل به سنويا، داعيا الجميع إلى الاحتفال به وإدخال الفرحة والسرور على نفوس من يحبون.

آراء متناقضة

فيما ذكر محمد بن خميس الدغيشي أنّ هناك العديد من الآراء المتناقضة بشأن الاحتفال بعيد الحب، مشيرًا إلى أنه يرى أنّ الحب لا ينبغي أن يكون ليوم واحد فقط، وأن يعمل كل إنسان على الاحتفال بهذا الحب طوال العام. واستنكر الدغيشي تحويل الاحتفال بمثل هذه المناسبة الجميلة إلى مجون وعدم مراعاة للأعراف الاجتماعية، مطالبًا من يريد الاحتفال بهذا اليوم أن يتحلّى بالقدر الكافي من المسؤولية وعدم تحويل المسألة إلى عكس ما تطمح له المناسبة، من حيث تعظيم قيمة الحب في النفوس وغرس ثقافة التسامح والتآخي بين الجميع.

وأوضح الدغيشي أنّ على إنسان أن يملأ حياته وحياة من يعيش معهم بالحب والمودة، إذ أن ذلك من الأوامر التي دعانا الله إليها، وأن نحيا بالحب في كل وقت انطلاقا من الضوابط الدينية والأعراف الاجتماعيّة.

وترى آمنة بنت سليمان البلوشية أنّ الحب أسمى من ان يتم الاحتفال به في يوم واحد ووفق عادات وتقاليد بعيدة كل البعد عن المعاني السامية لهذا الحب، مشيرة إلى أنّه يتعين على كل فرد في المجتمع أن يعظم الحب في داخله فيحب وطنه وأسرته وزوجته وعمله وأصدقاءه، دون تجاوز للقيم العمانية الأصيلة.

وأضافت البلوشية: "لست مع الاحتفال بالحب ليوم واحد فقط، فالقلب يحتاج إلى الغذاء كما يحتاج الجسم إلى الماء والهواء، فالحب هو أن تحب نفسك وتعيش بسلام مع ذاتك ومن حولك وتنشر هذه الطاقة الإيجابية على أفراد عائلتك وأهلك وأصدقائك وجيرانك ومجتمعك، والحب أن تدرك أن لك ربا حنانا منانا أوجدك من العدم". وتساءلت البلوشية عمّا إذا كان المرء قادر على العيش بلا حب؟ مشيرة إلى أن إنسان اليوم بات فاقدًا للحب، فاذا كان الحب قائمًا بين الناس لما اندلعت الحروب واحتشد الناس في المحاكم يقاضون بعضهم البعض.

وقال أحمد بن سالمين الكمشكي إنّه يرفض "عيد الحب" معتبرا أنه طقس غربي يتنافى مع قيم الإسلام وعادات المجتمع العماني، داعيا الشباب إلى ما سماه عدم التقليد الأعمى للغرب، وأن يتحلى بالقيم والعادات والأخلاق الحميدة.

وقالت هاجر البلوشية إنّ العالم يحتفل بعيد الحب في رمزية لهذه القيمة الإنسانية، لكن يبقى أن يتقيد كل إنسان بالضوابط الدينية والقيم المجتمعية، بعيدا عن اتباع غير المسلمين فيما هو مخالف، مشيرة إلى أن الحب ينبغي أن يكون أسمى من الاحتفال به كفرصة للمجون والمخالفات الأخلاقية.

اختزال الحب

وترفض عزة بنت حمد اليحيائية تشويه الحب واتخاذ يوم له للاحتفال به على الطريقة الغربية، وابتداع ما ليس في ديننا، مشيرة إلى أنّ البعض يختزل الحب في صورة الشعر والأغاني، وغيرهم يختزلونه في وردة حمراء أو احتفال في ملهى ليلي.

وأوضحت اليحيائية أنّ الحب في الإسلام قيمة إيمانية ترتبط بحب الله ورسوله وحب الخلق، داعية الشباب الى التقيد بالقيم الدينية وعدم مخالفة الشرع فيما هو منهي عنه، وأن يحب المرء وطنه وأسرته وأطفاله وعمله بما يرضي الله، دون ابتذال أو ارتكاب مخالفات. واستنكرت اليحيايئية كذلك إسراف البعض في شراء الهدايا والورود في هذه المناسبة، وطالبت من يريد ممارسه الحب بالطريقة التي تروق له لكن وفق القيم الدينية والضوابط الاجتماعية الأخلاقية.

ويرى خالد الرحبي أنّه لا يوجد ما يسمى بـ"عيد الحب"، إذ أنّ الدين لم ينص عليه ولم يرد أنّ العمانيين احتفلوا به فيكون مناسبة مجتمعية وتقليدا تراثيا، لكنه تقليد غربي نابع من الثقافة الغربية المتعارضة في كثير من جوانبها مع الثقافة العربية الإسلامية.

وقالت طاهرة بنت علي السنانية إنّها لا تعتقد أنّ هناك ما يسمى عيد الحب، مشيرة إلى "الفالانتاين" لا يعدو كونه مناسبة ابتدعها أحد القساوسة في القرون الوسطى في أوروبا المسيحية، وهو ما يتعارض مع القيم الإسلامية والتقاليد العربية والعمانية. وترى السنانية أنّ الحب ينبغي أن يكون على أسس صحيحة، ومشاعر إنسانية تستند إلى الاحترام، وأن يكون معبرا عن مشاعر مشروعة بين أطراف علاقات في إطارها الصحيح غير المخالف للأعراف والتشريعات. وتؤكد السنانية أنّ عيد الحب دخيل على المجتمعات الإسلامية والعربية، وهو نابع من ثقافة غربية تتعارض تماما مع قيمنا الأصيلة القائمة على التقيد بالضوابط الدينية.

وتعارض السنانية الاحتفال بعيد الحب، إذ ترى أنّه فرصة لضعاف النفوس ليكون يوما للصخب والمجون، مشيرة إلى أنّ الحب يجب أن يكون منهج حياة وعقيدة وشريعة، وذا مفهوم أشمل وأعم من أن نقنّنه في يوم الحب ونقصره على الحب بين فتاة وشاب لا علاقة مشروعة بينهما، فهناك حب الله ورسوله الكريم وصحابته والتابعين، وهناك حب الزوج لزوجته تحت سقف سنّة هذا الدين ألا وهو رباط المودة وصلة الرحمة، وهناك حب الأبناء والإخوة والوالدين. وترى السنانية أن أي حب خارج هذه العلاقات هو حب زائف ومشاعر واهية.

وتدعو السنانية إلى أن يكون الحب قائما على المودة والتراحم بين البشر وأن ينشر المحبة والسلام في المجتمع.

تعليق عبر الفيس بوك