لم تعد إسرائيل معزولة

زاهر المحروقي

ظلت إسرائيل لسنوات طويلة معزولة عن العالم، إذ استطاعت مصر أن تحاصرها في القارة الإفريقية وكذلك في آسيا، خاصة بعد إنشاء حركة عدم الإنحياز، لأنّ الأمة العربية كانت بخير أو شبه بخير قبل أن تتغير الأمور لتصب في صالح إسرائيل بغياب الدور العربي تماماً عن الساحة ليس في المنطقة فقط، بل اختفى الدور العربي من الساحة العالمية، فانطوت الدول العربية على نفسها لم تحقق أيَّ نجاح على المستوى الداخلي أو العالمي، فيما انطلقت إسرائيل وبنت لنفسها علاقات استراتيجية في البداية مع حلفاء العرب الاستراتيجيين مثل الصين والهند واليونان وإسبانيا، حتى وصل الأمر إلى أن تخترق إسرائيل الأوطان العربية كلها، تحت لافتة مكتوب عليها بالخط العريض "إسرائيل لم تعد جزيرة معزولة وسط بحر عربي".

إنّ أوضح صورة لما وصلت إليه إسرائيل من التغلغل وسط الدول العربية، هو ما كشفه دوري غولد مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية عندما كشف النقاب عن أنّ الدولة العبريّة باتت قادرةً على الاتصال تقريبًا، بكلِّ الدول العربية، بشرط عدم وضع أخبارها على الصفحات الأولى للصحف، وقال خلال كلمة أمام مؤتمر معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي إنّ كلَّ من يتحدث عن أنّ إسرائيل دولة معزولة لا يعرف عمّا يتكلم، لأنّ هناك تغييراً دراماتيكيّاً في العالم العربيّ، شكَّل هذا التغيير شعوراً وإجماعاً بين العرب وإسرائيل على أهمية الاستقرار الإقليمي وأنه "ينبغي أنْ يكون هناك توافق شامل على من هو موجود في خيمة المساهمين بالاستقرار الإقليمي، ومن هو موجود خارجها"؛ وهي إشارة لا يخفى مغزاها بأنّ إسرائيل هي التي تقرر من يدخل تلك الخيمة ومن يخرج منها، وفي البال بالتأكيد إيران؛ فحسب رأي غولد فإنّ لإيران مصالح استراتيجيّة واقتصاديّة ودينيّة بدأت بدفعها قُدماً في العراق بعد انسحاب القوات الأمريكية، وأنّ هدف إيران الرئيسي هو التأكّد من ألا يعود العراق ليصبح قويّاّ بقدر يكفي لتهديدها، كما حدث في عهد صدام حسين. والمفارقة أنّ ما يقوله جولد عن إيران، ينطبق تماماً مع الموقف الإسرائيلي من عراق عروبي وقوي.

ربما فيما كشفته وسائل الإعلام الإسرائيلية عن زيارة سرية قام بها يوفال شطاينتس وزير الاقتصاد الإسرائيلي لدولة الإمارات العربية يندرج في إطار رفع العزلة عن إسرائيل؛ إذ ذكرت القناة الثانية بالتلفزيون العبريّ، أنّ الوزير الإسرائيليّ التقى مجموعة من الشخصيات والجهات الرسمية، وأنّ أبوظبي وعدداً من الدول العربية (المعتدلة) تجمعها مصالح مع إسرائيل مقابل إيران، وتريد إسرائيل الشراكة مع هذه الدول، على حد تعبير القناة.

أما الاختراق الإسرائيلي الأبرز والمعلن فكان عبر لقاء دوري غولد منذ أشهر بالجنرال السعودي السابق أنور عشقي في أمريكا، وهو اللقاء الخامس بينهما حسب قول سمدار بيري، محللة شؤون الشرق الأوسط في صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، كما سبق للأمير تركي الفيصل أن التقى عاموس يدلين رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي السابق، في أكثر من عاصمة غربية.

لم يكن السودان بعيداً عن قطار التسابق إلى إسرائيل، بعد أن دعا 41 عضواً في "لجنة العلاقات الخارجية" في مؤتمر الحوار السوداني الذي أقامته الحكومة السودانية، إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، فيما أكّد بكري حسن صالح النائب الأول للرئيس السوداني، أنّ "السياسة الخارجية للخرطوم ترتكز على تبادل المصالح المشتركة مع الدول"، مطالباً بـ "مواكبة التغيّرات الدولية، وإدارة العمل الدبلوماسي باحترافية، مع الأخذ في الاعتبار التوجهات العامة للبلاد"، وهي العبارة نفسها التي كانت الحكومة السودانية تستخدمها ضد التطبيع مع إسرائيل، أي أنها استخدمت المصطلحات نفسها للشيء وضده، وهي مأساة كبيرة أن تكون توجهات الشعوب العربية بعيدة عن اهتمامات الحكومات، وكأنّ هذه الشعوب ما زالت قاصرة، عليها أن تجد من يفكر عنها ويتخذ القرارات عنها، بل يتعين أن يكون هناك من يحدد لهذه الشعوب ماذا عليها أن تأكل وتشرب وماذا عليها أن تقرأ وتلبس؟ وغير ذلك؛ والمتغيراتُ التي أشار إليها نائب الرئيس السوداني هي رضوخ السودان للمطالب الخليجية بالمشاركة فيما عُرف بعاصفة الحزم مقابل البترودولار الخليجي، فكانت من أولى نتائج هذا الرضوخ قطع العلاقات السودانية مع إيران، التي وقفت مع السودان في وقت تخلى عنه الشقيق والقريب، ولمعرفة ذلك فليس هناك أدل من تصريح فيصل معلا السفير السعودي في الخرطوم، والذي كشف فيه عن مساع تبذلها بلاده حالياً بالتعاون مع دول الخليج، لرفع العقوبات الأمريكية عن السودان، ووصف علاقات بلاده بالسودان بـ"الممتازة والاستراتيجية" في ظلِّ حرص الدولتين ودول الخليج على العمل العربي المشترك، وأكد دعم السعودية لكافة المشاريع التنموية بالسودان، وتقدير العاهل السعودي وحكومة الرياض لمواقف السودان ومشاركته في عاصفة الحزم. والسؤالُ الذي يتبادر إلى الذهن هو لماذا لم تقم مشاريع تنموية عربية في السودان وهي التي تُعرف بأنّها سلة غذاء الوطن العربي؟ ولماذا تُرك السودان وحده في مواجهته لقضية انفصال الجنوب؟ والآن وبعد هذه الوعود التنموية، هل سنرى حلولاً جذرية لإقليم دارفور المهدد بالانفصال؟

الغريب في الأمر السوداني هو أنّ إسرائيل هي التي سعت إلى تشتيت السودان وتقسيمه إلى عدة دول، وكان الواجب يحتِّم أن تتخذ الحكومة السودانية خطوات لتقوية الجبهة الداخلية، بدلاً من طلب ود أمريكا عن طريق مشاركتها في عاصفة الحزم، واعتماد إسرائيلَ طريقاً للوصول إلى الرضا الأمريكي، لأنّه كلما قويت الجبهة الداخلية في أيِّ مكان، كان ذلك كفيلاً بإسقاط كلِّ المؤامرات، وإذا كانت الحكومة السودانية ترغب في رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على السودان، فإنّ طريق تل أبيب لن يكون سالكا بكلِّ سهولة، فهو طريق يحتاج إلى تنازلات كثيرة دون الحصول على المقابل المرجو، عكس من يفرض نفسه على العالم فإنه يجد الاعتراف به، كما حصل مع إيران التي بدأت عهداً جديداً بعد رفع العقوبات الدولية عليها وحصار زاد عن ثلاثة عقود، شهدت فيها إيران نهضة صناعية وعلمية واقتصادية وثقافية ليس لها مثيل، ولم تستجد إيران رضا أمريكا والغرب.

إنّ نجاح صمود إيران وعودتها كقوة اقتصادية وعسكرية في إقليم الشرق الأوسط، قد عجّل بفتح قنوات اتصال بين العرب وإسرائيل، وإن كانت هذه الاتصالات شبه سرية الآن، إلا أنّ الشهور المقبلة كفيلة بأن تكشفها للعلن، وفي النهاية فإنّ السياسات العربية - والخليجية بالذات - مبنية دائماً على رد الفعل وليس على الفعل، لذا فإنّ توافق المصالح العربية مع المصالح الإسرائيلية سيؤدي إلى تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية، لمقابلة عدو تودُّ إسرائيل أن تلجمه وتوقف تطلعاته النووية والصناعية والتكنولوجية هو إيران، أما الدول العربية فعليها أن تنفذ فقط الأجندة المرسومة لها من الخارج، وهو ما خلص إليه نادر الفرجاني أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة عندما كتب: "حاول السعوديون تدمير إيران، تارة من خلال الحرب مباشرة مع العراق، وتارة من خلال الحرب غير المباشرة عبر محاولة تدمير سوريا، وقبلها عام 2006 عبر محاولة تدمير حزب الله لعزل إيران وتقليص دورها الإقليمي في المنطقة، وتارة من خلال دعم وتمويل سياسة العقوبات وشراء عدد من زعماء العالم "الديمقراطي" لحثهم على تعطيل الاتفاق النووي الذي وُقِّع أخيراً".

ليس المؤسف أن تكون إسرائيل غير معزولة الآن؛ بل المؤسف أن تكون هي التي تقود الأمة العربية وسط غياب العرب عن أيِّ تأثير في العالم، رغم كلّ ما حبا الله الأمة العربية من النعم الوفيرة والموقع الجغرافي واللغة الواحدة، ولكن غياب الاهتمام بالإنسان، كان أكبر آفة ابتليت بها الأمة، فكانت كلُّ النكبات تبعاً لتلك الآفة.

تعليق عبر الفيس بوك