صوت الجماهير

المعتصم البوسعيدي

الجماهير نبض كرة القدم، ومصدر قوتها ورمز تفرّدها؛ وعلى هذا حظيت بلقب اللعبة الشعبية الأولى، ولعلَّ أفضل المشاهد الكروية التي تسكن فيها الشفاه لفرط الجمال مشهد الجماهير على المدرجات؛ حيث ألق الحضور، ونغم الصوت، "وتقليعات" وجنون العشق للكيان، تمامًا كما نراه في أندية عريقة تشتهر بجماهيرها التي تتنوع تقاليدها وأعرافها؛ فالجماهير اللاتينية بصخبها ليست كمجاهير أوروبا التي يغلب عليها طابع الهدوء، في حين تشهد آسيا مثالية الجمهور الياباني، وسطوع نجم جماهير الأندية السعودية، وعربيًا يبقى إرث الأهلي والزمالك يفرض نفسه على الزمان والمكان مع سحر "تيفو" أندية المغرب العربي وسط الطقوس "الغريبة" لجماهير إفريقيا.

في السلطنة ندرك تمامًا شغف الكرة بممارسيها ومتابعيها، حتى أن ذاكرة البدايات عبر شاشة التلفاز تجسد لنا اكتظاظ الملاعب الترابية ببياض "الدشداشة" العُمانية كدلالة واضحة على جماهيرية الجلد المنفوخ وتأصيلاً لمبنت هذا الشغف، إلا أن التغير في الحالة الاجتماعية وتعدد الوسائل والوسائط في آن مع ازدهار الكرة في الدول المجاورة والبعيدة وتأخرنا عن الركب على مستوى البينة التحتية وإدارة اللعبة جعل المدرجات شبه فارغة!!

إنّ الرؤية التي وضعها الاتحاد العُماني لكرة القدم منذ اللحظة الأولى (تحويل الكرة العُمانية لصناعة مزدهرة) لا شك أنّها ارتكزت على نقاط قوة ونقاط ضعف، ولست هنا بصدد الحديث عن الرؤية ونجاعتها من عدمه؛ ولكنني أسلط الضوء متوقعًا أنّ الجمهور كان آنذاك نقطة ضعف في هذه الرؤية حتى بدأت شيئاً فشيئا تصبح نقطة قوة في ظل الحراك الذي تشهده الساحة الكروية، ويبدو أنّ التفسير الأقرب - حسب وجهة نظري- ينطوي على حب التمايز المنطلقة شرارته من جماهير نادي صحار التي كانت علامة فارقة في الموسم الماضي رغم خيبات الفريق، ثم إنّها واصلت وضع بصمتها هذا الموسم مما استدعى الغيرة "الحميدة" بين بقية جماهير الأندية، سواء أندية الجوار.. صحم، الخابورة، السويق، المصنعة، وحتى الشباب، أو جماهير العنيد النهضاوي، كما عادت للواجهة جماهير "روي" العريقة والبستان في ثوب الفارس المسقطاوي، وأعتقد -أيضًا- أن الأمر استفز أندية الصفوة في الجنوب والشرقية والملك الفنجاوي، وحسنًا فعل السيد رئيس الإتحاد بتخصيص جائزة لأفضل جمهور خلال جولات دوري عمانتل للمحترفين، علاوة على الحراك الجماهيري الملحوظ لأندية الدرجة الأولى، دون أن نغفل مساهمة الإعلام خاصة بعد النقلة النوعية والهوية الجديدة للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون.

لا صوت يعلو فوق صوت الجماهير، وعلى الاتحاد الاشتغال جيدًا لاستثمار هذا الصوت وتهيئة البيئة الصحية الجاذبة، وجعل المجمعات الرياضيّة أماكن تستقطب المزيد منهم، بابتكار الحلول خاصة مع الوضع الاقتصادي الصعب وأهميّة المرونة في التعامل مع الجماهير، والتكامل مع المؤسسات الإعلاميّة، وعلى الأندية تعزيز الانتماءات وتفعيل الفرق الأهلية والذوبان في الخطط الموضوعة من قبل جمعيات الجماهير المختلفة، ولا شك أن قوة النادي تزداد بقوة جماهيره، في حين يجب على الجماهير التوقف عن الممارسات الخاطئة ومحاولة التقليد في كل شيء، وشخصيًا أتمنى تغيير بعض المسميات التي تطلقها الجماهير على نفسها مثل التماسيح والنمور والفهود بمسميّات تمثل هوية النادي والولاية أو الولايات المنتمي إليها، والجماهير كذلك مطالبة بالتعصب لإنديتها في الإطار الأخلاقي والابتعاد عن العنصرية والخروج عن النص والالتزام بالقانون والحفاظ على المرافق العامة وعليها أن تجعل من عمانيتها مصدرًا للسلوك والمراقبة الذاتية.

تضافر الجهود وتكامليّة العمل والاشتراك في الهم الواحد سيجعل اللعبة أكثر بهاء ونقاء وسيطوّرها ربما من حيث لا تحتسب، والجمهور بهكذا وضع يمثل الهدف والمستهدف والنافع والمنتفع، والكرة بمعادلة الفوز والخسارة تبقى لعبة، إنّما الجمهور يظل صوت الثبات والتحليق إلى آفاق أوسع وأرحب.

تعليق عبر الفيس بوك