سوريا .. وهزيمة المؤامرة

صالح البلوشي

بعد ستة أعوام كاملة من الإرهاب والقتل والتدمير، وبدعم كامل من مختلف القوى العالمية والإقليمية، لم يستطع الإرهاب الدموي الأسود القضاء على سوريا الحضارة والعُروبة والتاريخ، ستة أعوام كاملة استخدم فيها أعداء سوريا مختلف الأسلحة العسكرية والعتاد الحربي ووسائل الإعلام الفضائية والمسموعة والمقروءة من أجل إسقاط الحكومة السورية؛ بهدف نشر الفوضى في هذا البلد العربي الشقيق، ولكن الإرادة الوطنية للجيش العربي السوري ويقظة الشعب السوري استطاعت الصمود الأسطوري في وجه مئات الحركات الإرهابية والعصابات المسلحة التي جَنّدها أعداء سوريا من أجل تكرار السيناريو العراقي والليبي فيها، ولكنها اصطدمت جميعًا بصخرة المقاومة السورية التي استطاعت باستبسالها الفولاذي الدفاع عن هذا البلد وسيادته ووحدته، وإلا لكان مصير سوريا أسوأ من مصير ليبيا - التي تحولت تحت شعار "الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان" إلى ساحة تتقاتل فيها الميليشيات القبلية والمتطرفة - بسبب تركيبتها الإثنية المُعقدة التي تضم مختلف الأديان والمذاهب، التي استطاعت رغم الظروف الصعبة أن تقاوم جميع أشكال التحريض وفتاوى التكفير التي تقوم بها مئات القنوات الفضائية والمؤسسات والشخصيات الدينية الطائفية، من أجل إحداث شرخ طائفي في المجتمع السوري، ولكنها جميعها فشلت لأسباب مُتعددة، منها: طبيعة المجتمع السوري الذي يقوم على التعايش ونبذ الخلافات الطائفية، والوعي الشعبي بحجم المؤامرة التي تُحاك ضد سوريا، إضافة إلى وقوف أصدقاء سوريا معها في هذه الأزمة والتي كان لها دور كبير في إفشال المؤامرة.

عندما اندلعت الأحداث السياسية في سوريا في مارس عام 2011، كانت الشعوب العربية تقف معها، لأنّها كانت ترفع شعارات تطالب بالعدالة والحرية، ولكن مما لفت الانتباه في تلك الفترة، التغطية الإعلامية الواسعة التي حظيت بها هذه الأحداث من بعض القنوات الطائفية المعروفة مثل "صفا" و"وصال"، وظهور بعض الشخصيات "المعارضة" فيها، ثمّ سرعان ما ظهرت شعارات طائفية تطالب بالانتقام من شرائح كبيرة من الشعب السوري (ولا أسميها بالأقليات لأنّها جزء أصيل من الشعب السوري)، ورافق ذلك نشر كثيرٍ من الكتب والفتاوى التي تكفر العلويين والإسماعيليين وغيرهم، وكان أبرز هذه الكتب كتاب "لا تشاور أحدا في قتل العلويين"، وبعد ظهور هذه الشعارات الطائفية والإقصائية، حدث تطور خطير في الأحداث هناك وهو استهداف الجيش السوري وثكناته، وظهور ظاهرة تفجير السيارات المفخخة التي راح ضحيتها مئات المواطنين السوريين، وإطلاق نداءات تطالب بعسكرة الانتفاضة الشعبية، وهذا ما حدث بالفعل بعد فترة قصيرة من انطلاق المظاهرات التي شهدتها بعض المدن السورية، ورغم إدانة بعض شخصيات المعارضة السورية الوطنية لهذه الشعارات وخيار العسكرة، إلا أنها بقيت أصواتًا شاذة لم يعبأ بها أحد، بينما كانت الغلبة للتيارات الإقصائية مثل الأخوان المسلمين وجبهة النصرة والتيارات السلفية.وتدعي "المعارضات" السورية في بياناتها وتصريحاتها من فنادق الخمس نجوم في أوروبا وتركيا أن النظام كان سيسقط لا محالة لولا دفاع "أنصار النظام" عنه الذين يشكلون أقلية في البلاد، ولكن من يتابع الحالة السورية يُدرك تمامًا أنّه لولا الدعم الشعبي الواسع لما استطاع النظام السوري البقاء يوماً واحداً على رأس السلطة في البلاد، فكيف وقد مرّ على الجرح السوري ستة أعوام كاملة؟، فهل تستطيع "أقلية" صغيرة - حسب تعبيرهم- حماية نظام يواجه أشرس القوى العالمية والإقليمية ومئات المنظمات الإرهابية في الداخل؟ ثم، عن أيّ أقليات يتحدث هؤلاء؟ أليست هذه "الأقليات" هم جزء أصيل من الشعب السوري؟ ألا يسأل هؤلاء أنفسهم لماذا وقفت هذه "الأقليات" -بزعمها- مع النظام؟ فهل هناك "أقلية" في العالم يواجه شبابها القتل والذبح على الهوية، ويُهددون كل يوم من التنظيمات الإرهابية بأنّهم سيُذبحون مثل النعاج في حال وصولها إلى السلطة - كما أعلن بذلك صراحة أبو محمد الجولاني في حواره مع قناة الجزيرة مؤخرًا أنّ جماعته "جبهة النصرة" ستخير العلويين والدروز والإسماعيليين بين الإسلام (لأنّهم كفار عند جبهة النصرة وغيرهم) أو القتل - تقبل أن تضع يدها مع هؤلاء الإرهابيين؟ ولماذا؟ حتى تفتك بها!!!. أي منطق يقبل ذلك؟ لو كانت "المعارضات" السورية تملك برنامجًا وطنياً للإصلاح يقوم على التغيير السلمي والدولة المدنية التي تقوم على المواطنة لما ارتابت منها "الأقليات" المذهبية والدينية التي وقفت في الأيام الأولى مع شعار التغيير، إلا أنّها أدركت -مع معظم الشعب السوري- أنّ الأحداث التي تجري والشعارات التي تُرفع لا علاقة لها بالإصلاح أو التغيير؛ وإنما هي كلمة حق يُراد بها باطل، أدرك الشعب السوري ذلك لأنّه رأى بأم عينيه ماذا حدث في العراق وليبيا ومصر تحت عنوان "الإصلاح والتغيير"، حيث رأى شعوبًا تُنتهك حرمتها ويموت شبابها يومياً بالسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة وسط صمت العالم الذي وقف موقف المتفرج لما يحدث لأنّه لا يعنيه شيء ما دام النفط يصل إليه بانتظام ومصالحه الإستراتيجية لا تُمس، فالدول الكبرى لا تتدخل إلا عندما تكون مصالحها في خطر فقط، وعندما لا تشعر بذلك فإنّها تترك الإخوة الأعداء يتقاتلون فيما بينهم بينما تكتفي هي بإعلان القلق.

إنّ الشعب السوري بهذا الصمود العظيم، لم يهزم المؤامرة على سوريا فقط؛ وإنما أسقط ورقة التوت الأخيرة عن شعارات الحرية والديمقراطية التي يرفعها معظم أحزاب المعارضة العربية، وخاصة التي تعيش في فنادق الخمس نجوم في أوروبا.

تعليق عبر الفيس بوك