الكاتب الحجي يسرد ملامح رحلته مع الإعاقة ويكشف الوجه الآخر للألم

مسقط - العمانية

يزداد الاهتمام بأدب كتابة الذات في الأدب العماني يومًا بعد آخر، ويُعدّ أدب السيرة الذاتية من أكثر فنون كتابات الذات التي يختارها الكاتب العماني للتعبير عن تجربته وسيرة حياته، ومن بين تلك السير الذاتية التي صدرت أخيرًا كتاب "للألم وجه آخر" للكاتب العماني أحمد بن حمد الحجي عن منشورات وزارة التراث والثقافة 2015م بالتعاون مع دار الانتشار العربي في بيروت.

ويتكون الكتاب الذي يقع في 116 صفحة من إهداء ومقدمة متبوعة بخمسة وعشرين نصًا كل نص بعنوان مختلف مع تفاوت في أطوال النصوص، وعمومًا يشكل كل نص ملمحًا من ملامح سيرة وتجربة الإعاقة عن أحمد الحجي.

ويشير الحجي في مقدمته إلى أنّ هذه السيرة في نسختها الحالية هي كتابة ثانية حيث إنّ المؤلف قد سبق له وأن كتب سيرته ولكنّه فقدها من حاسبه الشخصي بسبب عطل فني ونجده يقول: "لقد اطلعت على قصص الكثير من الإخوة الذين سبقوني في سرد قصص كفاحهم ومعايشتهم للإعاقة الضيف الثقيل الذي يحلّ عليك بصخب الألم الكبير والمعاناة الدائمة وصمت الوجع المضني اللامنتهي، وقد كنت فعلاً قد بدأت كتابة بعض فصول قصتي مع الصبر وتعايشي مع الإعاقة لكن بلاء التكنولوجيا أضاع مني كل ما حفظته في جهاز الحاسب الآلي".

إن الفترة التي تلت فقدان الحجي لما كتبه من سطور عن حياته كانت طويلة ولكن كانت الرغبة تلح عليه لإعادة الكرّة مرة أخرى وإن كان مع شيء من التردد حيث يقول "وترددت كثيرًا في بدء الكتابة من جديد ومكثت فترة طويلة لأعود مجددًا فعقدت العزم وقلت لأكتب ما أعايشه من أحداث لعل أحدًا يستفيد من التجربة رغم يقيني أن الكتب التي تحدثت عن مثل هذه التجارب كثيرة جدًا في هذا المجال لكني قررت مع نفسي أن أروي تفاصيل رحلتي الإعاقة التي بدأت معي يوم الإثنين بتاريخ 30 /11/1998م في الساعة العاشرة صباحًا بسبب حادث سير وقع لي بولاية العامرات بمحافظة مسقط".

ونلاحظ أن أحمد كان صحيح الجسم ولكن بسبب حادث سير تحول إلى معوق فتوقع القارئ أن يقرأ عن سيرة الألم والتوقع وسرد المعاناة ولكن الكاتب يصر في عنوان كتابه على معنى آخر أكثر عمقًا وتحدّيا لكل السلبيات المتأتية من مثل هكذا مصاب فالكاتب يصر على إيضاح المدلول الذي قصد به من خلال العنوان: "وقد يستغرب القارئ الكريم العنوان ويحسبه شطحًا من السخرية وحبّا بالتفرد. لكنّي فعلا تعلمت وأيقنت أن (للألم وجه آخر) قد تغيبه عنا الأحداث المتتابعة التي تصب ثقل حمولتها في بوتقة قلوبنا المكتظة فنشعر بالوجه القاتم الأسود الذي تعود الألم الظهور به ولكن هناك دائمًا بصيصٌ من الضوء يتبع الظلام ليطبع عباءته خيطًا أبيض يرسم خطا لمسار آخر يبعث الأمل، وحكمة الله سبحانه وتعالى جعلت أن كل ما يصيب المسلم خير سواء علمه أم لم يعلمه وأسأل الله أن لا أكون ثقيلاً عليك قارئي الكريم...".

وقبل الدخول إلى عالم السيرة يتوقف المؤلف عن نص "قبل البداية" القصير والمكثف عن نقطة التحول من حالة حياة الإنسان السليم إلى حالة الإنسان المعوق حيث يؤكد الحجي على أن "من يعيش تجربة الإعاقة بعد حياة الأسوياء أشد مرارة ممن يخلق معها حيث إنّه لم يجرب حلاوة المفاضلة بين القفز والنط والقيام والقعود بعيدًا عن الحواجز والعجلات لذا سيكون صعبًا عليه التكيف ولن يجد بدًا من التصالح كي يستمر". ثم يتبع ذلك بنص "البداية ونقطة التحول" حيث يسرد فيه تفاصيل الحادث الذي وقع له وصدمة الأهل وفجيعتهم بالمصاب.

كما يعرج المؤلف إلى الحديث بشكل مفصل عن رحلات علاجه إلى كل من جمهورية الهند وإيران والصين، ولا يخلو الكتاب من الحديث عن الجوانب الاجتماعية لحياة المؤلف ومدى تقبل وتعاون الأهل والزملاء في العمل والمحيط الاجتماعي مع حالة المعوق.

ويشكل الكتاب وثيقة مهمة لفهم يقترب من التفاصيل الدقيقة لحياة المعوق ونظرته الداخلية العميقة إلى حالته وحياته ورغبته في الاعتراف به كطاقة وكقوة قادرة على العطاء حتى وإن كان المعوق على كرسي الإعاقة فذلك حاجز لا يعتد به المعوق.

تعليق عبر الفيس بوك