حال يرثى لها..!!

حمود الطوقي

إذا سنحت لك الفرصة لتتبع نشرات الأخبار وشبكات التواصل الاجتماعي سترى أنّ أمتنا العربية تعيش مرحلة من اليأس بسبب المشاكل التي تعانيها، والتي ازدادت سوءًا منذ اندلاع ما يسمى بالربيع العربي.

الأمّة تعيش حالة يرثى لها فلا يوجد خبر مفرح يجعلنا نتفاءل بالمستقبل بل كل الأخبار التي تتناقلها وسائل الإعلام عن عالمنا العربي محزنة ومفجعة.

حدّثت نفسي مستعجبا ومستنكرًا ما أصاب هذه الأمة من انحطاط وتراجع مخيف في شتى ميادين الحياة، سألت نفسي: هل نحن فعلا من وصفهم القرآن بأننا خير أمّة أخرجت للناس؟ هل هذه الأمّة التي خرجت من صلب الإسلام ما زالت شعلة منيرة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر أم أنّهم تبدلوا تبديلا؟ أصبحت حال الأمة الآن وللأسف الشديد تأمر بالمنكر وتنهى عن المعروف إلا من رحم ربي.

أسئلة عديدة تدور في مخيلتي عن واقع حالنا كعرب وكمسلمين، لماذا تأخرنا كثيرا وتقدم غيرنا؟ ماذا جرى لنا وماذا أصابنا من مكروه يجعلنا ننشر سموم الفتنة والشقاق ونزرع الحقد والطائفيّة في صفوف أبنائنا حتى أصبحنا نلعن ونشتم بعضنا بعضًا في المنابر وفي شبكات التواصل الاجتماعي؟ بل وصل بنا الأمر إلى أن نهدر دماءنا بأسلحتنا ونقتل بعضنا وتناسينا أننا ولدنا على فطرة دين الإسلام ".. مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا" .

حال الأمة أصبح يرثى لها لأننا ركزنا في مناقشة قضايانا على صغائر الأمور التي لا تسمن ولا تغني من جوع، أبدعنا في الترويج لخلافاتنا ولو كانت صغيرة وأصبحنا نتلذذ عندما نرى الانشقاق بين صفوف من يخالفنا الرأي، أين نحن يا أمّة محمد من قوله تعالى: "واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا" ؟

لماذا اتحد الغرب ونحن تفرقنا؟ لماذا نرى دولا مثل اليابان وكوريا والصين تطورت وتقدمت وأصبح يشار إليها بالبنان ونحن تأخرنا سنين ضوئية عديدة؟ ولماذا الصفات الحميدة والتي يحض عليها ديننا الحنيف نلمسها عند هؤلاء الكفار كما يحلو لنا تسميتهم..؟ هم طبقوا مبادئنا فازدادوا رسوخا وشموخا وتفوقوا علينا في العلم والأخلاق وفي العمل والإنتاج والنمو والازدهار.

هذا التفوّق الغربي لمسته في أسفاري؛ حيث جبت على مدى السنوات الماضية بلادا كثيرة، ولمست مدى التقدم الأخلاقي في بلاد الغرب، وجدت عندهم النظام واحترام القوانين والإخلاص في العمل وكل القيم التي حثنا عليها ديننا الحنيف..

وفي المقابل تنتشر في عالمنا العربي المسلم مظاهر الغش والخداع، ويكثر الهرج والمرج في تعاملات النّاس وأصبحت الرشوة هي المُهيمنة على قوة الإنتاج؛ لهذا لا نستغرب عندما يطلق علينا مُسمى دول متخلفة والعالم الثالث، لأن مشاكلنا متفاقمة وتسود فينا الفوضى وعدم الانضباط.

استحضرت هذه الأسئلة وأنا أتذكر آخر زيارة لي لكوريا واليابان.. أبهرني التقدم والتطور الذي عم كافة ميادين الحياة ومتطلبات العصر وتوفر الخدمات وسبل الراحة وانتشار الأمن والأمان في كل مكان، والذي نفتقده بشدة في عالمنا العربي الكبير.

أصدقكم قولا أنّ ما لمسته من أخلاق في كوريا واليابان يدعو إلى احترامهم فهم يستقبلون الضيف بابتسامة ويودعونه بابتسامة ويعملون بإخلاص وباتقان دون تذمر؛ فهذه الصفات جعلتهم يتبوأون مكانة كبيرة وفرضوا احترامهم على العالم.

تحاصرني التساؤلات وتطرق نافذة الرأس: هل بإمكاننا أن نصل إلى ما وصل إليه الغرب من تقدم وتطور؟ الإجابة جاءت سريعًا.. نعم نستطيع أن نكون مثلهم بل أفضل منهم إذا رجعنا إلى المربع الأول عندما كنا قادة العالم بعلمنا وفكرنا ونخلص في أداء واجبنا، ونعمل وفق مبدأ من غشنا ليس منّا، ونتحد لنكون صفًا واحدًا كالبنيان المرصوص ونقبل على مبدأ التسامح.. فبهذا الصفات والأخلاقيات ترتقي الأمم يقول الإمام الشافعي:

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت

فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

ويقول الفاروق عمر رضي الله عنه: "صاحب الدين والعقل والخلق هو الرجل الرشيد الذي جمع كل فضيلة

ورفض كل رذيلة".

تعليق عبر الفيس بوك