التحديات المحدقة بالوجود الإسلامي في الغرب (2- 4)

د. يحيى أبوزكريا

عندما نشر الاتحاد الأوروبي استطلاعه الشهير والذي يعتبر فيه أغلبية الأوروبيين الدولة العبرية دولة شريرّة ومُعادية للإنسانية، تحركّ اللوبي اليهودي في كل العواصم الغربية للقيام بالهجوم المضاد ووضع إستراتيجية عداء للعرب والمسلمين والحضارة الإسلامية، ولم تنشط السفارات الإسرائيلية لهذا الغرض فحسب بل حتى الجمعيات والمنظمات اليهودية العاملة في الغرب وللإشارة فقد قام مجموعة من زعماء المنظمات اليهوديّة في أوروبا بطلب مقابلة عاجلة مع رئيس المفوضيّة الأوروبية لحثّه على نشر استطلاع أعدته جهة أوروبية مقربّة من الدوائر الصهيونية في الغرب ويتهمّ هذا الاستطلاع المسلمين بأنّهم معادون للسامية، ويأتي هذا المسعى من قبل اللوبي اليهودي وتحديداً الوكالة اليهودية العالميّة فرع أوروبا بإنجاز هذا الاستطلاع ضدّ المسلمين في الغرب بعد شعور اليهود بأنّ مواقعهم في الغرب قد تعرّت، كما أنّ هذه الخطوة اليهودية هيّ محاولة للانقلاب على الاستطلاع الأوروبي الموسّع والذي يعتبر فيه قطاع واسع من الأوروبيين بأنّ الدولة العبريّة هي أخطر دولة على السلام العالمي في العالم وهو الاستطلاع الذي بعث الذهول في كل المؤسسات اليهودية في الغرب .

وكان رئيس المفوضية الأوروبية قد ألغى الاجتماع الذي كان مقررّا مع زعماء الوكالة اليهودية بسبب ضبابية الأجواء بين الاتحاد الأوروبي والوفد اليهودي الذي اتهمّ المفوضية الأوروبية بإخفاء استطلاعه حول معاداة المسلمين للسامية في الغرب .

وقد قال الناطق بلسان برودي في ذلك الوقت ريجو كيمينين إنّ الجوّ مشحون بين برودي والوفد اليهودي ولذلك تأجلّ اللقاء .

وعن الاستطلاع الذي يستهدف المسلمين والذي يفتقد إلى الأسس العلمية للاستطلاع وأُعدّ على عجل لاحتواء الاستطلاع الموسع السابق الذي قامت به المفوضية الأوروبية قالت مصادر مطلعّة إنّ الاستطلاع الثاني يُحمل المسلمين معاداة السامية في الغرب وغير الغرب، وبالتالي تسليط مزيد من الضغوط عليهم في الغرب وخصوصا بعد التفجيرات التي عرفتها العاصمة البريطانية لندن، ومعروف أنّ الوجود الإسلامي في الغرب بات يقلق اليهود الذين أعدوا عشرات الخطط لاضطهاد المسلمين في الغرب وتحديدا بعد أن نال منهم الاستطلاع الأوروبي، كما أنّ اليهود كان لهم دور كبير في فرنسا في التركيز على معاداة المسلمين للعلمانية الفرنسية في كبريات الصحف الفرنسية الموالية للوبي اليهودي، وللإشارة فإنّه يعيش مئات الآلاف من شبابنا في العالمين العربي والإسلامي على وقع حلم الهجرة إلى الغرب متصورين أنّ هذا الغرب الجميل الذي يشاهدونه في المسلسلات الغربية من قبيل دالاس وديناستي وروائع المسلسلات الغربية حيث الحدائق الغنّاء والشقروات الجميلات والسيولة المالية الكبيرة والفرص المدهشة للثراء الفاحش موجود فعلياً على خارطة الواقع في الجغرافية الغربية . وبسبب هذا التأثير الإعلامي بات جلّ شبابنا يفكرون في الهجرة إلى الغرب وقلّ ما نصادف شخصًا يُريد الهجرة إلى ماليزيا أو دولة إفريقية على سبيل المثال. وقد تمكنت الماكينة الإعلامية الغربية من إحداث انشطار في شخصية الإنسان العربي والمسلم إلى درجة أنّ بدنه في الجغرافية العربية والإسلامية وعقله الباطن والظاهر في الجغرافيا الغربية. والغرب من الداخل غيره من الخارج بمعنى أنّ الصورة الوردية الموجودة في ذهنية الكثير من شبابنا وشاباتنا عن الغرب ليست هيّ الصورة الحقيقية الفعلية للغرب، صحيح أنّ الغرب استطاع أن يُقيم نظام مؤسسات ويوفّر ضمانات ما للعمل السياسي والإعلامي وغير ذلك، غير أنّ الجوانب الأخرى تحمل الكثير من السوداوية.

لقد هاجر عشرات الآلاف من العرب والمسلمين إلى الغرب طلباً للأمن السياسي أو الاقتصادي والعدد الكبير من هؤلاء المهاجرين حصلوا على حقّ الإقامة في الغرب عن طريق اللجوء السياسي أو الإنساني والثلث الثالث إما حصل على الإقامة عن طريق الزواج من امرأة غربية أو بمساعدة أحد الأقرباء حيث يمكن أن يحصل الإنسان على إقامة في الغرب تحت عنوان جمع الشمل الأسري المعمول به في بعض الدول الغربية سابقاً والملغى حالياً في كل الدول الغربية بعد توحيد قوانين اللجوء السياسي والإنساني في دول الاتحاد الأوروبي .

ولم يتمكّن هذا الكمّ الهائل من المسلمين من الانخراط في أسواق العمل الغربية التي ضاقت ذرعًا حتى بالمواطنين الأصليين الذين باتوا يُعانون من حالة بطالة قاتلة لم تتمكّن المنظومة السياسية الغربية من وضع حدّ لها. وقد وجد المسلمون أنفسهم في الغرب على الهامش أي مواطنين من الدرجة الثانية بتعبير باحث سويدي اعتبر أنّ المهاجرين العرب والمسلمين يعيشون عالة على الضرائب التي يدفعها الغربيون لمصالح الضرائب والتي تدفع لهؤلاء المسلمين على شكل مساعدات اجتماعية تقدم شهرياً للعوائل العربية والمسلمة. وعدم انخراط ثلثي المسلمين في الغرب في أسواق العمل الغربية مرده إلى العنصرية الشديدة لأرباب العمل الذين يوظفون غربياً من طينتهم وخصوصاً بعد أن أشيع بأنّ العربي والمسلم وبمجرد انضمامه إلى وظيفة يشرع في التغيب عن العمل لدواعٍ صحية ثمّ يقدّم شتى المبررات للحصول على ما يعرف بالتقاعد المُبكّر، كما أنّ أرباب العمل يفضلون منح الوظائف لغربيين ومواطنين يفهمون القوانين السائدة في الغرب.

وعندما يتمعن الباحث في شؤون هؤلاء اللاجئين أو المهاجرين كما يحلو لكثيرين تسميتهم يجد أنّ هناك خللاً كبيرًا في إستراتيجية إعادة دمج هؤلاء المهاجرين في الواقع الغربي في مختلف المجالات. وإبقاء الوضع على ما هو عليه دون إعادة النظر في هذه الإستراتيجية جعل الكثير من المهاجرين يعتقدون أنّ السلطات الغربيّة لا تفكر مطلقًا في طبقة المهاجرين بقدر ما تفكر في ذريتهم التي يعوّل عليها أن تكون غربية ثقافة ولغة ومسلكية، وبالتالي يضمن الإستراتيجيون في الغرب القضاء على الخلل السكاني بعناصر مستوردة لكن غربية الهوى والهوية .

وهذا الاعتقاد الذي بدأ يتبلور لدى العديد من المهاجرين مرده إلى ارتفاع نسبة البطالة بين المهاجرين، وعيش الآلاف منهم على المساعدات الاجتماعية التي لها تبعات خطيرة، خصوصًا بالنسبة لعوائل كان فيها الأب يسعى وراء قوت يومه من الفجر إلى الغروب قبل استقراره في الغرب. وإذا قمنا بدراسة موضوعية وتشريحية حول المهاجرين في الغرب، فيمكن القول إنّ هؤلاء ينقسمون إلى شريحتين - نحن هنا لا نتحدث عن أطفال المهاجرين الذين يدرسون في المدارس الغربية فذلك موضوع آخر بل نتحدث عن البالغين نساءً ورجالا - شريحة مُثقفة ومُتعلمة، وأخرى أمية أو فلنقل إنّ حظها من التعليم كان قليلاً. وفي المدارس الغربية عندما يشرع الجميع بتعلم اللغة الغربية - إنجليزية، سويدية، دنماركية وغيرها - يلتقي الجميع صاحب الدكتوراه وكاتب الطروحات مع الذي لم يعرف معنى معهد تعليمي في بلده .

ويضطر المهاجر المُثقف أن يُضيّع من خمس إلى سبع سنوات في تعلّم اللغة الغربية وخصوصاً في السويد والدنمارك وفنلندا والنرويج حيث اللغة هناك تتطلب مواصلة دائمة للدراسة وإعادة تأهيل نفسه كما يُريد الغربيون الذين أبتلوا بالشهادات المزورّة أيضًا، وبعدها تبدأ الحرب من أجل الحصول على عمل وقد يكون العمل الذي ينتظر هذا الباحث لا ينسجم مع اختصاصه على الإطلاق، فُربّ طبيب مهاجر صار ممرضًا، وربّ مهندس صار سائق سيارة أجرة، وربّ باحث صار كنّاسا، وهذا لا يعني بتاتاً أن العمل عيب، بل إنّ العمل في كل الفلسفات البشرية مُقدّس، لكنّ هذا المهاجر المثقف نظرًا لغياب إستراتيجية تأهيله غربياً فقد الكثير من طاقته وبدل أن يتقدم عمودياً يزداد انبطاحًا، وحتى بعد نضاله المرير مع اللغة الغربية وتحديدا تلك اللغات الصعبة وسعيه للحصول على شهادة غربية فإنّ الأمل ضعيف في أن يجد عملاً مناسبًا وإذا كان محظوظاً فإنّه يظل يتنقل من عمل إلى عمل بشكل مؤقت دائمًا، وبهذا الشكل يُصاب هذا المهاجر إمّا بإحباط نفسي ينقله لأولاده الذين سيتذكرون دوماً أنّ الغرب أعطى أباهم الأمن السياسي ولكن لم يعطه الأمن الاقتصادي والمستقبلي ولم يعطه دوره المطلوب وبسبب مكوثه في البيت كثيراً بسبب البطالة فإنّ هذا يعني إندلاع مشاكل أسرية، وتكفي إطلالة واحدة على إحصاءات الطلاق بين المهاجرين لنعرف خطورة الموقف في الغرب .

وكان يفترض بالدوائر التي تخطط للمهاجرين أن تكون أوعى بكثير، لأنّ الأخطاء الراهنة ستجر إلى أخطاء مستقبلية، وخصوصا على المدى المتوسط والبعيد .

أمّا فيما يخص الطبقة المهاجرة الأُمية فهذه وضعها أخطر بكثير حيث الضياع المُطلق وقد يلتقي صاحب الدكتوراه والأمي القادمان من البلاد العربية في مطعم ويتشاركان نفس الوظيفة وهي غسل الصحون . وبسبب عدم قدرة المسلمين أو الأغلبية منهم على الحصول على العمل فإنّهم يلجأون إلى المؤسسات الاجتماعية للحصول على مساعدات اجتماعية ويكون المسلم أو المسلمة مجبرين على الحضور شهرياً إلى مباني هذه المؤسسات المكتوب على بعض أقسامها :

قسم المساعدة الاجتماعية وفي ذلك إشارة إلى أنّ الذي يتردد على هذه الأمكنة سيحصل على المساعدة الاجتماعية وقد يحدث أن يلتقي العشرات من أبناء البلد الواحد في نفس المكان، الأمر الذي يترك آثاره النفسية الكبيرة على قسم كبير من هؤلاء الذين جاؤوا ليطلبوا المساعدة الاجتماعية بعد أن كانوا يُعيلون أسرهم بعرق جبينهم في بلادهم .

وحتى هذه المساعدة التي يحصل عليها المسلمون من المؤسسات الاجتماعية تعطى بذلة شديدة لطالبها إلى درجة أن مواطناً عراقياً روى أنّه توجّه آخر الشهر إلى مؤسسة الشؤون الاجتماعية للحصول على مساعدة فقال لمسؤولته في هذه المؤسسة: أريد راتبي، فكلمته بصوت مرتفع، عيب عليك لا تقل راتبي فالراتب يأتي بجهد جهيد، قل أُريد مساعدة أو عونًا .

ويضطّر المسلمون إلى أخذ المساعدات الاجتماعية من المؤسسات الاجتماعية الغربية لأنّهم لا يقدرون على إعالة أنفسهم من خلال عمل كما لا يقدرون على أعباء الحياة الأخرى من دفع رسوم الإيجار والطبابة التي تتكفّل بدفعها هذه المؤسسات الاجتماعية وتحديدًا في دول أوروبا الشماليّة .

وعندما يضطر المسلم إلى أخذ مساعدة اجتماعية من المؤسسات الاجتماعية يصبح لديه مسؤول أو مسؤولة يتدخلان في تفاصيل حياته اليومية والأسرية ويخضع لتحقيق مستمر، ويمنع عليه السفر مطلقاً إلى بلاده بل يمنع عليه الذهاب إلى الحج لأنّه لا يُعيل نفسه ولا يُمكن أن يستخدم المساعدة الاجتماعية لهذه الأغراض حيث تعطى المساعدة لشراء الأكل له ولأولاده وقد حدث في السويد والدنمارك أن قطعت المساعدات الاجتماعية عن بعض النّاس بمجرد أن علم المسؤول في المؤسسة الاجتماعية أنّ آخذ المساعدة ذهب إلى الحج أو سافر .

وبالإضافة إلى ذلك فإنّ المسؤولة الاجتماعية تسأل دومًا زوجة طالب المساعدة هل يصلها حقها من المساعدة الاجتماعية أم لا !

وإذا كان الجواب بالنفي تبعث المساعدة باسم المرأة لتصرف على بيتها الأمر الذي يؤدي إلى وقوع انفجارات داخل الأسرة والذي كثيرًا ما انتهى إلى الطلاق بسبب عدم تعوّد الرجل المسلم على قيمومة المرأة .

ولهذا المسؤول أو المسؤولة الاجتماعية أن تلزم طالب المساعدة بأيّ عمل حتى في تنظيف المراحيض وتنظيف العجزة وإلباسهم حفاظات بعد تنظيفهم، ويجد المسلم أو المسلمة نفسيهما مضطرين لمثل هذا العمل وإلا قطعت عنهما المساعدة الاجتماعية .

وتقدّر هذه المساعدة وفي أرقى الدول الغربية التي تقدم مساعدات اجتماعية مرفهة بـ300 دولار للمرأة و300 للرجل كما في السويد والدنمارك والنرويج والأطفال أيضًا يحصلون على مساعدات متفاوتة وحسب الأعمار .

ومثل هذه القيمة يستطيع أن يجنيها المسلم في بلاده ودون أن يدوس على كرامته ويخضع حريته الشخصية للابتزاز .

وللإشارة فإنّ هذه المساعدات التي تُقدمها البلديات الغربية أو المؤسسات الاجتماعية للعرب والمسلمين البطالين تقتطع من الضرائب التي يدفعها المواطنون لسلطات الضرائب بطريقة إجبارية وهو الأمر الذي جعل البعض في كثير من العواصم الغربية يقول شفاها وكتابة أنّ الكثير من المسلمين يعيشون بفضل الضرائب التي ندفعها لسلطاتنا ومن الإشكاليّات الكبيرة التي تعترض حياة المسلمين في الغرب هو اندماجهم أو عدم اندماجهم في الواقع الجغرافي الجديد الذي هاجروا إليه. ويفضي الإندماج إلى ضرورة ترك المسلمين لمفردات شخصيتهم والتي قوامها المسلكيّة الحياتيّة التي رسم أبعادها الإسلام، فيما تفضي الاستقلاليّة إلى عزل المسلمين عن الواقع الجديد الذي يعيشون فيه وعندها قد يصونون شخصيتهم لكن ذلك يجعلهم يراوحون مكانهم في السلم الاجتماعي والثقافي وحتى السياسي في الواقع الغربي .

تعليق عبر الفيس بوك