المفوضية السامية وحقوق الإنسان العربي

عبدالنبي العكري

انعقدَ في الدوحة خلال يومي 13 و14 يناير 2016، مؤتمر دور المفوضية السامية لحقوق الإنسان في حماية وتعزير حقوق الإنسان في المنطقة العربية.

حضر المؤتمر ما يقارب المئتين وخمسين من ممثلي الحكومات العربية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، ومنظمات حقوقية وأهلية وشخصيات حقوقية عربية وبالطبع خبراء وموظفي المفوضية السامية لحقوق الإنسان في جنيف وعلى رأسهم المفوض السامي لحقوق الإنسان الأمير زيد بن رعد الحسين.

كلمة حق تقال عن الأمير زيد، إنه خلافاً لما كانت تتوقعه الدول العربية بمهادنتها باعتبار "أنه واحد منا وفينا"، فإنَّ الأمير زيد منذ تسلم مسؤوليته في سبتمبر 2014 خلفاً لذائعة الصيت المفوضة السابقة القاضية نافي بيلاي، يقوم بمسؤوليته بأمانة وموضوعية، ما أغضب عدداً من الدول العربية، والتي ترد على مناشداته ونصائحه بسلبية واضحة.

الأمير زيد كان واضحاً وصريحاً، فقد أشار في كلمته إلى ما رافق الربيع العربي من انتهاكات لا سابق لها في التاريخ العربي. وأرجع ذلك لثلاثة أسباب هي:

1- التذرع بالأمن. وفي حين أن الأمن من حق الدول إلا أن الانتهاكات المرافقة لذلك ستؤدي إلى مزيد من التطرف وإعادة إنتاج العنف والعنف المضاد. وإن التصدي للتطرف لن ينجح إلا إذا تم التصدي للفقر والتهميش. كما إن النمو الاقتصادي لاستئصال الفقر يجب أن يرتبط بالعدالة.

2- الدول العربية تصدق على كثير من الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان لكنها لا تلبي التزاماتها بموجب هذه الاتفاقيات، حيث يتطلب الأمر تشريعات ومؤسسات وسياسات وثقافة تتلاءم مع ذلك.

3- يكثر الحديث عن الخصوصية الثقافية العربية، وجوهر الإسلام يقوم على المساواة والعدالة كما في الآية الكريمة: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم". لكن الخصوصية الثقافية التي يكثر الحديث عنها هي ثقافة تقاليد بالية لا علاقه لها بالإسلام والخصوصية الإيجابية.

وعرَّج الأمير زيد إلى الجهود الكبيرة التي توليها الأمم المتحدة والمفوض لحقوق الإنسان (ستة مكاتب)، ومنها مكتب الدوحة للتدريب، وعدد من المقررين الخاصين، بمن فيهم مقرر فلسطين، ودعمها لتدريب المسؤولين عن إنفاذ القانون كما في فلسطين، وأشاد بتجربة تونس كأمل للتحول الديمقراطي واحترام وصيانة حقوق الإنسان وكما هي العادة فقد تبارى المسؤولون العرب ممثلو الدول والمؤسسات الرسمية في استعراض الإنجازات العربية الكبيرة في مجال حقوق الإنسان، ومنها الميثاق العربي لحقوق الإنسان، والاستعراض الدوري لحقوق الإنسان، والمحكمة العربية لحقوق الإنسان المزمع إنشاؤها وغير ذلك. وفي الوقت ذاته، استعرض بعضهم بانتقائية شديدة حالات مؤلمة كما في مضايا بسورية والأراضي الفلسطينية المحتلة، موجهين اللوم للأمم المتحدة والمفوضية السامية على تقصيرها، متجاهلين أن الدول العربية هي من يسهم في استمرار الحروب الأهلية في سورية والعراق وليبيا. وإن أوروبا الغربية التي يشهرون بها دائماً، استقبلت أكثر من مليون لاجئ عربي وتوفر لهم الحياة الكريمة بينما لا تستقبلهم غالبية الدول العربية ومن يستقبلهم يضعهم في الخيام البائسة.

قِيْل الكثير من المناقشات والحوارات التي امتدت على مدى يومين، حيث لوحظ أن المندوبين الرسميين لعدد من الدول الخليجية التزموا الصمت التام. وبعض ما كشفه خبراء المفوضية ذو دلالة. فمثلاً الدول العربية مجتمعة تبرعت في العام 2015 بمبلغ 40 ألف دولار، في حين أن الدنمارك لوحدها تبرعت بمليون ونصف المليون دولار، كما إن قلة ما تقدمه الدول العربية يحول دون ترجمة الوثائق الرسمية لحقوق الإنسان، واعتماد اللغة العربية في المراسلات، لكن الأنكى هو أن غالبية الدول العربية لا تقدم تقاريرها للجان المكلفة بمتابعة آليات الأمم المتحدة الخاصة والاتفاقيات التعاقدية، مثل مناهضة التعذيب والقتل خارج نطاق القضاء، والاعتقال التعسفي، والمحاكمات الجائرة والتمييز ضد النساء، وانتهاك حقوق الأقليات، والاتجار بالبشر، وإسقاط الجنسية وغيرها وغيرها. وإن مراجعة ما يدور في اجتماعات لجان الاتفاقيات يظهر عدم الاكتراث بتنفيذ هذه الدول لالتزاماتها.

وفي الحقيقة، فإنَّ جذر المشكلة يكمن في أن بعض الدول العربية لا يؤمن بحقوق الإنسان مواطناً أو مقيماً أو عاملاً مهاجراً، بل إن غالبيتها صدّقت على الاتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسان، كمستلزمات لعضوية الأمم المتحدة، وأجهزتها ومنها مجلس حقوق الإنسان، وتحت الضغوط، وقد استفادت من حقبة الحرب الباردة.

لكنه الآن ومع عولمة حقوق الإنسان، وتداخل العالم، ووجود حركات حقوقية لها وتأثيرها على الحكومات والبرلمانات والمنظمات الدولية، فإن بعض الدول العربية تعمد ايجاد منظمات ومؤسسات حقوقية تابعة لها وتوفر لها التمويل والصدارة والترويج. وخلال المناقشات طرح أكثر من حقوقي على الدول وممثليها في المؤتمر أسئلة جوهرية: لماذا يُمنع المقررون الأمميون الخاصون لحقوق الإنسان من زيارة بلدانها، وإذا سمح لبعضهم يحضرون في الإطار الرسمي؟

تعليق عبر الفيس بوك