فرص من رحم الأزمات

إيمان الحريبية

شهدت الأنظمة العربية والعالمية على مدار تاريخها الطويل -ولا تزال- العديد من التقلبات المالية والتغيرات الاقتصادية والكوارث والمحن، ومن نِعَم الله على البشر مَيْزة العقل والتدبير واستيعاب كيف تُولد المعجزات من قلب الملمَّات، وكيف تتخلَّق الفرص في رحم الأزمات. فمنذ أيام الحرب العالمية -وما تلا ذلك من كساد كبير- والاقتصاد العالمي يكتسي بالانتعاش تارة، وبالانكماش تارات أخرى.. إذن فأزمة انهيار أسعار النفط التي نمر بها حاليا، ما هي سوى حلقة في دورة اقتصادية تحدث كل عقد من الزمن، فلا داعي للشاؤم والإغراق فيه، وما علينا سوى البحث عن وسائل نُشعل بها الشموع بدلا من أن نقعد محسورين نلعن الظلام.

... إنَّ عوامل النهضة والتقدم يجمعها قاسم مشترك، وهو أن لشعوب البلدان الطامحة روحا وطنية لم تتوافر لغيرها، وخصوصية مميزة لا ينافسها فيها أحد، وتراثا عريقا حافظت عليه وجعلته قاعدة لانطلاقتها، مؤمنة بتاريخها وواثقة في شعبها. ومفهوم الوطنية لدينا -نحن العمانيين- قول وممارسة، يستحضر عوامل النهضة والروح الوطنية للعمل الجاد والمخلص، بعيدا عن كل ما يُعكِّر صَفْو هذه الروح حتى وإن كان انخفاضًا في أسعار النفط، وكل ما يقال من آراء وتخمينات سلبية لا يعبِّر عن الروح الوطنية؛ فكيف نعمل في صمت لخدمة الوطن! وكيف نرد الجميل في وقت المحن قبل وقت الرخاء! فعمان أولا، وعمان دائما هي أوْلَى مَنْ نكون رهن إشارته، لدعم خططها وبرامجها ومشاريعها، فنحن الطرف المعني بذلك وتوجيهها نحو الواقع، عبر المحافطة على مكتسباتنا الوطنية. ورد الجميل بلا شك يكون بالعمل والصبر والتماسك، والابتعاد عن كل صَوْت يجرنا إلى أن نكون ناكرين لعطاء الوطن وثماره التي أغدقها علينا.

فأبناء هذا الوطن من الجيل الحالي، تشرَّبوا العزة والإباء والأنفة من آبائهم وأجدادهم الذين نجحوا في تجاوز المحن والصعاب على مر تاريخ هذا البلد الطيب، فبنوا لنا حضارتنا.. وهذا الجيل بلا شك قادر على بناء عُمان المستقبل؛ وهذه هي نفس القيادة الحكيمة الواعية التي استمدَّت قوتها وشموخها من الجبال الشاهقة وتميزت بسعة الأفق والصبر وعمق التفكير. فالعُماني قوي وشامخ وعميق، وهو ابن بيئته وحضارته، لا تهزه الرياح.. وما علينا سوى أن نثق في المستقبل، وأن نبتعد كل البعد عن التشاؤم والسوداوية التي لا تمثل الشخصية العمانية. فقد حان الوقت لإثبات الذات، وأن نكون عند حُسن ظن القائد وثقته، صفًّا واحدًا، عاملين مُجتهدين، مجيدين مخلصين، متعاونين مع الوطن.

ولنحافظ على هذه الروح وهذه القيم وهذا التراث، ولنكن جميعًا صابرين مثابرين، لكي نبني عُمان؛ فالمستقبل المشرق المحقق للتقدم والنماء والسعادة والرخاء، لا يُبنى إلا بالهِمَم والعزائم، والإخلاص والمثابرة. ونحن واثقون بأن أبناء وبنات عُمان يتمتعون بقسط وافر من تلك الصفات السامية، يشهد بهذا ماضيهم، وحاضرهم، ونحن قادرون بإذن الله على بناء مستقبل سعيد".

تعليق عبر الفيس بوك