نقطة انطلاقة

خلفان العاصمي

دائما ما تسعى مُختلف المؤسسات العامة أو الخاصة أو الأهلية لرفع قدرات ومهارات العاملين لديها، في مختلف المجالات المرتبطة بالعمل الذي يقومون به؛ من خلال الوظيفة التي تم تعيينهم بها. ولقد بَرَز مؤخرًا مُصطلح الإنماء المهني كأحد برامج التنمية المهنية التي تُقدَّم لهؤلاء العاملين من أجل الرقي بما لديهم من قدرات، وما يملكون من إمكانيات تحتاج لصقل وتأهيل من أجل تجويد العمل والنهوض به، ويتَّخذ الإنماء المهني أشكالا مُختلفة قد تكون على شكل برامج مُوجَّهة لتطوير هذه المهارات لدى العامل أو لتعزيز جوانب مرتبطة بغرس وتأصيل قيم وظيفية معينة كحب العمل والولاء والانتماء للمؤسسة التي يعمل بها. ومن الأمثلة على هذه البرامج ما تقوم به مدارس السلطنة في نهاية كل فصل دراسي من برامج للإنماء المهني تصبُّ في خدمة المعلمين والمعلمات، وتشغل حَيِّز الفراغ الذي يتولَّد من عدم دوام الطلاب في تلك الفترة، خاصة في مدارس الحلقتين الأولى والثانية. وهناك نوع آخر من برامج تنمية القدرات المهنية للعاملين يتمثَّل في برامج التدريب على رأس العمل، والتي تهدف لتمكين العاملين مهنيًّا وإطلاعهم على المستجدات العالمية والخبرات المماثلة في مجال الأعمال التي يقومون بها، كلُّ هذه البرامج تكون مُعدَّة وفق حاجة المؤسسة لذلك، وأيضًا وفق ما تقره الجهات المعنية عن التدريب في هذه المؤسسات بناءً على المخصصات المالية المعتمدة لذلك ومدى الأولوية وفق الحاجة لتنفيذ هذه البرامج.

ومع هذه البرامج التدريبية والتأهيلية التي تقدم وفق منهجية محددة ومجدولة مسبقًا، تبقى هناك نوعية أخرى من البرامج التي تتميَّز بعُنصر الابتكار والتجديد والحداثة، ومن الممكن أن نُطلق عليها أنها ذات افكار من خارج الصندوق؛ كونها مختلفة من حيث الأهداف، ومن حيث المحتوى، ومن حيث آلية التنفيذ. وقد تكون هذه البرامج نسخا مُعرَّبة من برامج أجنبية تطبق في الدول المتقدمة، وفق قدرات وامكانيات محددة، وفي بيئات تتناسب مع التوصيف الخاص بتلك البرامج، إلا أنه وعند تعريبها تتم مراعاة جوانب مهمة؛ أبرزها: مدى توافق البرنامج للبيئة العامة سواء من حيث ثقافة المجتمع أو بيئة العمل الموجه لها هذا البرنامج، وكذلك مدى الاستفادة التي سيحققها وفق التوصيف الخاص به، وهل هناك حاجة لإعادة توصيفه بعد ترجمته وبما يتفق مع هذه المعطيات، وأيضًا بما سيحققه من أهداف ترجوها المؤسسة التي ستنفذه.

ومن ضِمْن البرامج المعربة التي تنفذ في السلطنة برنامج "نقطة انطلاقة" ومسماه باللغة الإنجليزية(spring board) وهو من البرامج التي يتبناها المجلس الثقافي البريطاني على مستوى العالم ويستهدف النساء العاملات بقطاعات العمل المختلفة، وهو عبارة عن منصة تدريبية، وساهم البرنامج منذ تطبيقه في تنمية ما يزيد على 175 ألف امرأة، في 22 دولة بمختلف أنحاء العالم، وتمت ترجمته إلى 22 لغة مختلفة، وفي السلطنة وجه هذا البرنامج للنساء العاملات في الجهاز الاداري للدولة بمختلف وحداته وتم تبنيه من قبل وزارة الخدمة المدنية، ودعمت تنفيذه الشركة العمانية القطرية للاتصالات "أوريدو"، ومنذ انطلاقته بالسلطنة في العام 2014 وحتى اليوم تخرَّجت منه ما يزيد على 392 موظفة عمانية، وتدور فكرة النسخة المحلية منه في إلحاق مجموعة من الموظفات -بعد أن يتم اختيارهن من مختلف مؤسسات الجهاز الإداري للدولة- في دورة تدريبية مدتها ثلاثة أشهر غير متصلة، كما لا يشترط تفرغ الملتحقة بالبرنامج عن العمل، وتم صياغة أهدافه محليًّا؛ منها: تمكين المرأة في مقر عملها وفي حياتها الاجتماعية، وإذكاء روح التنافس ما بين المشتركات، ومواكبة تحديات التطور والتغيير المتسارع، وكذلك إكساب المشاركات مهارات الإدارة الأساسية، والتمكين الذاتي، والاتصال والتحدث والخطابة، ولقد أضاف القائمون على النسخة العمانية من البرنامج فكرة أنْ تشتغل المتدربات على شكل مجموعات، ومن ثمَّ الخروج بأفكار تنقذ من خلالها مشاريع تطوعية وخدمية وذات طبيعة مستدامة، ومن ضمن المشاريع التي اشتغلت عليها مجموعة المتدربات في آخر دورات البرنامج للعام 2015، ومشروع إعادة تدوير الورق بالدوائر الحكومية والذي استهدف توعية الموظفين بالدوائر الحكومية بأهمية التقليل من الطباعة بقدر الإمكان، إضافة إلى إعادة تدوير الأوراق المستعملة، ومشروع تجميع بقايا الخبز واستخدامه في إطعام الحيوانات، ومشروع التبرع بالعملات النقدية المعدنية "بيسة خير"، والذي عمل على رفع الوعي لدى تلاميذ المدارس بثقافة التبرع من خلال تجميع العملات من فئات الخمس والعشر بيسات، وإنفاق ما يتم جمعه في أوجه الخير المختلفة.

تعليق عبر الفيس بوك