اهتموا بأغلى ما تملكون

خالد الخوالدي

متناقضات غريبة تحملها هذه الحياة، خاصة في الحياة الأسرية، ومغالطات في المفاهيم والقيم التي تربَّينا عليها إسلاميًّا وأسريًّا ومجتمعيًّا؛ حيث نرى تزايدَ حالات التفكك الأسري والمشكلات العائلية، وعدم الاهتمام من جانب بعض أولياء الأمور والشباب في أسرهم بالعمل على خلق أسر متعاونة ومتحابة ومتفاهمة.

ومن بَيْن هذه التناقضات الغريبة أنَّ الشابَ في بيته ومع زوجته وأسرته وأولاده تجده عصبيًّا ومتعكرَ المزاج، ولا يشارك أسرته الآراء والأفكار، ولا يستمع لهم، وإذا ما خرج مع زملائه وأصدقائه أظهر الوجهَ الحسن والابتسامة العريضة والسوالف الجميلة والمعشر الطيب؛ حتى تكاد تشك أنَّ هذا الشخص هو نفسه، في حين أنَّ الأصل أن يكون الشخص بارًّا بأهله مُحترمًا ومُقدِّرا لجهودهم، عطوفا عليهم، مبتسما لهم، يشاركهم همومهم، ويستمع إلى معاناتهم، ويتحسَّس مشاكلهم، ويحاول أن يعالجها مِصْداقا لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله"، وقوله عليه السلام: "أوصيكم بالنساء خيرا"، كما أنَّ بعض الأخوة يغفلون الاهتمام بأخواتهم ولا يخلقون الإخوة الصادقة بينهم، ولا يتحسسون همومهن، وإذا ما خرجوا في جامعاتهم أو كلياتهم أو في محيطهم يكون الواحد منهم العطوف الرحيم ذا القلب الحنون، يستمع ويشارك ويبحث عن الحلول، ويجتهد في المعالجة. أما أخته شقيقته وعِرْضه المصون فيترك أمرها على الأب أو الأم، واللذين لا يقصران رغم مشاغلهما الكثيرة، إلا أنَّ تباعد السن والأفكار والرؤى يُعيق في كثير من الأحيان الوصول إلى ما تحتاجه البنت من إنسان يفهمها وتشتكي له ما يصيبها من فتن الحياة، وهنا لابد للأسرة كاملة أن تخلق الصداقة والحميمية بين الجميع، فـ"درهم وقاية، خير من قنطار علاج"، وهذا يُساعد الأبناء فيما بعد أن يتمسكوا بأخلاقهم، وتمنحهم الثقة لمستقبل مشرق.

وأكثر ما يُؤسَف له حقًّا أن تستمع إلى مكنونات نفس امرأة ضعيفة لا حيلة لها ولا قوة وهي تقول في إحدى قنوات الاتصال إنني أتحدث بنبض قلب امرأة مكسورة من الداخل نفسيا وعاطفيا؛ فزوجي لا يمنحني من وقته وقتا للنقاش والحوار لمناقشة أمور حياتنا ومشاكلي النفسية واحتياجاتي، وإذا حاور أو ناقش لا يكون عنده أسلوب في الحوار، ويفرض رأيه، وكلمته هي الفيصل، ويغلق الحوار دون أن يسمع رأيًا، ويقول: "خلاص ما شي نقاش، أنا قلت اللي عندي". وتقول: "أنا من بيسمعني؟!!".

... إنَّ هناك معاناة أكثر وأشنع في مجتمعنا لزوجات وأخوات لسان حالهن يقول لكل رجل لا تراقب زوجتك أو أختك لتكتشف انحرافها عن جادة الصواب، بل أغرقهم بحُبِّك حتى لا يجدن فرصة للنجاة بحب وصداقة وأنس غيرك.

رسالتي لكلِّ رجل أن يمنح الحبَّ والحنان والعطف والإنس والسلام لأهل أسرته، وأن يستمع إليهم وينصت لمعاناتهم، ويصغي لهم بكل حب، ويحاول أن يُعالج ما يُعانينه بالأسلوب الأمثل وباللين وبالكلمة الطيبة؛ فالله سبحانه وتعالى يقول لرسوله الكريم: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ". ويقول تعالى: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ"، فإذا كان هذا هو المنهج الذي يجب أن يكون لعامة الناس، فكيف بالأقرباء والأرحام والأهل والأسرة والأبناء والإخوان والأخوات والأزواج والزوجات؟!!.. دمتم ودامت الأم الغالية الحنون عُمان بخير.

Khalid1330@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك