هل نحن بحاجة إلى وزارة لتطوير التعليم؟ (8-9)

"غربلة" أسس ومنطلقات تعليم اللغتين العربية والإنجليزية

مرتضى بن حسن بن علي

لن يكتمل الحديث عن موضوع المناهج وطرائق تدريسها دون التطرق إلى الضَّعف الذي يُعانيه الكثيرون في مادة اللغة العربية من الطلاب الخريجين من التعليم العام، إضافة إلى أهمية تعليم اللغة الإنجليزية وأسباب ذلك وبأحدث الأساليب المتوفرة.

على الرغم من أن مادة اللغة العربية تحظى بنصيب كبير في عدد من الحصص الدراسية إذا أخذنا بعين الاعتبار المواد العديدة التي تُدرَّس مواضيعها ومضامينها باللغة العربية، مثل المواد المتعلقة بالدين والتاريخ والجغرافيا...وغيرها من المواد، فإنَّ النتائج الملموسة لقدرات الكثيرين من الخريجين على القراءة والكتابة والتعبير والاستيعاب، وركاكة وضعهم في الصيغ اللغوية والإملائية، لافتة للنظر بشكل كبير؛ إذ تظل تلك القدرات بين الضعيفة إلى أقل من المتوسطة، كما هي الحال في المواد الأخرى التي يجري تدريسها.

لا أظنُّ أنَّ اثنين يختلافان على ضرورة الاهتمام باللغة العربية وفنونها وآدابها والتركيز عليها، ليس لكونها لغة القرآن الكريم والحديث الشريف فحسب، بل لكونها أيضا اللغة الوطنية واللغة الأم التي ينمو من خلالها فكر الطفل وثقافته الأساسية، وتبقى المعيار الرئيسي لاستيعاب مخزونه الفكري والثقافي، كما أنها تبقى -أيضا- لغة التعامل اليومي والتخاطب الحياتي.

قد يكون مناسبا جدًّا للوزارة المقترحة -في اعتقادي- إعطاء اهتمام خاص لهذا الموضوع ومعالجة القصور الموجود، ومعالجة هذه الظاهرة على مختلف المستويات والبحث الجاد عن كل الحلول الممكنة. وقد تكون هناك أسباب عديدة لهذه الظاهرة؛ منها: الضعف في المعرفة العامة لدى الطلاب، أو الضعف في تصميم المناهج الدراسية، أو أنَّ الكتب ينقصها عنصر التشويق والارتباط بواقع الطلاب، أو الاعتماد على الطرق التقليدية في تدريس اللغة العربية، تلك التي تستهدف الحفظ والتكرار لقواعد النحو ثم الإعراب؛ باعتبارهما من ضوابط اللغة الأساسية نطقا وكتابة، وعدم تعويد الطلاب على أساليب التعبير والمخاطبة باعتبارهما وسيلتي التواصل والتفكير، وبوصفهما أيضا قاعدة أساسية لمهارات التذوق والإبداع.

وعليه.. يبدو أنَّ تعليم اللغة العربية يحتاج إلى نوع من "الغربلة" الجذرية للأسس والمنطلقات التي جرى تبنيها لحد الآن؛ سواء أكان ذلك على مستوى المناهج التعليمية، أو على مستوى طُرق التدريس، علما بأن بعض النظريات الحديثة تبتعد عن تعليم اللغات بوصفها علما وقواعد فحسب، وتتجه إلى تعليم اللغات بوصفها مهارة وأداة تواصل وطريقة تعبير وتذوق وممارسة يومية. كل ذلك يستوجب توسيع معارف الطالب وثقافته وخبراته العامة عن طريق المطالعة للكتب المختلفة؛ ومنها الروايات العالمية الكلاسيكية المشهورة والصحف المتنوعة، ثم الطلب من الطالب تلخيص ما قرأه وإبداء رأيه شفهيا وتحريريا، والاهتمام بالخطابة والمسرح المدرسي لتدريب الطلاب على ممارسة اللغة بطريقة سليمة.

أمَّا بالنسبة للغة الإنجليزية، فإنها أصبحت أيضا مهمة جدًّا، وأصبحت اللغة العالمية الأولى الأكثر انتشارا في العالم، كما أصبحت لغة العلوم والتكنولوجيا ولغة الاقتصاد والتجارة الإلكترونية والطيران، واللغة الريئسية في التجمعات السياسية الدولية واللغة الرسمية لنحو 85% من المنظمات العالمية، ولغة التداول في المجال المصرفي والسياحي ولغة غالبية المراجع والمصطلحات والبحوث العلمية ولغة الشركات المتعددة الجنسيات والكمبيوتر؛ حيث إن كمًّا كبيرا من المادة الموجودة في الإنترنت هي باللغة الإنجليزية، كما أنَّ أعدادا متزايدة من الأشخاص في العالم يتعلمونها؛ إذ إنَّ أغلب دول العالم ومنها الدول المتقدمة تدرس طلابها تلك اللغة، إضافة إلى كل ذلك فإنها تساعدنا على التحاور مع الآخر والتعرُّف على ثقافته، وتكوين القدرة لدينا للرد على حملات التشويه التي نتعرض لها.

ومادام العرب ليسوا الآن -مع الأسف الشديد- الروَّاد في مجال العلوم المختلفة، ومادام الاتجاه الحديث يسير نحو التعلُّم الذاتي، فيستحسن أن نسلِّح أبناءنا بسلاح يمكنهم من متابعة التعلم في جميع مجالات الحياة. وتزداد أهمية تعلم اللغة الإنجليزية إذا علمنا أنَّ معدلات نشر الكتاب العربي ما زالت شحيحة مع الأسف الشديد، وأن ما يطبع باللغة الإنجليزية يساوي نحو 60% من مطبوعات الكتب في العالم إجمالا. وحسب بعض الإحصائيات المتوفرة، لم يتجاوز معدل نشر الكتاب في العالم العربي ثلاثين عنوانا لكل مليون عربي، مقابل المعدل العالمي الذي يبلغ 160 عنوانا لكل مليون، والعدد يزداد في الدول المتقدمة ليصل إلى الألوف، وقد يصل إلى مئات الألوف من العناوين في مختلف المجالات، والأهم من ذلك وحسب الأرقام المنشورة تتراوح أعداد النسخ المطبوعة في العالم العربي من عناوين الكتب، في المعدل بين ألف وثلاثة آلاف نسخة، بينما تبلغ في أوروبا وأمريكا عشرات ومئات الآلاف؛ الأمر الذي يعكس مدى تدنِّي صناعة الكتاب العربي ومدى تدني المعرفة عند العرب، علما بأن أكثر الكتب العربية المطبوعة هي في مواضيع محددة معينة وتبقى في أكثريتها على الأرفف المختلفة كجزء من الديكور المنزلي دون أن تُقرأ، كما أن العناوين العربية من الكتب المطبوعة في اللغة العربية والتي تتعلق بالعلوم البحتة والعلوم التطبيقية والفنون تبلغ نحو 8% فقط من مجموع الكتب المطبوعة، وفي أكثريتها مترجمة من اللغة الإنجليزية، كما أنَّ الكتب التي تترجم إلى اللغة العربية على امتداد العالم العربي تساوي عشرين في المائة من الكتب التي تترجم في دولة صغيرة واحدة مثل اليونان التي يقل عدد سكانها عن 11 مليون نسمة، ويقدر عدد الكتب التي ترجمت إلى اللغة العربية من اللغات الأجنبية ومنذ زمن الخليفة العباسي المأمون وإلى وقتنا الحاضر، أقل من الكتب التي تترجم من اللغات الأجنبية إلى اللغة الإسبانية في إسبانيا وحدها سنويا التي يقل عدد سكانها عن 47 مليون نسمة.

وفي اعتقادي، يُستحسن أن نتوجَّه في سياساتنا التعليمية الجديدة إلى تعليم اللغة الإنجليزية من الروضة وبأحدث الابتكارات العلمية المتوفرة لتعليم اللغات، قرأة وكتابة وتعبيرا دون التركيز كثيرا -في البداية على الأقل- على قواعد النحو. وفي اعتقادي أيضا أنَّه من الصعوبة أن تستقيم أشياء عديدة في التعليم بدون إتقان هذه اللغة.

appleorangeali@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك