خبير دولي: ميزانية السلطنة لعام 2016 تركز على كفاءة استخدام الموارد وضبط الإنفاق

أكد أنّها تأتي في سياق مواصلة تحسين الأوضاع اللازمة لتحقيق الاستقرار المالي

-الإجراءات المتخذة لتصحيح الأوضاع المالية العامة في السلطنة ضرورية ولا مفر منها

مسقط -العمانية

أوضح مصطفى رويس خبير اقتصادي دولي أنّ الانخفاض الكبير الذي شهدته أسعار النفط بمقدار 70 بالمائة منذُ الأشهر الـ18 الماضية والمؤشرات غير المشجعة بمعاودة ارتفاع أسعار النفط تدفع الدول المنتجة للنفط إلى اتخاذ إجراءات كبيرة تهدف إلى تصحيح أوضاعها المالية.

وقال في تحليل لوكالة الأنباء العمانية إنّ حجم الانخفاض الذي طال أسعار النفط كان كبيراً جدًا لدرجة أن البلدان ذات الموارد المالية الضخمة المكتسبة من أعوام الرخاء الماضية كدول الخليج العربية مثلاً ليست مستثناة من القيام بالإجراءات إذ ليس بالضرورة قيام هذه الدول بتعديل وتحسين أوضاعها المالية على نحو قاس أو صارم وإنما يمكن القيام به بصورة تدريجية أي بالتوازي مع حجم احتياطياتها المالية.

وأشار إلى أنّه من الملاحظ أن الميزانية العامة لسلطنة عمان لعام 2016م المعلن عنها أخيرًا جاءت في سياق مواصلة تحسين الأوضاع المالية اللازمة لتحقيق الاستقرار المالي الذي باشرت به السلطنة العام المنصرم حيث ركزت الميزانية على مبدأ الكفاءة وتقليل الإنفاق أي تحقيق الكثير بتكلفة أقل، موضحا أنه لم يعد بالإمكان الاستمرار بالمحفزات المالية التي بادرت بها الحكومة خلال الفترة (2011م-2014م) وما ترتب عنها من أعباء مالية كبيرة على الميزانية العامة بنسبة سنوية متوسطة بلغت 8ر3 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي .

وقال إن السياسات المالية التي صاحبت ميزانية عام 2016م تأتي في المسار السليم،إذ إنّ تطبيق هذه السياسات من شأنه أن يؤدي إلى تحصيل الإيرادات الضريبية والحد من الإنفاق لاسيما دعم الوقود، فضلاً عن تحديد أولويات الإنفاق الإنمائي.

وأضاف أنّه يمكن تبرير كل هذه الإجراءات في حد ذاتها بغض النظر عن القيود المفروضة على الميزانية .. أولا: قُدر الإيراد الضريبي (باعتبار أن هذا الإيراد من الإيرادات غير النفطية للناتج المحلي الإجمالي) في سلطنة عمان بنحو 5ر5 بالمائة في عام 2013م، ورغم أن هذه النسبة تُعد الأكثر نسبيًا مقارنة بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، إلا أنّ هذه النسبة هي الأقل بالمقارنة مع الدول الأخرى المصدرة للنفط مثل إندونيسيا والمكسيك التي تفرض ضعف معدل الضريبة في سلطنة عُمان. وبالنسبة للسلطنة، فإنّ هنالك إمكانية كبيرة لرفع معدل الضريبة مع مرور الوقت.

وأشار مصطفى رويس إلى أنّ أدوات السياسة الضريبية الرئيسية تتمثل في زيادة التحصيل الضريبي من خلال مراجعة الإعفاءات والإعفاء الضريبي الذي أشارت إليه ميزانية عام 2016م، وتوسيع القاعدة الضريبية من خلال فرض ضريبة القيمة المضافة وضريبة الإنتاج بالإضافة إلى فرض ضريبة على الملكية ودخل الفرد.

وتعتبر المخاوف حول مدى تأثير هذه الضرائب على القدرة التنافسية مشروعة، وفي المقابل سيكون لهذه الضرائب نتائج إيجابية في المدى البعيد على استقرار وضع الاقتصاد الكلي والذي يُعد شرطًا أساسيًا للاستثمار والنمو.

ثانياً: هنالك ما يكفي من الأدلة على الصعيد العالمي على أن دعم الطاقة تترتب عليه تأثيرات اقتصادية واجتماعية، إذ إنّ دعم الطاقة يتسبب في تزايد حدة اختلال التوازن المالي ومزاحمة أولويات الإنفاق العام والتأثير على توزيع الموارد من خلال تشجيع الإفراط في الاستهلاك، ناهيك عن تعزيز الصناعات ذات الكثافة الرأسمالية وتسريع نضوب الموارد الطبيعية بالإضافة إلى أن دعم المحروقات يُفيد الفئات الغنية أكثر عن غيرها.

وأشار في هذا الصدد إلى أنّ الإجراءات المتخذة في ميزانية عام 2016م برفع الدعم عن الوقود يأتي في المسار السليم، حيث بلغ دعم الوقود 4 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي في عام 2014م.

ثالثاً: اتسمت المصروفات الحكومية حتى عام 2014م باتجاهات تصاعدية في كافة أوجه الإنفاق لاسيما مصروفات الرواتب والأجور والدعم وقطاع الدفاع من حيث القيمة المطلقة والنسبية، ولهذا فإنّ القيام باحتواء المصروفات المذكورة في نطاق مستويات مقبولة باعتبارها حصة في الناتج المحلي الإجمالي (خصوصا الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي) وبما يتماشى مع مستوى إيرادادت الدولة يُعد من السياسات الحكيمة.

كما أن برنامج تحديث نظام الموازنة الجاري العمل به بدعم من البنك الدولي يُبشر بالخير تجاه تحسين تخصيص الموارد وكفاءتها وسيكون أمرًا في غاية الأهمية ومكملًا لبرنامج تحديث الموازنة في حال مراجعة المصروفات العامة وإعداد موازنة استثمارية دوارة بحيث تتم مراجعتها سنويًا وتجديدها لمدة ثلاث سنوات قادمة، كما أن هذه الإجراءات وضعت في نطاق تصور موازنة عام 2016م والخطة الخمسية التاسعة.

وقال مصطفى رويس إن الإجراءات المتخذة الرامية إلى تصحيح الأوضاع المالية العامة في السلطنة تعتبر إجراءات ضرورية لا مفر منها، ولكنها في ذات الوقت غير كافية لتقليل شدة الاعتماد على إيرادات النفط ولهذا يتعين إجراء تحسينات هيكلية في بعض المجالات منها التعليم وسوق العمل والخدمة المدنية والتخصيص إلى جانب تحسين مناخ الاعمال التجارية من أجل تعزيز تنمية القطاع الخاص والتنوع الاقتصادي.

وتطرق الى المجالات المرتبطة بالتخصيص ومناخ الاعمال التجارية حيث قال إن الهدف الرئيسي من التخصيص هو تحقيق كفاءة عالية واداء أفضل في الشركات المملوكة للحكومة. نظريًا، لا يوجد فرق بين شركة حكومية وخاصة طالما أن كلتا الشركتين تعملان في سوق تنافسي خال من الحواجز التي يمكن أن تعترض دخول الشركة إلى السوق أو خروجها منه، ومن الناحية العملية فإنه لا يمكن تكييف أحوال السوق أو عملية تطويره بما يتماشى مع التوجهات السياسية أو المصالح المكتسبة.

وتشير التجارب الدولية إلى أنه بصورة عامة تتفوق الشركات الخاصة على الشركات الحكومية من حيث الأداء.

وأضاف أن هناك غيرها من الأهداف المهمة التي تصاحب برامج التخصيص، ومن أهم هذه الأهدف ما يتعلق بالجانب المالي والمتمثل في التخلص (إن لم يكن الحد) من الدعم المالي المباشر وغير المباشر الذي يثقل كاهل ميزانية الدولة الموجه للشركات الحكومية، فضلًا عن كسب بعض الموارد المالية من عملية الخصخصة. وتسلم الموازنة والخطة الخمسية بأهمية الخصخصة من خلال وضع تصور انتقائي، إلا أن هنالك حاجة لوضع تصور منهجي أكثر شمولية يشتمل على جميع الشركات المراد خصخصتها على أن يحتوي على جدول زمني واضح ومحدد.

وأشار إلى أنه في الوقت الحالي، هنالك نحو 60 شركة حكومية، عدد قليل منها فقط يستحوذ على النسبة الأكبر من الاستثمارات التي أغلبها يعمل في قطاعي النفط والنقل، بينما الشركات الأخرى تعتبر صغيرة ومتوزعة على العديد من الأنشطة.

وقال الخبير الاقتصادي الدولي إن تصنيف وأداء السلطنة في المؤشرات العالمية المرتبطة ببيئة الأعمال التجارية، لاسيما تقرير القدرة التنافسية العالمي الذي تراجع فيه تصنيف السلطنة بمعدل 29 مركزًا خلال ثلاث سنوات فقط، فضلًا عن تقرير ممارسة أنشطة الاعمال الذي تراجعت فيه السلطنة أيضًا بنحو عشرة مراكز يوضح أن هناك ثمة حاجة ماسة لقيام الحكومة باتخاذ إجراءات فعلية في هذا الجانب.

وأضاف أنه حسب ما جاء في تقرير التنافسية العالمي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، فقد أورد التقرير المجالات التي يوجد بها العديد من أوجه القصور وهي مجالات تنمية السوق المالي وبيئة الاقتصاد الكلي وتطور الأعمال التجارية والابتكار وسوق العمل.

في حين أشار تقرير ممارسة أنشطة الأعمال الصادر عن البنك الدولي إلى أن لدى السلطنة بعض أوجه القصور المتمثلة في إمكانية الحصول على الائتمان وتسوية حالات الإعسار المالي وتطبيق العقود. لهذا فإنّ القيام بمعالجة جوانب القصور سالفة الذكر بجانب إجراء التطوير الهيكلي الذي سبق ذكره من شأنه وبلا شك أن يؤدي إلى تحسين المناخ الاستثماري، وبالتالي تحقيق النمو الاقتصادي وإيجاد المزيد من فرص العمل.

واختتم الخبير الاقتصادي الدولي تحليله بالقول إنّ تراجع أسعار النفط يتيح الكثير من الفرص أمام الحكومة للبدء في إجراء تحسينات هيكلية ومالية أكثر عمقاً بناءً على الإجراءات المالية المتخذة في الميزانية الحالية وميزانية العام الماضي. ومع مرور الوقت، ستكون هنالك حاجة في فصل الميزانية العامة عن تقلب أسعار النفط، بالإضافة إلى إجراء توازن سليم بين دور الحكومة والقطاع الخاص.

تعليق عبر الفيس بوك