متى تصبح مقابلة الوزير أمرًا ميسورًا؟

د. محمد بن سعيد الشعشعي

عندما تريد مقابلة وزير ما لموضوع في غاية الأهميّة، ماذا عليك أن تفعل أو بمعنى أدق ما هي الخطوات التي تتبعها حتى تقابل ذلك الوزير وتشرح له الموضوع مباشرة في مكتبه لاعتبارات منها، أولا أنّ الوزير يعتبر ضمن السلطة التنفيذية ولديه صلاحيّات وفق ضوابط ولوائح الوزارة التي شرف بحمل بحقيبتها الوزارية ومنح الثقة السامية من عاهل البلاد - حفظه الله ورعاه-.

ثانيا: لأنّ الموضوع هام وعاجل وتريده أن يصل لمن لديه الصلاحيّة ليكون التوجيه فيه سريعًا ووفق أسس قانونية واستثنائية إن لزم فيها الاستثناء.

ندرك تماما أنّ أغلب الوزارات بها مكاتب الإدارة والتنسيق بمكتب الوزير ودوائر لخدمة المراجعين وهذه الإدارات معنية بآليّة الدخول على معاليه وتحديد المواعيد وفق جداول زمنية واعتبارية، وكذلك استقبال الطلبات من المواطنين وإحالتها لجهات لاختصاص داخل الوزارة أو خارجها، وفي مقالنا اليوم لن ندخل في عمل هذه الإدارات لأنه لا يعنينا كثيرًا وقد نتطرّق له بشيء من التفصيل في مناسبات أخرى.

الموضوع في حالة إنّ المواطن لديه حالة مستعجلة أو ظرف طارئ أراد أن يصل به إلى الوزير المختص في أسرع وقت ممكن ماذا عليه أن يفعل؟ يطرق باب هذه الإدارات الآنفة الذكر أو يذهب مباشرة إلى مكاتب الوزراء لطلب المقابلة السريعة، أو يترصّد الوزير عند موقف سيّارته بالوزارة منذ الصباح الباكر في اُسلوب غير حضاري ولا حتى مقبول اجتماعيًا أو أخلاقيا أمّا بالنسبة للإدارات المعنية فإنّك لا تفاجأ إذا أتاك الرد من قبل موظفيها، ماذا تريد من الوزير، وماذا عندك، ولماذا تريد مقابلة معاليه... إلخ فتنهال عليه التساؤلات حتى يصبح المراجع في حيرة من أمره ومع نفسه ويراوده الشك في أن يفصح بما عنده عند هؤلاء وحينها قد لا يحصل على المقابلة، لكن في كلتا الحالتين سوف يوجه المواطن إلى دائرة خدمة المراجعين على أن يطلب المقابلة بمذكرة رسميّة وفق التسلسل وحينها تعود إلى خطة البداية

وماذا تريد من الوزير ولا تتحقق مطالبة مقابلة الوزير مباشرة ودون أي تأخير وهذه قضية اعتقد أنها بحاجة إلى حل؟!

موضوع المقابلة لا يريد المواطن شرحه وتسريبه عند تلك الإدارات لأنه يعرف أنها ستتخذ إجراءات روتينية لا أن نقول أنّها معقدة ولكنّها بطيئة، وقد تفقد الموضوع أهميته، تلك لا نريد أن نلقي عليها اللوم أو نأخذ بحججها ونعفيها خاصة إذا ما كادت عليك دهاءً ومكرًا، كما أنّها وبكل بساطه تستطيع أن تلمع بريقك عند معاليه أو تطفئ بغمضة عين نورك وسراجك الوهّاج المنيّر.

الإفصاح بكل ما عندك إذا أردت أن تقابل بعده لن تحصل على مبتغاك الذي تريد كما أن دوائر خدمة المراجعين في أغلب الوزارات لم تقم بالعمل المطلوب منها على أكمل وجه وبما فيها مهام مقابلة الوزير، قال لي أحد الأصدقاء إذا أردت أن تقابل وزيرًا عندنا فما عليك إلا أنّ تغرد تغريدة واحدة عبر قنوات التواصل الاجتماعي وتوجهها مباشرة إلى من تريد من الوزراء وبعدها بساعات سوف تتصل بك إدارات مكتب معاليه وتقول لك لقد حدد لك موعد لمقابلة الوزير وبشكل عاجل، لكنني رديت عليه بأنّ هذا ليس بأسلوب راق كما أنني لا أفضله وله تبعاته القانونيّة ولا نريد أن تكون المقابلة بهذا الأسلوب ولكننا نبحث عن آلية أخرى للجميع وبأسلوب حضاري، ومنها مثلا لقد عمدت بعض الوزارات إلى إمكانية توفير الخدمات للمواطنين عبر شبكة الوزارة ومنها طلب مقابلة الوزير لكنّها لم تنجح لكثرة مرتاديها حتى إنّ الوزير لم يعد يتمكّن من الاطلاع عليه نظرا لانشغالاته وارتباطاته المتواصلة وإذا ما أسند العمل الإلكتروني لإدارته عمل لها فلترة واستبعاد وفق العمل الإداري البيروقراطي المعمول به.

في مطلع التسعينيات من القرن الماضي حاول أحد موظفي الوزارة مقابلة وزيره عبر مكاتب التنسيق وهو يحاول لمدة ثمانية أشهر دون أن يتحقق له ذلك ومن ثمّ ذهب إلى منزل معاليه، وانتظر الوزير عند باب المنزل فوقف له الوزير وتحدث معه طالبًا مقابلته فقال له الوزير تمر علينا غدا، وفي الصباح الباكر اتصل بي المنسق نفسه الذي كان قد أخرّه كل هذه المدة، وقال له ممكن تشرفنا في مكتب معاليه وتمّ اللقاء، وهذه أيضًا طريقة لكنّها لا ترقى إلى مجتمع متطور يطمح أن يساير العصر وضرورات الالتزام بالنظام والبعد عن العشوائية غير السليمة.

إذا ماذا نصنّع حتى نقابل الوزراء؟! سوْال يظل محيّرا بعض الشيء إذا لم نجد الإجابة عنه لكنّه ليس مستحيلا.

اقترح أن تكون هناك إدارة خاصة ذات استقلال إداري ومالي تتبع مباشرة مجلس الوزراء وتختص بتحديد مواعيد مقابلة الوزراء في المواضيع الهامة أو الضرورية أو الطارئة التي تحتاج إلى قرار أو معالجة سريعة وأن تتولى هذه الإدارة المتابعة والتقييم، لكل الوزارات، وطبعا لا تستقبل هذه الجهة كل غث وسمين فمعاملات الأمور الخدماتية والحياتية الروتينية، والمراجعات اليومية من اختصاص هذه الوزارات والوحدات لكن إذا ما حدث تقصير أو إشكالية فإن هذه الإدارة بمثابة تقييم للمسار السليم الذي ينبغي له أن يكون ولا ينحرف عنه المعيار إلا سهوا؛ وحينها قد تكون الآلية ناجحة إذا ما قننت بالشكل المطلوب.

ومن هذا المقال استثني بعض الوزراء بالرغم من ارتباطاتهم ومشاغلهم المستمرة داخل وخارج البلاد لكبر حجم وزاراتهم وخدماتها المتعددة والتي تعنى بشريحة عريضة من المجتمع إلا أنهم يخصصون وقتًا منتظمًا ومقننًا لمقابلة المواطنين، وهولاء معروفون بالاسم ومن سياق القول ولا داعي لذكرهم ولهم منا كل تحية وامتنان.

تعليق عبر الفيس بوك