أنا قارئة الكتب المحمية من الدعايات!

ليلى البلوشيَّة

أنا القارئة التي لا أحب وصايا الكتب، لا أحب أن يطلب مني الآخرون قائمة لأسماء كتب عليهم قراءتها أو حتى يُبدوا لي نصائحهم بشأن كتب عليّ قراءتها، لا أريد أن يُنبّهني الآخرون لقائمة الكتب الجيدة أو تلك الرديئة منها، أؤمن بأن على القارئ أن يجد كتبه بنفسه، أن يخوض تجربة اكتشاف عناوين جديدة، أن يسير بثقة إلى حيث يقوده حدسه، عليه أن يختبر ذوقه. ما المشكلة في قراءة كتاب ممل أو غير شائق؟! ما المشكلة أن نفشل في شراء كتاب جيد؟! ما المشكلة في أن ندفع من مالنا الخاص لشراء كتاب مكانه القمامة، كتاب نندم على تبديد مالنا عليه؟!

ألا يحدث كثيرا أن نشتري رداءً لا يناسب مقاسنا أو حذاءً نكتشف بعد برهة قصيرة من الزمن أنه رديء الصنع؟ بل لنتعمَّق في المسألة أكثر، لِنعْبُر من الأشياء المادية إلى الأشياء المحسوسة، تلك التي تكلِّفنا حقا، ألا يحدث مرارا أن نفشل في علاقة (حب/ صداقة/ زواج) مع الآخرين؟! أن نتخبّط مع الذين تربطنا بهم كتل من المشاعر البشرية وندفع مقابل خوضنا هذه العلاقة، هذه التجربة، هذه المغامرة، عمرنا المدخر؟!

لماذا إذن نخشى من الكتب، من مواجهتها، من قراءتها، من اقتنائها؛ لنخض هذه التجارب، لنخضها فحسب، هذه التجارب التي تدخر لنا عمرا مديدا من النضج.

أنا القارئة التي لا تهمني قوائم أكثر الكتب مبيعا، لا أقتني عادة كتابا تحدثوا عنه بكثافة في مواسم الضجة، انطباعاتهم الصاخبة تشوّه أفكاري، تلطّخ ذوقي حين يفرضها الرأي العام عليَّ، هذه النوعية من الكتب أقتنيها حين ينساها الآخرون، حين يكونون قد شبعوا منها ومن سيرتها، ها أنا أعترف بأنني لم أقرأ بعد رواية "بنات الرياض" التي أحدثت دويا هائلا في عام صدورها، حاولت مرارا أن أتصالح معها كقارئة، ولكن في كل مرة تقفز تلك الضجة إلى رأسي فتشوّه انطباعي وتردحها بعيدا!

عليَّ أن أعترف أن رواية "عزازيل" للروائي المصري يوسف زيدان لم أستطع نبشها رغم وجودها على رفٍّ بارز من مكتبتي إلا بعد مرور أربع أعوام على فوزها، بعد أن سكنت الجدالات حولها، حتى الروائي الحائز على نوبل نجيب محفوظ قرأته متأخرا؛ وهذه حال معظم الكتب التي حازت على جوائز وتلك التي يبالغون في الترويج لها، بعض الكتب تفقد قيمتها حقا بكثرة التحدث عنها أو بطريقة التحدث عنها، هذا الانتهاك اليومي لها من الصحف والمجلات، ومن مواقع التواصل الاجتماعي، ومن الحسابات الشخصية يجعلها مستهلكة، كأنها سلعة للشراء لا للتغذِّي الفكري والنفسي. قد يكون هذا الكتاب وصاحبه محظوظين بهذا الاهتمام الكبير، هما محظوظان بلا شك، ولكنه يظل الكتاب سيئَ الحظ لديَّ؛ لأنه لن يجد طريقه سريعا إلى رفوف مكتبتي، أكتفي برؤيته من مكانه على قائمة الأكثر الكتب مبيعا، وأرى كم هو مدلل من قبل القراء العابرين، أشهد كل خطوات بريقه، حماس الجمهور لنيل نصيبهم منه، لكنه لا يلفت نظري لحظتئذ، وعليه أن ينتظر حتى تخبو الضجة من حوله لأحصل عليه، أتلهَّف للكتاب الذي لا يعرفه الآخرون، لم يكتشفوه بعد، كتاب محميٌّ من الدعايات الضخمة، كتاب أكشفه أنا للآخرين، أنا القارئة النهمة، القارئة الأنانية!

أنا القارئة التي لا تقرأ مُقدِّمات الكتب، أراها مملَّة، إنها تحاول خداعي لتحرق الحكاية وتقتل لهفتي، ثرثرتك أيها المترجم عن الرواية التي قمت بترجمتها لا تهمني بل تضجرني، وغالبا أنا أتفاداها كما لو كنت أتفادى مطبًّا، لا تكتب مقدمة لحكاية الكتاب الذي ترجمته لنا، بل اكتب لنا شيئا لا نعرفه، شيئا عن الكاتب لم يرد في الكتاب الذي نقلته لنا، شيئا يفاجئنا، يشعرنا بجهودك الجبارة، تذكر دائما الكتاب لا يحتاج لمقدمات تقليدية مستنسخة من حكايتها، كل ما يحتاجه الكتاب هو أن تهديه لصديق يقرأ، هذا القارئ هو من سيكتب نيابة عنك وبأسلوبه مقدمة الكتاب الذي يطالعه، ومع الزمن ستقرأ مقدمات شتى لها مذاق قرائها، الكتاب الجيد هو الكتاب الذي يحرضنا على الكتابة عنه حال انتهائنا منه، عادة الكتب التي أسجل أفكاري عنها لا انتهي منها، تظل تسكنني، تزورني شخصياتها باستمرار، يحدث كثيرا أن تكون شخصياتها أقرب إلي من أصدقاء الواقع، تمتد بيني وبينهم علاقات ودية، أخون من أحبهم معهم، أحبهم كافتراضيين لطفاء، أدعوهم لارتشاف القهوة أو السير على شاطئ وحيد، وفي أغلب الأحيان التقط سيلفي معهم كما لو أنهم عشاق مرتقبون!

Ghima333@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك