ليستر.. حكاية خارج النص

حسين الغافري

 

(١)

سابقاً لم تكن لكرة القدم قيمة مادية طائلة مثل الذي تعيشه اليوم في ظل المتغيرات الحديثة من نقل تلفزيوني وحقوق رعاية؛ وتسويق؛ واستقطاب نجوم؛ وغيرها من الأمور التي فرضها الاحتراف أمراً لا طوعاً.. لم يكن فيما قبل مستغرباً أن يتسلل لقب بطولة ما لفريق من المغمورين أخذهم الحماس والصبر وعوامل متفرقة في إحداث حدث شاذ .. وصناعة المجد. في يومنا المعاصر بات ذلك حدثاً فارقاً في مُشاهدة أحد الأندية الصغيرة - إن صح الوصف - يُحلق عالياً مُزاحماً عمالقة الأندية التي أشتهرت بأن لا تعرف طريقاً غير الطريق الذي اعتادت عليه.. وهو القمة والألقاب. على سبيل المثال، أين هيلاس فيرونا الإيطالي وإنجازاته الثلاثة في تحقيق الكالتشو في عشرينيات وثمانينيات القرن الماضي .. أين كالياري وبولونيا والبقية التي قد نستغرب كيف أنّهم تسللوا غفلةً إلى المراكز المتقدمة. أين ديبورتيفو وكَسره احتكار قطبي العالم وإسبانيا بدايات القرن الجديد. أين بلاكبيرن روفرز ونيوكاسل في بلاد الإنكليز. لم تعد الكرة كسابق عهدها. المعطيات تغيرت وبون الفوارق صار واضحا للغاية وضيق في آنٍ واحد من حيث رؤية أبطال جُدد لم نعتد على عليهم يصنعون الجديد. الكرة لم تعد تديرها مسائل الفوز والخسارة وحدها .. أصبحت أبعد عن ذلك كله.. الفوز أصبح لزاماً والمراكز الأولى أصبحت إجبارية لاعتبارات اقتصادية تقودها المادة.

 

(٢)

بالنظر إلى الأعوام السابقة فلا حدث هناك شدّ الانتباه أكثر من وصول كوريا الجنوبية إلى دور نصف النهائي من مونديال كرة القدم الذي استضافته سوية مع الكمبيوتر الياباني.. وصول الكوريين كان نتاج عمل دؤوب وجهد واضح.. وحظ كوريا بوصولها إلى المربع الذهبي كسبت الشيء الكثير بانتشار اللعبة أقطار واسعة في أراضيها، أيضاً كسب لاعبوها فرص للاحتراف في القارة العجوز ونهضت الكرة الكورية نهضة غير مسبوقة وذلك لاعتبارين: استضافة كأس العالم والنتائج التي تحققت بعمل وسياسة واضحة، بعد سنتين من إنجاز الكوريين حدث الإنجاز الأكبر من اليونانيين في يورو البرتغال 2004. اليونان حققت اللقب الوحيد وأقصت كبار القارة العجوز ولعلّه ذلك كان آخر الإنجازات للأندية والمنتخبات التي لا تملك الزخم الكبير. اليوم، ومع ما يقدمه ليستر سيتي في الدوري الإنجليزي الممتاز يبشرنا بشارة استعادة ذكريات الزمن الجميل في متعة كرة القدم، وأنّ كرة القدم ومع تغييرها إلا أنّها تملك من المفاجأة ما يكفي لإحداث حكايات "خارج النص المعتاد". الفريق وبأسماء لا تملك الشهرة التي تملكها أندية الصفوة وبقيادة الإيطالي رانييري مع ذلك يحقق نتائج عملاقة ويكسب احترام وتعاطف الجميع. الفريق طيلة موسم كامل في عامه الماضي حقق ما مجموعه 41 نقطة في المركز الرابع عشر، واليوم بعد مرور عشرين جولة حقق 40 نقطة بمركز وصيف يصارع فيه اللقب مع عمالقة الكرة الإنكليزية. مع كل ذلك، نمني النفس بأن يستمر ليستر سيتي في صراعه والذهاب بعيداً في المباريات المتبقية.. هي ليست مسألة سهلة والحظوظ تبدو أصعب وأثقل ولن تكون كما حدثت حتى اليوم.. مع ذلك الفريق كسب احترام الجميع، وإن حقق اللقب أو تأهل على الأقل لبطولة الأبطال الأوروبي فهو إنجاز فعلي يستحق الإشادة، مع ذلك فالحيتان الكبيرة أصبحت تتقرب من لاعبي الفريق وقيمتهم المالية في تصاعد ومن شبه المؤكد أنهم لن يظلوا طويلاً!.

تعليق عبر الفيس بوك