المراكز التجارية وتنمية الوعي الثقافي

يونس النعماني

يُعرِّف تايلور الثقافة بمعناها الأوسع بأنها: "ذلك الكل المركب الذي يشمل المعرفة، والمعتقدات، والفن، والأخلاق، والقانون، والأعراف، والقدرات، والعادات الأخرى، التي يكتسبها الإنسان باعتباره عضواً في المجتمع". فالثقافة مفهوم يرتبط بالمجتمع، فهي -حسب تعبير تايلور- التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضواً في المجتمع، والاكتساب من المجتمع عملية مستمرة لا نهاية لها ولا توقّف، وتحصل بوعيٍ أو دون وعي، برغبةٍ أو دون رغبة، ومن الصغرِ إلى الكبر.

ولما كانت الأسواق جزءاً من المجتمع، فقد تطوَّرت بتطور المجتمع؛ لذا عرف الإنسان التجارة بعد أن استقر، مؤسِّسا ما يُسمى "المجتمع الزراعي"، وارتبطت الأسواق بالشعر والأدب فاشتهرت به كسوق عكاظ ودبا وصحار...إلخ؛ وبالتالي تتضح وشائج القربى بين الاقتصاد والثقافة، فعندما حدثت الثورة الصناعية في أوروبا في القرن الثامن عشر واكبها ظهور حركة التنوير في فرنسا؛ مما أدى لتنامي حركة التمدن، وبناء مجتمعات صناعية متشابهة ثقافيا وفكريا.

ومن ذلك نستشف أنه من الممكن أن يكون للمجمعات التجارية في حياتنا المعاصرة دورٌ كبيرٌ في الثقافة؛ باعتبارها جزءاً من المجتمع، ذلك الكل المركب. ومما يُلفت النظر على سبيل المثال في ولاية المصنعة الدور الثقافي الذي يقوم به مجمع الهدابي -رغم حداثته- حيث إنه، ومنذ بداية تأسيسه في يونيو 2015 عمل على احتضان فعاليات ثقافية تنوعت بين الأمسيات الشعرية، والمعارض الفنية، ومعرض للكتب، وحملات للتبرع بالدم، وأخيرا تكريم المجيدين في الأنشطة الاجتماعية والرياضية في الولاية، وبهذا فهو يسهم في خلقِ جيلٍ مثقفٍ، منفتحٍ على الأفكارِ. يأتي هذا الدور في غياب بعض المؤسسات الحكومية، ومؤسسات المجتمع المدني المدعومة من الحكومة التي من المفترض أن تقوم بالأدوارِ المنوطةِ بها، ولا يخفى على أحدٍ دور نادي المصنعة المتواضع جداً في هذا الجانب، والذي نأمل منه القيام بأنشطة ثقافية اجتماعية تخدم سكان هذا الولاية الغنية بالشباب المتحمس للعمل الثقافي والاجتماعي وما أكثرهم!

وفي هذا الصدد، لا بد من كلمة شكر للقائمين على إدارة هذا المجمع على جهودهم في دعم الثقافة، ورفدها بالعديد من الأنشطة المجتمعية، وأتمنى أن تستمر هذه الجهود المضيئة؛ خدمة لوطننا العزيز، ومن الواجب على الأفراد دعم هذه الأنشطة؛ لما لها من دور إيجابي في تنمية الفكر، كما نثمن عالياً الدور الذي تقوم به المبادرات والجمعيات الأهلية ومنها: جمعية المرأة العُمانية بالمصنعة على دورهم البنّاء، وتعاونهم المثمر مع جميع المبادرات في الولاية، ومؤسسة دروازة على جهودهم الحثيثةِ في خدمة الولاية، وأبارك لهم فوزهم كأفضل المبادرات المجتمعية على مستوى السلطنة، وكذلك فريق روافد الذي له نشاط يستحق الإشادة فعلا؛ لما يقوم به من دورٍ ريادي في الأنشطة الثقافية والاجتماعية، وفريق المصنعة التطوعي لخدمة المساجد، تلك المبادرة الرائعة جداً، والتي تهتم ببيوت الله، ولا ننسى صندوق الزكاة بالولاية التابع لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية الذي يُدار بإدارةٍ أهليةٍ تطوعيةٍ، هذا الفريق الذي يقوم بدورٍ ملموسٍ في العملِ الخيري والاجتماعي بالولاية، فلهم منا كل الشكر والتقدير. وأخيرا شبكة المصنعة الثقافية التي شهادتي بها مجروحة كوني أحد أعضائها، ونسأل الله أن يكلل هذه المساعي بالنجاح والتوفيق.

كما أنَّ هناك بعضَ الفرق الأهلية التي تستحق الإشادة مثل فريق الطريف الرياضي الثقافي الذي يقوم بأنشطةٍ ثقافيةٍ مميزةٍ، تدعم العمل الثقافي في الولاية، هذا الفريق الذي لم يركز فقط على كرة القدم، بل تعداه إلى العمل التطوعي ودعم جمعية رعاية الأطفال المعوقين بالمصنعة، التي تستحق أن نلتفت إليها صدقاً؛ لما تقوم به من خدمة لأطفالنا وابنائنا، فكانت مبادرة فريق الطريف رائعة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى في فعاليتهم الأخيرة التي كرست معنى العمل الجماعي، وضربت أروع الأمثلة، التي يجب أن يحتذى بها.

ما أردتُ قوله في هذا المقال، وعلى عجالةٍ: أن الكل شريك في خدمة المجتمع، الكل يساهم في رقي وطنه، وخدمة ترابه، في كل المجالات وعلى كافة الصُّعُد، وعلى والمراكز والمجمعاتِ التجاريةِ أن تساهم في خدمة المجتمع، وتقديم الدعم مادياً كان أم لوجستيًّا.

تعليق عبر الفيس بوك