هل نحن بحاجة إلى وزارة لتطوير التعليم؟ (6-9)

الاهتمام بالموهوبين والشراكة بين القطاع الخاص والوزارة

مرتضى بن حسن بن علي

15- دراسة الفوائد المتأتية من إطالة السنة الدراسية واليوم الدراسي والنظر في عدد الساعات التي يقضيها المدرس في المدرسة. وتشير دراسات وأبحاث عديدة إلى أن إطالة السنة الدراسية واليوم المدرسي وزيادة عدد الساعات التي يقضيها المدرس في المدرسة، تزيد من فاعلية العملية التعليمية؛ مثل العناصر الأخرى كجودة المعلم والحد من عدد الطلاب في كلِّ صف والعناصر الأخرى التي سبق وأن أشرنا إليها. كما تشير الدراسات إلى أن تلك الإجراءات التي طُبِّقت في أغلب الدول الآسيوية، دفعت الطلاب لتحقيق نتائج أحسن. كما تُشير دراسات أخرى إلى أن دولا مثل الولايات المتحدة الأمريكية والسويد، جعلت من إطالة اليوم الدراسي والسنة الدراسية حجرَ الزاوية لإعادة هيكلة نظمها التعليمية.

16- إجراء دراسة في كيفية وقف -أو على الأقل تقنين- الهدر المالي التعليمي. وهناك نوعان من الهدر: المباشر وغير المباشر. غير المباشر يتمثَّل أساسًا في نوعية التعليم المتبع من حيث مدخلاته ومخرجاته ونسب التسرُّب والترسب، وهي النقاط التي سبق لنا وأن تطرَّقنا إليها. أمَّا الهدرُ المباشر، فيتمثل في الإشكاليات الموجودة في بعض المناقصات التي تطرحها الوزارة، وأيضا بعض المشتريات التي تقوم بها، إضافة إلى ذلك قد تحصل أنواع أخرى من الهدر مثل ما قد يحصل في الكتب المدرسية وطباعتها وشراء الأثاث المكتبي والمدرسي والاحتياجات الأخرى من مختلف المواد. طريقة التخزين هي الأخرى قد تحتاج إلى إعادة النظر فيها عن طريق تحويل إدارة التوريدات والمخازن، من نظام تقليدي غير آمن إلى نظام أكثر أمانا؛ وذلك عن طريق استعمال نظم الجهاز الآلي.

هنالك أيضا الهدر المتمثل في بنود السفر وحضور المؤتمرات وإقامة الندوات، إضافة إلى إعداد المديرين والموظفين الفائضين عن الحاجة. المركزية الشديدة للإدارة التعليمية كما في الإدارات الأخرى، وتدنِّي فعالية وكفاءة بعض الموظفين والافتقاد إلى أنظمة للمساءلة والتقويم الدقيق وغياب مفهوم الجزاء والثواب، تسبِّب أمراضًا بيروقراطية تؤدي إلى الفساد وانعدام روح المسؤولية وتنمِّي الاتكالية والتي تؤدي بدورها إلى خلل في التوازن الوظيفي في العملية التعليمية. هناك أيضا نظام للمواصلات كثُر الحديث عنه ويحتاج إلى إعادة النظر فيه.. كلُّ ذلك يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الطالب.

17- دراسة مَنْح كل طالب يرغب في التعليم في المدارس الخاصة، مبلغا من المال يُعادل نصف ما يُكلِّف الوزارة. وإجراء من هذا القبيل سوف يساعد على تقليل الضغط على وزارة التربية والتعليم، ويقلل من حاجتها إلى مزيدٍ من الأموال أو استعمال تلك الأموال لإجراء تحسينات نوعية في التعليم، كما سيساعد على إعطاء أولياء الأمور حرية أكثر في الاختيار، ويؤدي إلى إنشاء مزيدٍ من المدارس الخاصة ذات التعلم الجيد وزيادة المنافسة بينها، والموضوع كان من ضمن توجُّهات الرُّؤية المستقبلية لعُمان 2020.

18- النظر في كيفية زيادة التنسيق بين وزارة التربية والتعليم والقطاع الخاص، وتحديد الفجوة الموجودة في التكامل بينهما، وتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في التعليم الجيد ذي مواصفات محددة، وتقديم مزيد من التسهيلات للقطاع الخاص للوصول إلى ذلك، وتحديد الآليات واقتراح الإستراتيجيات لتفعيل التعاون في الجوانب المالية والكوادر البشرية.

19- دراسة السبل المؤدية إلى قيام شراكة حقيقية بين الوزارة والمدرسة والأهالي في العملية التعليمية والتربويه؛ إذ إنَّ تلك الشراكة سوف تؤدي إلى تحقيق الهدف الرئيسي للمدرسين والأهالي، وهو نجاح الطلاب، كما تُشكِّل شراكة الأهالي في تربية أولادهم، كأهالي وأعضاء في المجتمع، فرصة مهمَّة للشراكة المجتمعية وفي بلورة الأفكار لأبعاد التعليم المطلوب وعن أسباب ذلك، ولتقليل الميل الطبيعي عند الإنسان لمقاومة التغيير. ولكن علينا أن نُدرك أيضا أنَّ تلك الشراكة قد تنطوي على فرصة كبيرة ولن تخلو من بعض المخاطر. لذلك لابد للأهالي أن يُدركوا حدودَ تلك الشراكة من حيث أنه بقدر ما يحق لهم إبداء الرأي، لن يحق لهم إملاء أي إجراءات. وعكس ذلك، فإنَّ العملية سوف تتحوَّل إلى فوضى. الصلاحية التعليمية والتربوية يجب أن تبقى من حق طاقم المدرسة، وعلى الأهالي والطاقم التربوي إدراك أنَّ مفتاح النجاح يكمُن في قدراتهم على التعاون معا وإقناع الأهالي بأسباب التغييرات والحفاظ على الصلاحية المهنية للطاقم التعليمي؛ سواء في رياض الأطفال أو في المدارس.

20- التفكير الجدي لإيجاد مدارس نموذجية للموهوبين. أدرك تماما أنَّ هذا الموضوع قد يُثير عددا من التساؤلات والحساسيات. ولكن ليس هذا الموضوع بجديد، وكان يحصل في عدد من الحضارات السابقة أيضا، كما هو مُطبَّق في عدد من الدول؛ حيث يتم الاهتمام بالموهوبين عن طريق إيداعهم في مدارس خاصة (المدارس النموذجية).

وعِلَّة ذلك أنَّ الله خلق البشر مُختلفين عن بعضهم البعض في ميولهم واتجاهاتهم وعواطفهم، في ألوانهم وفي أشكالهم، في إمكانياتهم وقدراتهم العقلية والجسدية. وفئة الموهوبين في أي مجتمع قليلة؛ لذلك فمن الضروري إعطاء هذه الفئة أحسن الفرص وأفضلها. ومن الصعب التصوُّر أنَّ الاهتمام بالموهوبين يمثل أيَّ تمايز. التمايز يكون في الحقوق والواجبات والفرص المتاحة. والمدارس والكليات تكرِّم الأوائل، وكذلك الشركات تكرِّم المنتجين والمتميزين من موظفيها، والحكومات تجري مسابقات عديدة وتكرِّم المتميزين من الأفراد الذين قدموا خدمات متميزة والشركات في حقول متميزة، وكثير من الآباء بمن فيهم بعض المسؤولين يودعون أبناءهم في مدارس خاصة للحصول على تعليم متميز يتناسب مع قدراتهم وإمكانياتهم.

يجب أنْ لا يغيب عن بالنا أننا نتكلَّم عن التنمية البشرية بمنظارها العملي الأوسع، والإخفاق في الحصول على طبقة رائدة من الأشخاص الذين سوف يقع عليهم عبء قيادة التنمية، سوف يُؤثر على الاقتصاد المستقبلي. وحيث إنه لا توجد طريقة سريعة أخرى يمكن اتباعها؛ فسوف يعتبر هذ الإجراء معقولا، بل مطلوبا، إنَّ مسؤولية أيَّة حكومة هي التأكد من سلامة إجراءاتها الاقتصادية والتعليمية ومتانتها، وعلى ضرورة توفير طبقات قادرة على إدارة العملية التنموية.

هناك أيضًا بالتأكيد أنماط وإجراءات أخرى لتحويل المدرسة من مدرسة تقليدية إلى مدرسة تستجيب للتغيرات. والتحديات المفروضة من عالم معرفي ومعلوماتي يتغير باستمرار تفرض علينا أن نكون أكثر قدرة على التعلم الدائم من المتغيرات التي تحدث داخل المدرسة وخارج أسوارها. كما علينا أن نُدرك أنَّ ما نعتبره اليوم تعليما يتسم بالجودة العالية، سيصبح غدا تعليما تقليديا بسبب سرعة تغيُّر المعرفة وتجدد احتياجات وتطلعات المستفيدين (الطلاب، المعلمين، أولياء الأمور، المجتمع، أصحاب الأعمال). ولأنَّ الجودة في هذا السباق هدف متحرك؛ لذلك فإنَّ العملية تستلزم التحسن المستمر من أجل التوصل إليه.

appleorangeali@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك