وماذا بعد كلامك يا سماحة الشيخ؟

زينب الغريبية

سعر النفط يستمر في الهبوط، ويزداد معه هلع المحللين، مما يثير فزع المواطنين، وما المآل الذي ينتظرهم،لا أعلم ما إذا كانت البادرة التي أطلقتها الحكومة في المرحلة الراهنة تُسهم أيضًا في مسار تعزيز هذا الهلع؟ أم أنّها مآل طبيعي، فهذا حال كثير من دول العالم حتى المتقدم منها بأن يتحمّل المواطنون بدفعهم الضرائب جزءًا من الدخل الوطني فلا ضير في ذلك، فكله يكون منّا وإلينا، ولكن تبقى المشكلة قائمة إن اعتمدنا على هذه الزيادات في الضرائب فهي بكل تأكيد ليست الحل..

كتبت في عمودي هذا ما نشر بتاريخ 3/يناير/ 2016م، بعنوان" صناديق خيرية لدعم البحث والدراسة" أنّه" لا يمكن أن ترتقي الأمم والمجتمعات إلا بالعلم، فما نتاج هذا العصر من تقدم تقني وتكنولوجي ساحق ومتنام إلا نتيجة الاهتمام بالعلم والبحث، وتمويله وصرف مبالغ هائلة عليه، ولكن في المقابل كل ما ينتج من هذه الأبحاث، تقوم عليه صناعات واختراعات، منها تستفيد البشرية ومنها تحقق عوائد مادية على تلك الدول المنتجة لها، فنتاج البحث والاختبار الصحيح المبني على العلم بمساره الصحيح إنّما يعد أحد مصادر تنويع الدخل أيضًا، فاستثمار العقول لإنتاج العلم والمعرفة والمخترَع الجديد في أي مجال كان، إنّما استثمار يسجل للوطن ويرتقي به ماديًا حضاريًا"

فالنقلة النوعيّة التي ننتظرها لتنقذ الحال هي الاهتمام بالإنسان وتنمية عقله وقدراته، وهذا ما دعا له سماحة الشيخ أحمد الخليلي في حلقة الأسبوع الماضي من برنامج" سؤال أهل الذكر" لخّص سماحته حل المشكلة في عبارة بليغة وافية تحمل بين ثناياها ما ينقذ البلد من الأزمة لو تمّ الأخذ بها على أكمل وجه: "التخطيط السليم، والتنفيذ الأمين" وفصّل سماحته أنّه في التخطيط السليم علينا الاعتناء بالكوادر البشرية وتنميّة العقل البشري والاهتمام بالبحث العملي، فالعقل البشري هو زمام التقدم والرقي والنهضة الاقتصادية، فيضرب مثلا ببلادنا التي تبيع الأسماك وخيرات البحر بما يعود مقدار "200" مليون دولار سنويًا تقريبا، في حين أنّ اليابان تدخل "400" مليون من بيع زعانف الأسماك فقط، من غير لحومها، فهنا يفرق العقل البشري، وكيف بإمكانه استغلال كل شيء ليساهم في الدخل الوطني، فالتخطيط لتنميته ثمّ التخطيط منه لتنمية الاقتصاد والمجتمع بكافة احتياجاته، أمر أهم من تطوير القطاعات دون تنمية العقول والبحوث لكيفية الاستفادة القصوى منها، وكيفية تطوير كل جانب من جوانبها، لنصل إلى المستوى المطلوب والذي يحقق للاقتصاد المرحلة التي تجعله في مصاف الاقتصاديات التي لا تهزها الأزمات لأنّها تسير في خطى ثابتة.

ومن الجدير بالذكر هنا، أننا بالفعل لو عمدنا إلى تنمية العقل البشري، فنحن نمتلك تلك العقول، ونمتلك القوة البشرية الراغبة في التطوير، عندنا من العقول الشابة الراغبة في العمل ما نصنع به المستحيل الذي صنعته اليابان، قوة بشرية تنتمي إلى أرض الوطن ومستعدة للتضحية من أجله بكل ما تملك من قوة، وما يدلل على ذلك من (هبّة) الناس في وقت الأزمات والكوارث الطبيعية التي ألمت بالبلد في وقت الأعاصير، من تكاتف المواطنين كل بما يملك، من تجار وأصحاب عقارات، وشباب يملكون السواعد القويّة للمساعدة بما يملكون من قوة الشباب.

هذه العقول لو وجدت الحضن الذي يحتويها، ويقدم لها التطوير والتأهيل بالطريقة الصحيحة المنتجة، لأثمرت جهدًا قد لا نتوقعه؛ فطاقات الشباب دائمًا هي من تحدث المعجزات، وتنقذ الأحوال الصعبة لتجعلها ممكنة وسهلة، إلا أنّ سماحته قرَن التخطيط لها بالتنفيذ الأمين، فمتى ما وجدت الأمانة والحرص على الصالح العام للبلد، بأن يأخذ كل ذي حق حقه الذي يستحقه فقط، ويترك الباقي ليمضي في طريقه المرسوم له، وبالقدر الذي يحتاجه، ويجلب له الكفاءات الحقيقية، لا أن تحول مناقصة من باطن إلى باطن إلى باطن آخر، ويتم تقاسم المبلغ لعدة شركاء، لذا يبلغ المبلغ منتهاه الذي قد لا يستخدم إلا القليل منه لتنفيذ ذاك المشروع، وفي النهاية يقوم عمال شوارع لا يملكون المهارة بتنفيذ المشروع بمواصفات لا تصل إلى نسبة يسيرة من الجودة التي يفترض أن تكون بالمبلغ الذي دفع لذلك المشروع، ويقوم عليه مهندس لا يملك من الكفاءة والرؤية إلا القليل، والنتيجة قطرات من المطر تذهب بالمشروع إلى أدراج الرياح، فكأن شيئا لم يكن، وتلك المبالغ الذي صرفت عليه لم تعامل بقيمة الأمانة التي لو روعيت منذ البداية لما وصل الحال إلى هذا..

شهد تدريب الشباب، وتقديم فرص التعليم العالي لهم في السنوات القليلة الماضية تقدما لم تشهده البلد من قبل، (28) مؤسسة حكومية ما بين كليّات بمختلف التخصصيات العلمية والفنية والتقنية، مقابل (26) من الجامعات والكليّات الخاصة في نفس التخصصات، تشهد بعثات داخلية تقدم للشباب بدعم من الحكومة، إضافة إلى البعثات الخارجية، ناهيك عن المبالغ التي رصدت لتدريب الموظفين في القطاعات المختلفة والتي رصدت العام الماضي بما لا يقل عن (17) مليون ريال عماني، والسؤال هنا: هل تمكّنت كل هذه الفرص التعليمية والتدريبية من تمكين الشباب، أو الرفع من كفاءتهم الوظيفية والبحثية؟ وهل ساهمت في رفد القطاعات الصناعية والتجارية والسياحية والاجتماعية والتعليمية وغيرها من القطاعات بما يحقق التقدم الحقيقي لتلك القطاعات؟ والسؤال الأهم هو: لماذا؟ والإجابة بكل بساطة كانت في تعليق سماحة الشيخ أحمد: التطبيق الأمين..

حين تصبح مصلحة الوطن هي الأهم، والأمانة والإخلاص في مقدمة تعاملاتنا، والاهتمام بالعقل البشري في مقدمة أولوياتنا، هنا نقول: بأننا أصبحنا على الطريق الذي سيحقق لنا تخطِّي كل الأزمات، بل والوقوف بثبات في مواجهة كل أزمات تزفها لنا مخططات خارجيّة لا ترانا إلا كيانات ضعيفة هشّة بما صنعت أيدينا..

zainab_algharibi@yahoo.com

تعليق عبر الفيس بوك