الاستكشاف

المعتصم البوسعيدي

الإنسان كما يُقال عدو نفسه؛ فهو مع يقين حاجته للاهتمام بصحته وعافيته وسلوكه تجده لا ينتبه لذلك إلا إذا استجد في الأمر جديد، أو بعد "وقوع الفأس في الرأس" والفائزون هم من يبحثون عمَّا يجهلون ويستكشفون العوالم ويصنعون من أنفسهم قيمة قد يفقدون من أجلها جزء من حياتهم لكنهم يمضون في تحقيق الغاية التي أخلصوا النفس للوصول إليها.

نرى في عالم الكرة ما يشبه التناقض عند حديثنا عن الغرب وعقلية التخطيط؛ فريال مدريد بصيته العالي وبعد عودة الثقة بلقب عاشر في دوري أبطال أوروبا (رقم قياسي) يخرج في الموسم اللاحق "بخفي حنين" وليفربول الكبير "لا يمشي وحيدًا"، لكنه يحث الخطى لبطولة تَغرّبَ عنها ما يزيد على 25 عامًا ولم يجدها حتى الآن!! فيما أضحى مسرح الأحلام معقل "الشياطين الحُمر" مسرح الكوابيس المزعجة منذ تركه السير أليكس فيرجسون، في حين ينام "فينجر" قرير العين لسنوات طوال رغم أن مدافع "القنرز" باتت منذ سنوات تحمل طلقات كاذبة، وبإيطاليا "عجوز فاسدة" عادت شابة متألقة وسط ظلام دامس يجوب "السيرياA"، لكن التناقض يزول إذا ما عرفنا أنهم في شُغل دائم، يستكشفون ما يجهلون، همُّهم ليس تحقيق بطولة فقط؛ ولكن صناعة كيان له وجود وديمومة.

اليوم يعيش العالم على وقع الأزمة الإقتصادية؛ بسبب تداعيات التراجع المخيف لأسعار النفط "وما أدراك ما النفط" ولعلّ عالمنا العربي وخاصة الخليجي الأكثر تضررًا؛ نظير نسبة الاعتماد المرتفعة على الذهب الأسود لرفد الخزائن المالية؛ الأمر الذي استوجب اتخاذ إجراءات تقشفية وترشيد للإنفاق، طبعًا هذه ليست بحلول؛ إنما إملاء الحال "الديكتاتوري" لقد كان الاستكشاف الجغرافي الذي قامت به أوروبا في القرن الخامس عشر بحثًا عن المجهول الثمين ليس من العدم؛ حيث انطلقوا ليفتحوا آفاقا جديدة لنهضتهم التي بدأت مع انطفاء شعلة العرب والمسلمين، لقد سحقوا ظلمتهم بالاِستشكاف بكل أنواعه، فيما سحقنا بعضنا بالتنابز والجدال، ثم أصابنا نزق النفط واختلنا به متفاخرين نشتري ما لذَّ وطاب، فشتان بين مُصدِّر ومستورد!!

قررت أن أتحدث عن الأمل، عن الضوء في آخر النفق، لكن كي الجرح يتم من خلال اكتشاف عمقه، التحدي بات صعبًا، الواقع يقول يجب الاعتراف بأن هناك إخفاقات كبيرة والرياضة لها نصيب في الرخاء، فما بالنا بالشدة؟! "شركاء في العجز" وكذا كنا في الفائض، لكنه التغييب الذي انقطع حبله، والقدر الذي ساقه الله جاء ليعيد وعينا حول أمانة وجودنا في أرضه؛ فالعقل المصدر الأول لأي ميزانية على أن يتسق مع رغبة الاِستكشاف وبناء النهضة باختلاف معطيات الزمان والمكان.

كيف نستكشف الرياضة؟ وهل هي بحاجة لاِستكشاف؟ المثاليات لا تصنع واقعًا، العكس هو الصحيح، إنما هي شراكة الفكرة مع الآخرين والاجتهاد للمصلحة العامة، العشوائية تقود الفرق الأهلية التي تصنع النادي، والنادي لا تنتهي معه نقطة الصفر؛ فكلما تبدلت إدارة لا تجد لبنة قائمة، والاتحادات تضع رؤيتها ثم تصادف مفترق طرق لا تصيب جهته الصحيحة، وعلى المستوى الخليجي قد نجد في قطر والسعودية والإمارات ما نبحث عنه لولا أنها لا تزال تتنفس برئة الأمير والشيخ ولا تستطيع الحياة بدون تنفسه، أما البقية فما بين مشرد ومغترب، والبحث يظل من الخارج وليس من الداخل!

علينا النظر لـ"عصا موسى" والكف عن حب أوهام "السحرة" والطوفان لا يجابه بالاختباء؛ بل بخوضه والمساهمة في بناء السفينة، وليس العدم حقيقة الواقع، خُلقنا لنستكشف الموجود والمجهول في آن، وكعمانيين يجب ان نزرع في ذواتنا "أحمد بن ماجد"؛ لنبحر بهدى على طريق مستقيم.

تعليق عبر الفيس بوك