أحداث المنطقة والتحذير من الفتنة

صالح البلوشي

استقبلت منطقة الخليج العربي العام الجديد (2016) بتطورات سياسيّة خطيرة؛ أهمها قطع المملكة العربية السعودية علاقاتها الدبلوماسيّة مع إيران، بعد اقتحام متظاهرين إيرانيين سفارتها في طهران، وحرق محتوياتها، إضافة إلى الاعتداء على قنصليّتها في مدينة مشهد، واتهام طهران بالتدخل في الشؤون الداخلية للمملكة، وقد تبعت البحرين القرار السعودي وأعلنت هي الأخرى قطع العلاقات مع طهران، بينما اكتفت دولة الإمارات العربية المتحدة بتخفيض التمثيل الدبلوماسي إلى مستوى القائم بالأعمال.

هذه التطورات ستؤدي - على الأرجح- إلى تعقيد بعض الملفات الساخنة في المنطقة، التي قد ساد تفاؤل بإنهاء بعضها في السنة الجديدة، وأبرزها: الملفان السوري واليمني، إضافة إلى انخفاض أسعار النفط، وإلى جانب هذه القضايا السياسية والاقتصادية، فهناك مخاوف من أن تؤدي هذه الأزمة إلى تصعيد الخلاف الطائفي في المنطقة، واستغلالها من قبل الميليشيات والأحزاب التي ترفع لواء (الطائفة المنصورة) و(الفرقة الناجية) و (يا لثارات الحسين) التي تنشط بقوة في سورية والعراق وبعض المناطق الأخرى مما يهدد المنطقة بانفجار كبير لا قدر الله.

إنّ خطر الجماعات التكفيرية والميليشيات المتطرفة تهدد الجميع في المنطقة دون استثناء، وليس هناك دولة واحدة في منأى عنها؛ ولذلك فمن مصلحة جميع دول المنطقة العمل معا للتصدي - بقوة وحزم- لكل النعرات الطائفيّة التي قد تثار هنا أو هناك، وخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي التي نشطت فيها الحسابات الطائفية مؤخرًا عبر استغلال هذه الأحداث السياسية في تأجيج المشاعر الطائفية؛ عن طريق إثارة الخلافات التاريخية القديمة ومحاولة تصوير ما يحدث وكأنّه جزء من الصراع المذهبي، ولا يخفى خطورة مثل هذه الأطروحات على المنطقة برمتها وأمنها القومي.

ومن طبيعة الفتن التي تحاول بعض الجهات نشرها بشكل كبير أثناء هذه الأحداث أنّها تشتبه فيها المواقف وتلتبس فيها التصريحات التي تنقل من هنا وهناك في ظل تعدد مصادر نقل الأخبار فلا يُفرِّقَ فيها - أكثر النّاس- بين الأخبار الصحيحة والأخرى الكاذبة، منها: ما نُسب في الأيام الأخيرة إلى معالي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية، حول الإعدامات التي حدثت في السعودية ونفتها وزارة الخارجية بعد ذلك، ثم نُسبت تصريحات مفبركة أخرى إلى سعادة السفير العماني في طهران، والتي نفتها وزارة الخارجية أيضا، وبعد أن فشلت هذه المحاولة في جر السلطنة - المعروفة بخطابها السياسي المتزن ومواقفها العقلانية المعتدلة في جميع القضايا السياسية- في أتون هذه الأزمة الدبلوماسيّة؛ قامت بعض وكالات الأنباء بتزوير تصريحات أخرى إلى وزير خارجية قطر، مما يؤكد أنّ سوق التزوير وفبركة التصريحات أصبح يشهد رواجًا كبيرًا هذه الأيام، ومن المتوقع أن يتصاعد أكثر في الفترة المقبلة؛ ولذلك ينبغي الحذر من هذه الأخبار، وعدم نشرها في مواقع التواصل الاجتماعي ومجموعات الواتسأب إلا بعد التأكد منها.

ومن ذلك أيضا ترويج النزعات الطائفية واستغلال الأحداث لترويج الفتنة المذهبية في المجتمع عبر نشر مقالات مزورة بأسماء مستعارة أو روايات مكذوبة من كتب قديمة أو اقتطاع مقاطع معيّنة من محاضرات دينية أو خطب سياسية ونشرها بشكل واسع من أجل التحريض على أبناء المذاهب الأخرى.

إنّ قطع العلاقات بين الدول هو قرار سياسي تتخذه بعض الدول تعبيرًا عن الاحتجاج على ممارسات الدولة التي تقطع معها العلاقات الدبلوماسية، وتتنوع أسباب قطع العلاقات إلى قانونية، مثل: التجسس، والتدخل في الشؤون الداخلية، وأخرى سياسية مثل: وجود خلافات كبيرة في بعض القضايا السياسية مع دولة ما بما يهدد المصالح الوطنيّة والقوميّة للدولة الأخرى؛ ولذلك فلا ينبغي استغلال هذه المواقف السياسيّة من أجل بث خطاب الكراهية والطائفية في المجتمع، فالعلاقات الدوليّة سواء من ناحية التطبيع أو القطع تخضع للمصالح السياسية وليس للانتماء الطائفي، وحتى الصراعات التاريخيّة التي حدثت في التاريخ الإسلامي اعتبارًا من الفتنة الكبرى ومقتل الخليفة عثمان إلى الصراع بين الدولة العثمانيّة والصفويّة كانت جميعها صراعات سياسية حكمتها مصالح لا علاقة لها بالدين أو المذهب، وكل ما في الأمر أنّها كانت تُوظّف الدين في بعض السياقات من أجل إعطاء المشروعيّة الدينية لمواقفها.

وقد حذّر النبي محمد - عليه الصلاة والسلام- من الفتن وخطرها على المجتمع عندما حذّر أصحابه منها حيث نقل نعيم بن حماد في كتاب "الفتن" عن أبي الدرداء: "إنَّ الفتنة إذا أقبلَتْ شَبَّهتْ - يعني: تشتبه على بعض الناس بالحق- وإذا أدبرَتْ سفرتْ، وإنَّ الفتنة تُلقَح بالنَّجوى - حديث الناس بعضهم إلى بعض سرًّا- وتُنتَج بالشكوى، فلا تُثِيروها إذا حميتْ، ولا تعرضوا لها إذا عرضت. إنَّ الفتنة راتعةٌ في بلاد الله، تطَأُ في خِطامها، فلا يحلُّ لأحدٍ من البريَّة أنْ يُوقِظها حتى يأذَنَ الله لها، الويلُ لِمَن أخَذ بخطامها -أي: أيقَظَها وأقامَها أو قادَها- ثم الويلُ له، ثم الويلُ له".

تعليق عبر الفيس بوك