مواطن ما بعد النفط

خلفان العاصمي

مع مطلع كل عام ميلادي نترقَّب أيامه الأولى وما ستحمله من أخبار قد تدهشنا أو تفاجئنا بمختلف تفاوت درجة المفاجأة، أو قد تكون عادية ولكنها ستظل راسخة في الذهن؛ كونها الأخبار الأولى في عامنا الجديد، وستأخذ حيزًا كبيرًا من الحديث عنها، ليس لأهميتها فقط ولكنها رغبة نفسية منا في نسيان العام الماضي بكل ما حمله من أخبار وأحداث، واعتبار أنَّ ما كان هو مرحلة من مراحل حياتنا المتعاقبة والتي قد تكسبنا دروسًا جديدة في الحياة تعيننا على الأداء الأفضل في التجارب المشابهة في وقتنا القادم.

وعلى المستوى العام، سيظل الحديث عن حالة عجز الموازنة العامة للدولة، والتي أعلنت عنها رسميًّا الجهات المختصة مطلع العام الجديد، في حين أنَّ مؤشراتها كانت واضحة منذ بدايات هبوط أسعار النفط المتتالية إلى أن وصل لأقل مستوياته في الفترة الأخيرة. ومن هنا كان الحديث عن وضع عام مقلق اقتصاديًّا سواء على الدولة بشكل عام ومن ثم انعكاسه على باقي المؤسسات وصولًا للأفراد، ولعل ما جاء من تصريحات حول البدء في تطبيق أسعار تتماشى مع التسعيرة العالمية للمشتقات النفطية المقدمة للمستهلكين وتحديد منتصف الشهر الحالي موعدا للتطبيق حسب ما ستقره اللجنة المشكلة لذلك من أسعار أولية سيبدأ تنفيذها صبيحة الخامس عشر من يناير قد تتصاعد خلال الفترة المقبلة حسب حالة الوضع العالمي لأسعار النفط ومشتقاته. بالتأكيد الحديث عن التأثير المباشر لذلك للمواطن العماني ذي الدخل العادي والمتوسط سيكون واضحا، خاصة وأن الارتفاع لن يطال فقط مشتقات النفط وإنما سيلحق بالكثير من المواد الاستهلاكية حسب نظرية النسبة والتناسب والتي ستبرر بارتفاع عمليات النقل والشحن والتخزين...وغيرها من العمليات لهذه المواد، وإن كنت على يقين بأنَّ الهيئة العامة لحماية المستهلك ستقوم بأدوارها حسب ما تعودنا عليها إلا أنَّ المبررات التي سيسوقها التجار والموردون لهذه السلع قد تكون مقنعة ومتماشية مع توجيه مجلس الوزراء للهيئة بتكثيف مراقبة الأسعار، وبحيث لا تكون هناك زيادة غير مُبرَّرة تتجاوز الآثار المباشرة لهذه الإجراءات.

لن يكون التأثير المباشر للمواطن من ارتفاع تسعيرة المشتقات النفطية فقط، إلا أنَّه ومن ضمن الإجراءت التي قد تُتخذ -كما أعلنها مجلس الوزراء- هي مراجعة رفع الرسوم على بعض الخدمات الحكومية، والتي ستمس المواطن بشكل مباشر في الفترة المقبلة؛ كونه لن يستغنى أبدًا عن هذه الخدمات التي تقدمها له الحكومة.

ومع هذه المرحلة قد نتساءل: ما الذي يجب علينا أن نفعله؟ هل سنظل هكذا مستهلكين دون أن نتأثر بما يجري حولنا؟ هل ستتأثر موازناتنا الخاصة بالشكل الذي يجب أن نعيد من خلاله حساباتنا في إيراداتنا ومصروفاتنا؟

بالتأكيد الإجابة هي نعم؛ فالحل ليس هو الحال وإن كان البعض لن يحس بالتأثير بشكل مباشر، إلا أنه ولو استمر وتزايد سنجد أنفسنا في ورطة من أمرنا فبحسب المثل الدارج (قطرة قطرة تسيل وادي)، فهذه القطرات التي ستكون الزيادة في مصروفاتنا لو اجتمعت ستشكل رقمًا مؤثرًا في موازناتنا الشخصية، من هنا ومن المهم أن نعيد حساباتنا في الكثير من الأمور وأولها التقليل من استخدام سياراتنا الخاصة في مشاويرنا اليومية المعتادة وبالإمكان الاستعاضة بذلك من خلال استخدام سيارة واحدة لعدد محدد من أفراد العائلة للمشاوير المتوافقة مكانًا وزمانًا، وكذلك استخدام وسيلة نقل واحدة كالحافلات الصغيرة أو السيارات الخاصة لكل مجموعة من الموظفين القاطنين في محيط واحد ويعملون في نفس المؤسسة أو في نفس التجمع، وكذلك الاستعاضة بالمشي للتحرك في بعض المشاوير القريبة والتي من الممكن أن نقضيها مشيًا. وفي الجانب الاستهلاكي الآخر، فنحن الآن بحاجة ماسة للترشيد المعتدل الذي هو ما بين التبذير والتقتير فقليل من إعادة الحسبة حول ما ننفقه سواء على بعض الأساسيات أو الكماليات بحيث لا يؤثر ذلك بشكل كبير على ما تعودنا عليه من نمط لحياتنا الاجتماعية.

أيضا من المهم أن نبدأ في البحث عن تنويع مصادر للدخل لكل منا؛ ففعلا الآن مقولة (الراتب ما يكفي) ستثيت فاعليتها؛ حيث من الجيد أن نفكر في مصادر قد تضيف لدخلنا ما نستطيع أن نوازن به ما بين ما نصرف وما يدخل علينا من مورد مادي، الكل منا لديه مهارة معينة أو قدرات معينة بإمكانه توظيفها في إنجاز أي عمل آخر ذي مردود مادي، إن لم يستطع أن يُنشئ نشاطا تجاريا ثابتا يمارسه بعد فترات دوامه الرسمي أو مشروع منزلي يتعاون عليه أفراد الأسرة خلال أوقات الفراغ.

الأزمة أصبحت واقعا سنعيشه قريبًا؛ وبالتالي من المهم أن يكون هناك حراك موازٍ حتى نحد من شدة تأثيرها علينا وعلى أنماط حياتنا العامة.

تعليق عبر الفيس بوك