اقتصاد المعرفة صمام أمان للاقتصاد الوطني

د. سليمان المحذوري

نظّمت اللجنة الوطنيّة العُمانيّة للتربيّة والثقافة والعلوم ندوة وطنيّة حول اقتصاديات المعرفة بتاريخ 30 ديسمبر 2015م، في رحاب جامعة السلطان قابوس حضرها ثُلة من الباحثين والمُهتمين من بعض القطاعات كمجلس التعليم، والمجلس الأعلى للتخطيط، ومجلس البحث العلمي، ووزارة التربية والتعليم، وهيئة تقنية المعلومات وغيرها من الجهات.

ولا يخفى على المُتابع للشأن الاقتصادي أنّ المعرفة أصبحت مُحرك الإنتاج والنمو الاقتصادي في العالم، وأضحى مصطلح "اقتصاد المعرفة" Knowledge Economyمن المصطلحات التي يتم تداولها على نطاق واسع؛ بيد أنّه لا يوجد تعريف مُحدّد ومُتفق عليه لهذا المفهوم، ولكن أغلب التعريفات تتمحور حول أهمية وضرورة الاعتماد على قوة المعلومات والمعرفة ورأس المال البشري بدلاً من الاعتماد على المواد الخام والثروات الطبيعية. يُعرّف الدكتور محمد شوكت عليان اقتصاد المعرفة بأنّه "الاقتصاد الذي تُحقق فيه المعرفة الجزء الأعظم من القيمة المُضافة؛ بمعنى أنّ المعرفة تشّكل مكوناً أساسياً في العملية الإنتاجية" [1]، ويُمكن تعريفه كذلك "بأنّه نمط اقتصادي مُتطور قائم على استخدام واسع النطاق للمعلوماتية وشبكات الإنترنت في مُختلف أوجه النشاط الاقتصادي"[2] واستناداً إلى التعريفين السابقين فإنّ المعرفة هي المُحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي، كما أنّ الموارد البشرية المُؤهلة ذات المهارات العالية تُعتبر أكثر قيمة في هذا الاقتصاد.

ورغم أنّ الندوة المُومأ إليها كانت لمدة يوم واحد؛ إلا أنّها سلطت الضوء على جانب مُهم يُمكن التعويل عليه كرافد حيوي في استدامة الاقتصادي الوطني لا سيما في ظل الظروف الحالية التي تشهدها السلطنة كباقي الدول التي تعتمد اعتماداً كلياً على النفط كمصدر رئيسي للدخل. حيث ناقشت أوراق العمل المُقدّمة موضوع اقتصاد المعرفة من عدة زوايا كدوره في التنمية المُستدامة، ودور مجلس البحث العلمي، وتقنية المعلومات في هذا الجانب.

والواقع أنّ موضوع اقتصاد المعرفة ليس مفهوماً جديداً بل إنّ دولاً مثل: كوريا الجنوبية وفنلندا تبنت هذا النهج وحققت طفرات اقتصادية ما زالت تجني ثمار توجهها هذا؛ بل إنّ دولاً أخرى كالنرويج وهي دولة نفطية لا تهتم بالحديث الدائر عن انخفاض أسعار النفط أو ارتفاعه لأنّها تمكنت من بناء اقتصاد قوي قائم على اقتصاد المعرفة.

ورغم أنّ الرؤية المستقبلية عُمان 2020 ونحن الآن على مشارف نهايتها هدفت إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي، والتوازن المالي، والسعي إلى إحداث تغيرات جوهرية واسعة في هيكل الاقتصاد الوطني بتنويع مصادر الدخل القومي؛ وذلك بالعمل على رفع حصة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 68.8% بنهاية عام 2020م (سبلة عُمان) ؛ إلا أنّه ووفقاً لصحيفة البلد الإلكترونية "ذكر تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي أنّ السلطنة تأتي في المرتبة السادسة عالمياً في آخر ٥ سنوات من حيث اعتماد ميزانيتها العامّة على الإيرادات النفطية بنسبة ٨٣٪ " ؛ أي أنّ الاقتصاد العُماني ما زال يعتمد على النفط كمورد رئيسي للميزانية والذي يتأثر بشكل مُباشر بعوامل اقتصادية وسياسية. واستناداً للبيان الذي أصدرته الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط حول خطة التنمية الخمسية التاسعة (2016-2020م) يُتوقع أن تنمو الأنشطة غير النفطية خلال هذه الخطة بنحو 3ر4%، وهو مُؤشر لا يزال دون الطموح.

ومع أزمة التراجع في أسعار النفط حيث بلغ سعر التداول للنفط العُماني حدود 33 دولارًا أمريكيًا للبرميل (منتصف ديسمبر 2015م) ويبدو أنّ الأيام القادمة حُبلى بالمُفاجآت، وبالتالي مع كل هزة اقتصادية من هذا النوع نبدأ مُجدداً في تقليب ملفاتنا القديمة، والبحث عن منقذ من هذا المأزق وهذا ما اسميته بـ "نار ليف" بمعنى أنّها سريعة الاشتعال وسريعة الانطفاء في ذات الوقت، وبمجرد أن تنتهي الأزمة نعود إلى سابق عهدنا وكأن شيئاً لم يكن.

وفي خضم استعدادات السلطنة لإعداد الرؤية المُستقبلية القادمة "عُمان 2040"، بهدف الاستفادة من التطورات الاقتصادية والاجتماعية على الصعيد المحلي والإقليمي والعالمي، مع الأخذ في الاعتبار التقييم الذي قام المجلس الأعلى للتخطيط للرؤية المُستقبلية للاقتصاد العُماني "عُمان 2020" ؛ بات من الأهمية بمكان أن يتمّ التركيز على " اقتصاديات المعرفة" كنهج تتبناه السلطنة للمرحلة القادمة، وكاستثمار بعيد المدى، وخيار يفرض نفسه وبقوة في الوقت الراهن؛ لتجنب أزمات انخفاض النفط المتكررة، وضماناً للاستقرار المالي في السلطنة؛ وذلك وفقاً لخطة استراتيجيّة وطنيّة وربما تكون البداية بالتركيز على البحث العلمي رغم أنّ الإنفاق الحكومي على هذا القطاع لا يتجاوز 2% من ميزانية الدولة، ناهيكم عن أهمية الاعتناء بالبنية التحتية لهذا القطاع الواعد- اقتصاد المعرفة - مثل مجمع الابتكار مسقط كحاضنة طبيعية للباحثين المتفرغين، وتوليد الكفاءات الوطنيّة المتخصصة والمؤهلة في ذات الوقت، إلى جانب تأسيس شبكة إلكترونية معلوماتية مُحفزّة تفي بمتطلبات الاقتصاد المأمول، وكذلك التخلص من البيروقراطية بكل أشكالها، إضافة إلى أهمية العمل التكاملي بين جميع المُؤسسات لتحقيق ذات الهدف، فضلاً عن تفعيل دور القطاع الخاص ليكون شريكاً فاعلاً في تحريك اقتصاد المعرفة، وقبل هذا وذاك بناء نظام تعليمي متطور؛ عندها يُمكن للسلطنة أن تعتمد على المعرفة كمُحرك ورافد أساسي للاقتصاد الوطني، ومن ثمّ تصبح أنموذجاً في هذا الاتجاه إقليمياً وعربياً، ودولةً مُنتجة للمعرفة بل ومصدرةً للعمالة الماهرة، ولعله من المُناسب في هذا الصدد أن تتبنى جامعة السلطان قابوس بالتعاون مع مجلس البحث العلمي ندوة وطنيّة دوليّة بشكل موسّع تُعنى باقتصاديات المعرفة وأهمية الاستثمار في رأس المال البشري، ويتم دعوة المختصين في هذا الشأن محلياً وإقليمياً، بالإضافة إلى الإفادة من تجارب الدول الرائدة في هذا المجال.

abu-alazher172@hotmail.com



[1]محمد شوكت عليان، ورقة بعنوان "الاقتصاد المعرفي"، مؤتمر رأس المال البشري في اقتصاد المعرفة، ابريل 2013،،جامعة الزيتونة الأردنية.

[2] عـيسى خـلـيفي وآخرون، ورقة بعنوان " البنية التحتية لاقتصاد المعارف في الوطن العربي: الـواقـع و الآفـاق، الملتقى الدولي حول اقتصاد المعرفة، نوفمبر2005، جامعة محمد خيضر، الجزائر.

تعليق عبر الفيس بوك