مختصون: بإمكان المؤمن التخلص من مخاوفه المتعلقة بالموت بمجالسة أصحاب الطاقة الإيجابية

إدراك أنَّ موت المؤمن خاتمة لدنيا التعب والمشقة يمنح النفس الطمأنينة

< مكي: جهلي بالكثير من الأمور المتعلقة بالآخرة يزيد هواجسي تجاه الموت فجأة

< نورة: فقدت والدي وجدي في يوم واحد.. وهو سبب كاف لفزعي من ذكر الموت

< إيمان: أخشى الموت لعدم استعدادي له في ظل كثرة الانشغال بالدنيا والغفلة عن الآخرة

< أحمد: الإيمان بأن الموت حق لا ينفي أن الكثير من الهواجس المتعلقة به تطاردنا

< الفهدي: لذكر الموت فوائد كثيرة وردت في الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة

قال عددٌ من الشباب إنَّ هاجس الخوف من الموت يلاحقهم في كل شؤون حياتهم. فعلى الرغم من يقينهم بأنَّ الموت حقٌّ، لكنهم في الوقت نفسه يخشون عدم استعدادهم للقاء الله فجأة. وأشاروا إلى أنَّ تلك الأفكار تحرمهم الاستمتاع بحياتهم دون أن يتمكَّنوا من الموازنة بين العمل من أجل الآخرة والمضي قدما تجاه تحقيق طموحاتهم الدنيوية. وأكد عددٌ من المختصين أنَّ بإمكان كل إنسان التخلص من الأفكار السلبية المتعلقة بالموت، والعمل على أن يستبدل بها الأفكار الإيجابية؛ وذلك من خلال تربية النفس على حُبِّ الله والشوق إلى لقائه، من خلال كثرة ذكر الله والتقرُّب إليه بالأعمال الصالحة، وإخلاص النية وصدق العمل. وأشاروا إلى أهمية أنْ يكون ذكر الموت حافزًا للعمل الدائم والمسابقة بالخيرات والسعى لإعمار الأرض، وتحقيق خلافة الإنسان على أفضل صورة.

وأكَّد مَن استطلعنا آراءهم في هذا الشأن على أهمية الجلوس إلى أصحاب الطاقات الإيجابية الذين يدفعون إلى التفكير في كلِّ نافع ومُفيد، وملء أوقات الفراغ بالمشاريع الناجحة.

تحقيق - شذى الخروصيَّة

كلية الآداب والعلوم الاجتماعيَّة

قسم الإعلام (صحافة ونشر إلكتروني)

وقال راشد مكي (18 عاما) إنَّه يخشى الموت لأنه يجهل أمورا كثيرة متعلقة به؛ ومنها: الاحتضار وسكرة الموت وألم الروح والكفن والقبر، وأضاف: أخاف من منظر الأموات والجثث، وأتجنَّب المشاركة في الدفن والذهاب للجنازات؛ وأحاول أن أستبعده من تفكيري، وأرفض الخوض في أي نقاش متعلق بهذا الموضوع؛ لأن ذلك يوحي لي بشيء أليم في النفس.

وقالت نورة عامر (25 عاما): أخشى الموت بمجرد أن أتذكر أنه كان سببا لفقدان الأحبة ونهاية الآمال والطموحات، خصوصا عندما أتذكر رحيل أبي وجدي في يوم واحد.

وعبَّرت إيمان محمد (33 عاما) عن مخاوفها قائلة: أخشى الموت لأنني لست مستعدة له؛ فهناك الكثير من الأمور لابد من مراجعتها قبل ملاقاة الله، والسبب الحقيقي يدور حول ضعف الرقابة الذاتية على التصرفات اليومية وكثرة الغفلة والنسيان.

وقال مطر أحمد (45 عاما): نؤمن بأنَّ الموت حق، لكن يوجد الكثير من الرعب والهواجس التي تتغلغل في نفسي وتجعلني أتساءل أسئلة لا أجوبة لها؛ فالخوف من المجهول يشعرني بالوحدة والكابة وضيق النفس، وهذا ما يجعلني أنفر من التفكير فيه.

الإنسان مُحبٌّ للبقاء

ومن جانبه، قال الدكتور محمد شريف سالم استشاري الطب النفسي في تفسيره لتلك المشاعر: إن الإنسان محبٌ للبقاء، وهذا ميل طبيعي فيه، ويعبر عن ذلك بغريزة حب البقاء، والناس في الحياة الدنيا إزاء الموت على قسمين: قسم يستوحش منه لأن كواهلهم مثقلة بعظائم الذنوب، فإذا فوجئوا بالموت يلجأون إلى التوبة والإنابة ويندمون، ولكن لاتَ ساعة مندم. وقسم آخر، يشتاقون إلى الموت ويتلقونه بصدورٍ رحبةٍ ووجوهٍ مشرقةٍ، وهؤلاء هم الأنبياء والأولياء والعلماء والشهداء، ومن كان يعمل صالحاً في حياته الدنيا من سائر المؤمنين. وبالنسبة للإنسان المؤمن فإن الموت لا يمثل له ذلك المجهول الذي يرهبه ويرعبه، ولكنه قضاء الله وحكمته، وكما أنَّ للحياة حكمة كذلك فإن للموت حكمة وغاية. فلا بد أن يتيقن أن موت المؤمن خاتمة الأتعاب وبدء الراحة الأبدية.

وأضاف بأنَّ اتجاهنا نحو الموت اتجاه متناقض؛ ذلك لأننا نسلِّم به ولا ننكره ولكننا نكرهه ونتوقعه ونود أن يتأخر. نعترف به ولكن ننساه، ومن الجدير بالذكر أيضاً أننا جميعاً نخشى الموت ولكن بدرجات متفاوتة؛ فالخوف من الموت بدرجة منخفضة أمر سوي وعادي، بل ومطلوب طالما دَفَع إلى الاستعداد له بالعمل الصالح وعدم الاغترار بالدنيا.

وقال الدكتور عبدالحافظ إسماعيل عامر اختصاصي إرشاد وتوجيه: إنَّ المؤمن يستطيع أن يتخلص من الأفكار السلبية تجاه الموت واستبدالها بالأفكار الإيجابية، بأن يسأل نفسه: هل الموت من لوازم الحياة الإنسانية؟ أو هل يمكن التخلص منه؟ والجواب بدهي بالطبع؛ إذ ليس من عاقل يعترض على كون الموت أمرا حتميا، وضريبة على كل كائن حي بدليل قوله تعالى: "قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم". ومادام الأمر كذلك فلماذا أخاف من الموت؟ فلقد تعهد لنا الله تعالى أن "ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون"؛ فالموت في نظر العقلاء والمؤمنين انتقال من مرحلة مؤقتة إلى حياة أخروية دائمة.

وأوضح بأنه من الناحية النفسية هناك ثلاثة أنواع من المناقشات يستطيع بها الشخص أن يناقش بها نفسه حتى يتخلص من الأفكار السلبية والوساوس تجاه الموت، ومنها المناقشة العملية، أي يبدأ الشخص بسؤال نفسه "ماذا أستفيد من فكرة خوفي من الموت؟" بالطبع لا أستفيد شيئًا غير أنَّ الفكرة تؤذيني نفسيا وعقليا، فهل يوجد بحوث أو كتب أو دراسات تثبت أن فكرتي صحيحة؟ فهذا الإيذاء يجلب للنفس الحزن والتعاسة. والمناقشة الثانية هي الدينية، أي يخاطب الشخص نفسه بمستوى الثقافة الدينية التي يمتلكها، فلا يوجد إنسان خالد في الكون وجميعنا راحلون، وسيأتي يومٌ وسألحقهم.. لماذا أحزن والبقاء لله وحده؟ أما المناقشة الثالثة فهي المنطقية بمعنى سؤال النفس: أين المنطق من وجود هذا الحزن؟ ولماذا لا أستبدل هذه الأفكار والمناقشات اللاعقلانية بأفكار عقلانية ومنطقية؟

تجنُّب الأفكار السلبية

وأضاف الدكتور عبدالحافظ بأنَّه بإمكان أي شخص أن يطرد الأفكار السلبية من تفكيره من خلال تذكرة نفسه دائمًا بأن الحياة الدنيا هي دار ممر وزوال، وأن الحياة الآخرة هي دار المقامة والخلود، وأن بين الدنيا والآخرة حياة البرزخ المؤقتة، وأن الموت ما هو إلا انتقال لروح الإنسان من دارٍ إلى دار، فليس هو فناء للروح كما آمنت بذلك واعتقدت الأمم الضالة، بل هو وسيلة تخلص الإنسان من ضيق الحياة وتنقله إلى رحمة الله ورضوانه، كما يُذكِّر الإنسان نفسه دائمًا بأنَّ القبر هو مرحلة عابرة كذلك وهو روضة من رياض الجنة لمن آمن بالله تعالى وأحسن العمل. وأن يُدرك الإنسان أنه لم ولن يسلم من الموت أحد من الناس، فما نجا منه نبي مجتبى أو ملك مقرب، وقد مات خاتم الأنبياء وهو خير الناس. وأن يعمق الإنسان الإيمان في نفسه ويجذره، وإن من شأن ذلك أن يهون على قلبه ونفسه أمورا كثيرة ومن بينها الموت؛ فالإنسان المؤمن لا يخاف من الموت لعلمه برحمة الله تعالى بخلقه ولحسن ظنه برب العالمين. كما يجب اليقين التام بأنَ الموت أمر مقدر على كل الخلق وبأنَ الموت ليس لك وحدك؛ بل سبقكَ إليه مليارات البشر، وسيُصيب كل إنسان مهما علا شأنه وازدادت منعته، وبإيمانك الجازم بأنَّ الموت مُقدر من عند الله سيزداد منسوب الثقة، ويبدأ الخوف بالتلاشي رويداً رويداً. ولابد من الإيمان بأن الموت والحياة عمليتان متداخلتان ومتعاقبتان: وأن من يميتنا قادر على إحيائنا.. وأن الموت يأتي للإنسان في وقته، بعد أن يستوعب الإنسان مقدماته غالبا "وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا".

وأكَّد الدكتور عبدالحافظ على ضرورة تربية النفس وتدريبها على حب الله والشوق إلى لقائه، من خلال كثرة ذكر الله والتقرب إليه بالأعمال الصالحة، وإخلاص النية وصدق العمل. وأن يكون ذكر الموت حافز للعمل الدائم والمسابقة بالخيرات: "من ارتقب الموت، سارع إلى الخيرات" حتى تثقل كفة حسناتنا وأعمالنا الصالحة.. وأن نسعى دائما لإعمار الأرض، وتحقيق خلافة الإنسان لله على أفضل صورة "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا.. واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا".

واختتم الدكتور عبدالحافظ مُخاطبا كلَّ من تطارده هواجس الخوف من الموت بقوله: لابد أن تطرد الأفكار التي تتكرر في ذهنك حول الموت وما بعدَ الموت، وليكُن تركيزك على ما ينفعك، وبأن يكون الموت سبباً في أن تقدم الخير في الدنيا لا أن تكتئب وتحزن وتقلق، لأنك مأمور بالإنتاج وتقديم الخدمة لك ولمن حولك من الناس، وحاول أن تجلس مع أصحاب الطاقات الإيجابية الذين يُثيرون التفكير لديك بكل نافع ومُفيد، خصوصاً عندما تملأ أوقات فراغك بالمشاريع الناجحة والريادية التي تجعلك إيجابيا بعيداً عن الهموم وعن التفكير السلبي.

فوائد ذكر الموت

وعن فوائد ذكر الموت، قال أحمد الفهدي إمام مسجد: ينبغي للعبد تذكر الموت وجعله نصب عينيه ليُنشط للطاعات ويكثر التوبة والإنابة إلى الله ويبتعد عن المعاصي حتى لا يبغته الموت وهو يقارف المنكرات فيبوء بسوء الخاتمة أعاذنا الله. فالإنسان يستطيع أنْ يزور القبور حتى يتذكر الموت، ويقف وقفة تأمل ومحاسبة امتثالا لما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم: "إني نهيتكم عن زيارة القبور؛ ألا فزوروها؛ فإنها ترق القلب وتدمع العين ولاتقولوا هجرا". وهناك الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة يذكر من خلالها رسولنا الكريم فوائد ذكر وتذكر الموت، ففي الحديث: "أكثروا ذكر هادم اللذات الموت، فإنه لم يذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه عليه" رواه البيهقي.

وأشار الفهدي إلى قول الدقاق: من أكثر من ذكر الموت أكرم بثلاثة أشياء: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة، ومن نسي الموت عوقب بثلاثة أشياء: تسويف التوبة، وترك الرضا بالكفاف، والتكاسل في العبادة. وعن ابن عمر أنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم عاشر عشرةٍ، فقام رجل من الأنصار، فقال: يا نبي الله، مَنْ أكيس الناس وأحزم الناس؟ فقال: أكثرهم ذكرًا للموت، وأشدهم استعدادًا للموت قبل نزول الموت، أولئك هم الأكياس ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة. رواه ابن ماجه. إذن لابد من الإيمان بالقضاء والقدر؛ حيث إنَّ أجمل ما يصبر عليه الإنسان نفسه من ابتلاءات هذه الدنيا هو الركن السادس من أركان الإيمان "الإيمان بالقدر خيره وشره".. فكيف نستطيع أن نغرس هذا الركن في قلوب أبناء هذا الجيل، خصوصاعندما يتعلق الموضوع بالموت؟!

قلة الذكر والتأمل

وقالت أمل المزروعية معلمة تربية إسلامية: إنَّ جيل التكنولوجيا ضعيف رقيق لا يتحمل المصائب؛ لأنه يلهو في هذه الحياة، قليل الذكر وقليل التأمل. وبشكل عام فإن الله تعالى أودع في قلب كل مسلم مقدارا من الإيمان، فنجد شخصا كثيرَ الإيمان ونجد الآخر عكسه. فكيف لنا أن نغرس ركن الإيمان بالقضاء والقدر في نفوس طلابنا وطالباتنا؟ في البداية لابد لهم أن يساعدوا أنفسهم كي نساعدهم، يساعدونها بالتمسك الديني والتفقه في أمور الدين وجعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- قدوة لهم في كل شي. ويأتي دورنا -كمعلمين ومربيين- أن نعلمهم أن يحمدوا الله تعالى على كل شيء -في الفرح والحزن- وتشجيعهم على أنه من حمد الله عند نزول المصيبة؛ فإن الله يبني له بيتا في الجنة وهو بيت الحمد فقط أي لمن يحمد الله على ما قضى وقدر. ولابد أن نعودهم منذ الصغر بقول "إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلفني خيرا منها"، ونعلمهم المعاني الجميلة التي يحملها الدعاء حيث يجب التأكد بتيقنهم التام بأن الدنيا دار الفناء ولن تدوم لأحد إلا لله جل وعلا "كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام". ونذكرهم باستمرار أن أقدار الله هي الأصلح لنا وأن فيها من الرحمة والحكمة وإن كنا لا نراها ولا نعلمها، فسبحانه أن يقضي شيئا عبثا؛ فكل شيء نسلمه لله سواء كان خيرًا أو شرًّا.

تعليق عبر الفيس بوك