أدمنَّا عشق "النفط" فغَدَر بنا!

ابتهاج المسكريَّة

أكاد أُجزم -بل أُقسم وأبصم- أنَّ جل مشاكلنا تعود إذا ما رجعنا خطوة، خطوة إلى الوراء، متحسِّسين خَيْطها الطويل الضارب في السنين إلى السيِّد نفط، فنجده مُمسكا بالخيط ويُوجِّهه بكبرياء إلى حيث يشاء، ونحن حيث يكون سيدنا نكون، ولا عقب كلمته سوى سمعًا وطاعة.. سيدنا الذي أغدق علينا من فَضْله كما فضلاته ليس مهما، بما أنَّ غيمته دفَّاقة رقراقه على أدمغتنا المرتخية. السيِّد نفط الذي -رفقاً بنا، ولأن لا بدر يرجى من سمائنا- حوَّلنا بقواه السحرية وحُسن سيرته وبطش سلوكه من بربر إلى شعوب متحضرة، من القاع إلى القمة بقفزة واحدة بكشطة واحدة لصحرائنا الخاوية، أسرنا بكرمه فأسرفنا في تصديقه وتبجيله وتقديسه، ودس شيفرة حياتنا في محفظته، فلا حياة لنا دونه، ولا أحد يجهز علينا سواه، وأخذنا نراقب أخباره بنهم وحرص؛ إن ارتفع مقامه ارتفع مقامنا وازددنا تراخيا وطمأنينة، وإن هبط قدره وهيبته عوَّلنا عليه وبمواقفه الرجولية معنا "بعد غد تعود.. لا بد أن تعود"، لكنه مزاجي حتى العصب، يشد ويمط وتر العود ساعة، ويرخيه ساعات، فيبدو اللحن نشازا، فأطلَّ علينا عام 1998 من شرفة قصره يلوح بالوداع ويلقي يمين الفراق ويحرق أجندتنا معه، إلا أن الساسة يطمئنون والرعية يضحكون، لا لطم ولا بكاء ولا إستراتيجيات جديدة ولا خطة حقيقية لتمكين سيد جديد أو عدة أسياد لدحض كل فرص الهجر المستقبلية، وإن دمعت أعين بعض المراقبين للوضع وشعر أنَّ الغيمة تقطر "حجارة من سجيل"، وصاح ملء قلبه "أنا أرتعد" يلوح في وجهه بمنديل أبيض رقيق يهدهده لينام، وإن أطال النحيب تلقى لكمة على وجهه ليفقد وعيه.

"ودارت الأيام..ومرت، ما بين بعاد وخصام، وقبلته نسيت إني خاصمته ونسيت الليل اللي سهرته.. وسامحت عذاب قلبي وحيرته.. ما عرفش إزاي أنا كلمته"، تختصر السيدة أم كلثوم علاقتنا معه؛ فبعد هذا الهجر والذي بالمناسبة لم يكن الأول، نعود لنسلِّم له أعناقنا ومفاتيحنا وأدمغتنا، ونجلس أسفل قدميه نرقب حضوره الطاغي علينا، يهاتفنا من جديد في العام 2008 يصبُّ على مسامعنا قراره الأخير الذي لا رجعة فيه، يود أن ينسلخ منا. يقول إنَّ هذا الاهتمام المبالغ فيه يصيبه بالغثيان والملل وهو يحب شيئًا من التمنع، سيدنا يبدو مازوشي الشخصية يتمتَّع بالتعذيب ونحن شعوب وساسة لم نعتد سوى تدليل النفط، نقابل توعده وتهديده بمزيد من التمسك؛ كضحايا الذين يعشقون جلَّاديهم رافعين شعار "مش ح تنازل عنك أبدا مهما يكون"، وإلى عامنا هذا نرفع ذات الشعار في حب النفط الذي يسقط منا الأمان بمستقبل رغيد.

e.k.a_00@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك